بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

نحو اتحادات طلابية لا تخشى التحدث في السياسة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بدأ العام الدراسي الجديد 2016/2017 بقرار لوزير التعليم العالي بإلغاء اتحاد طلاب مصر، وإعلانه العمل بلائحة 2007 في تنظيم انتخابات الاتحادات الطلابية القادمة التي ستبدأ في نهاية شهر نوفمبر.

ستبدأ انتخابات اتحاد الطلاب ويبدأ معها نقاشات العام وكل عام في الأوساط الطلابية والتنظيمات السياسية. نقاش يتكرر كل عام تقريبًا بين تلك القوى، في التنسيقيات والأطروحات المختلفة لكل كيان طلابي، حول طبيعة الاتحادات الطلابية، وتتعدد الأسئلة حول اتحاد الطلاب بطبيعته “النقابية” التي تعمل وتناضل لتحقيق مصالح الطلاب داخل الجامعة وفقط، أو وجود اتحاد طلابي “مُسيَّس” يعبر حدود الجامعة ومشاكلها المحدودة ليشتبك كتنظيم للطلاب مع القضايا المختلفة في المجتمع.

تتكرر النقاشات كل عام من نقطة الصفر، وكأننا لم تمر علينا تجارب حديثة عشنا معها تثبت بأن وجود اتحاد طلابي قوي يدافع عن حقوق الطلاب في جامعة مستقلة أكاديميًا لن يمكن تحقيقه إلا في مجتمع ديمقراطي حقيقي، وذلك الأخير بالتأكيد لن يمكن تحقيقه إلا بانخراط الطلاب وتنظيماتها المختلفة ومنها اتحاد الطلاب في المعارك الاقتصادية الاجتماعية والسياسية التي تؤثر علي جميع طبقات المجتمع، وعلى فئات المجتمع المختلفة والتي من ضمنها الطلاب.

بالطبع لتلك النقاشات ما يبرر وجودها إلى الآن، فلا تزال تلك القوى تتبني موقف يتسم بالتذبذب في نظرتها إلى الدولة وعلاقاتها مع الطلاب، وكذلك تعامل تلك القوى مع الانتخابات كهدف في حد ذاته، يجب إنجازه بأي شكل من الأشكال، ليس كأداة وخطوة في طريق طويل من النضال، تعتبر معركة الاتحادات الطلابية هي إحدى معاركه المتعددة، وكذلك أفكار تلك القوى التي تحصر الاتحادات في شكلها النقابي؛ لسببين أساسيين وهما خوف تلك القوى من الصدام مع الدولة مما يتسبب في مواجهة قد تتسبب في القضاء على تلك الاتحادات – وكأن تجربة اتحاد طلاب مصر الأخيرة والتي قضت فيها الدولة على اتحاد طلاب مصر “غير المُسيّس والنقابي بامتياز” لم تكن. الاتحاد واجه قرارات الدولة بشكل متذبذب خوفًا من حدوث الصدام – والسبب الآخر عدم ثقة تلك القوى في الطلاب، فلا زال هناك افتراض بتأخر وعي الطلاب وتخوّفهم من السياسية مما يتسبب في هزيمة طلاب القوى السياسية في الانتخابات، هذا الفرض الذي لم يتم قياسه على الأرض من جانب تلك القوى.

النقاط السابقة أثبتت أن النظر إلى الجامعة ككيان منفصل عن الأحداث التي تدور خارج أسوارها، لا يخدم إلا الأنظمة التي تحاول جاهدة الحفاظ على الجامعة في وضع هادئ مُستقر لا يشوبه أي بوادر لأي حراك اجتماعي أو سياسي، نظرًا لقوة الطلاب في معادلة التغيير والحشد، وأن دخول الطلاب لتلك المعارك يقوي من صفوف المعارضة باعتبار الطلاب من أكثر الفئات المتقدمة في الوعي، فالجامعة يمكن تشبيهها بمساحة للتباري بين الدولة والمعارضة في شتى الجوانب ومنها بالطبع الاتحادات الطلابية باعتبارها الكيان”الشرعي” الوحيد الممثل للطلاب. “تدجين” اتحادات الطلاب كان دائمًا هدفًا للأنظمة المتعاقبة، تارة بالقوة وأخريات باللين.

تاريخ اللوائح الطلابية، وهي”الإطار الرسمي الذي ينظم اتحادات الطلاب وصلاحياته”، مليء بالشد والجذب بين الطلاب والدولة، وذلك بارتباط وثيق بين الوضع السياسي والاجتماعي العام، والعامل الأساسي في تغيير اللوائح الطلابية أو تعديلها هو ثقل الطلاب وقوتهم ومدى تأثيرهم في المعادلة، فكلما كان هناك حراك طلابي قوي، نجد ردود أفعال من الدولة تتعلق بتغيير في اللوائح الطلابية، فاللائحة الطلابية الأولى التي تم إصدارها عام 1958 في عهد جمال عبد الناصر لم تكن إلا وسيلة لتقييد الحراك الطلابي المنتشر آنذاك منذ عام 1954 ضد الإجراءات التعسفية للحكم العسكري للضباط الأحرار، مرورا بلائحة 1968 واللائحة الطلابية في 1976 واللائحة الطلابية في 1976 ولائحة 1979 وتعديلاتها في 2007 نهاية باللائحة الطلابية لعام 2013 والتي صدرت في عهد محمد مرسي بعد أحداث ثورة 25 يناير التي أسفرت عن تغيير جذري في موازين القوى لصالح جموع الطلاب.

فعند دراسة الظروف الموضوعية والزمنية المصاحبة لتاريخ صدور تلك اللوائح الطلابية، نجد أن الظروف الاجتماعية والسياسية خارج حدود الجامعة ومدى تفاعل الطلاب داخل الجامعة معها تتداخل بشكل أساسي في وضع الإطار العام لتلك اللوائح سواء كان هذا الإطار أكثر خنقًا أو أكثر انفتاحًا.

وتاريخ الحركة الطلابية مليء بالمواقف والاحتجاجات التي تجاوزت حدود الجامعة لتنغرس في نضالات سياسية واجتماعية، بداية من نضال طلاب جامع الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي وسياسته بداية من ثورة القاهرة الأولى ثم الثانية، ومع تأسيس المدارس العليا في عهد محمد علي وإنشاء نادي المدارس العليا عام 1905 كبداية نضال طلابي “غير أزهري” ضد الاحتلال الإنجليزي كان أبرزها تحركات عام 1919، ثم أحداث عام 1935، وأخيرًا إلى أحداث 1946 حيث حادثة كوبري عباس الشهيرة، حين فتحت الشرطة الكوبري أثناء مرور التظاهرات الطلابية المطالبة بوقف المفاوضات مع بريطانيا وإلغاء معاهدة 1936، ثم توالت النضالات الطلابية مرورًا بأحداث 1952، والتظاهرات التي تلت أحداث 1967 حتى عام 1972 ثم أحداث يناير من العام 1977 وبعض التحركات المحدودة في الثمانينات وبداية الألفية الجديدة التي تعلقت بشكل أساسي بالقضية الفلسطينية، وأخيرا انخراط الطلاب في المعارك المتعددة التي خاضتها القوى السياسية مثل التظاهرات المناهضة لاحتلال العراق وكذلك المشاركة في حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات ثم تجربة تكوين الاتحاد الحر، ختامًا بمشاركة الطلاب في ثورة 25 يناير والمعارك التي تلتها، ونهاية بالأحداث التي تلت الفض الدموي لميداني رابعة والنهضة، بجانب الدعم المباشر للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

ونحن لا يمكننا أن نرى الاتحادات الطلابية ككيانات بعيدة عن تلك النضالات، والاتحادات الطلابية كالنقابات العمالية ما هي إلا صورة للنضال الطلابي، فإنشاء تلك الكيانات وإكسابها صفة “الشرعية” لم يكن بالأمر السهل والبسيط، لكنه جاء تتويجًا لنضال طلابي، فاتحاد الطلاب من المساحات المهمة التي يجب على القوى الطلابية استخدامها ومحاولة كسبها في مقابل النظام السياسي الحاكم الذي يحاول السيطرة على تلك المساحات، ويُعتبر اتحاد الطلاب من أهم المعارك التي يجب خوضها، فاتحاد الطلاب هو بمثابة نقابة تنظم الطلاب وتمثلهم أمام الدولة بشكل “شرعي”، لقد استطاعت الدولة بشكل كبير تقليص صلاحياته ومساحة عمله، وحشرته داخل إطار التفاوض بين الإدارة والطلاب وذلك عن طريق لائحة مالية وتنفيذية تم كتابتها بمعزل عن الطلاب وبدون أي نقاش مجتمعي عليها، ليبقى الهدف الأساسي والأهم لمشاركة القوي المنظمة في الاتحاد هو تنظيم الطلاب داخل كيان يدافع عن الحقوق والحريات ويقوم بتحريض الطلاب لانتزاع مطالبهم.

لكن يجب النظر إلى الاتحاد كمعركة وكوسيلة لا هدف، يجب النظر إليها في سياقها كطريق طويل من النضالات داخل الجامعة، ذلك الطريق سيتقاطع لا ريب في كثير من المعارك التي تتجاوز أسوار الجامعة، والتي تصل إلى حد الاصطدام مع بعض أجهزة الدولة، تلك المعارك بحاجة إلى اتحادات طلابية لا تتقيد بالإطار التشريعي للدولة المتمثل في اللائحة الطلابية وقانون تنظيم الجامعات، بحاجة إلى اتحادات طلابية تتجاوز حدود التفاوض وتقف بحزم مع الطلاب ومعاركهم المختلفة أيا كانت طلابية أو سياسية، اتحادات طلابية تطرح بجانب القوى الطلابية والسياسية مشروع قانون جديد لتنظيم الجامعات بدلًا من ذلك القانون الذي يفرض حصار قانوني على الجامعات.

اتحادات طلابية تستمد قوتها من الطلاب لا من أجهزة الدولة. وجود اتحادات طلابية تقاوم قرار وزير التعليم حين يعلن إلغاء اتحاد طلاب مصر ويطعن في شرعيته. اتحادات تمتلك نفسًا طويلًا في مقاومة هذا القرار فتستطيع أن تخوض معركة طويلة تتجاوز المؤتمرات الإعلامية إلى الانغراس وسط الطلاب لتكتسب شرعيتها من الطلاب لا من الدولة.

ومن هنا نشتبك مع عنوان المقال الذي يطرح وجود طلاب “مُسيّسين” في الاتحادات الطلابية – والمقصود هنا بالطلاب المسيسين هم الطلاب المهتمين بالسياسة وينشطون بها – إن وجود هؤلاء الطلاب يطرح على القوى الموجودة عدة مهام أهمها وجود برنامج انتخابي لتلك القوى لا يهمل الجانب السياسي لاتحاد الطلاب ودوره في تنمية الوعي السياسي الطلابي، فعلي تلك القوى تبني خطاب واضح وصريح من القضايا السياسية والاجتماعية، برامج تُعلن فيه عن مواقفها من “تيران وصنافير”، وموقفها من الكيان الصهيوني ومسألة التطبيع، برامج طلابية تطرح الدفاع عن جميع المعتقلين بغض النظر عن انتمائهم السياسي، برامج تطرح حرية التنظيم في الجامعة وأنه من حق الطلاب تنظيم أنفسهم في كيانات متعددة تعبر عن آرائهم وتوجهاتهم وتسعى لتحقيق مطالبهم.

طلاب يعلنون آرائهم بصراحة من قانون ضريبة القيمة المضافة، ومن ظاهرة التحرش واضطهاد المرأة والعنصرية باعتبارهم أعضاء اتحادات طلابية لهم مواقف سياسية مبدئية واضحة من القضايا المجتمعية.

فطرح تلك البرامج السياسية وربطها بالأهداف الطلابية التي تختص بالداخل الجامعي مثل مصاريف الدراسة وأسعار الكتب المرتفعة والتكدس والازدحام داخل القاعات وتحسين المباني الدراسية، بجانب أيضًا برامج تهتم بالجانب الترفيهي والرياضي للطلاب تتعلق بتحسين الملاعب الرياضية، وتجديد المسارح والاهتمام بها، وكذلك إقامة المسابقات المختلفة في شتي المجالات، فممارسة الأنشطة المختلفة بشكل حر من دون تدخل يتطلب أيضا اتحاد طلاب قوي يساند الطلاب ويقدم لهم الدعم المطلوب في كافة المجالات.

طرح تلك البرامج “السياسية – الطلابية” يلزمها تخطيط جيد يخرج من قلب النقاشات التي تدور بين الكيانات والتنسيقيات الطلابية المختلفة، تبدأ من مرحلة الدعاية، واستخدام الزخم الموازي لحالة الانتخابات في إجراء النقاشات الواسعة بين الطلاب في إطار يصب ويخدم القضايا المشار إليها سابقا، وذلك كبداية للتشبيك مع الطلاب بشكل قاعدي يضمن وجود جذور طلابية لتلك القوى في الجامعة.