بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عن استكمال الثورة ومجانية التعليم والدولة التي تخدم سارقيها

لم يكن التعليم في مصر بأفضل حالاً من بقية القطاعات التي يجب أن تهتم بها الدولة. إن أي نظرة متأنية لما فعله النظام السابق في هذا القطاع ستجعلنا نقف أمام كارثة حقيقية بكل المقاييس؛ حيث كان انسحاب الدولة من دعم العملية التعليمية أمراً مدمراً، وهو ما نحاول أن نقف على أسبابه في هذا المقال.

يعد السبب الرئيسي في تخلف العملية التعليمية في مصر هو التغير الكلي في فلسفة النظام بخصوص هذا الملف الخطير حيث تحولت الدولة من التعامل مع التعليم كحق إنساني على الدولة أن توفره لكل مواطن راغب فيه، إلى التعامل معه كسلعة ومجال للإستثمار. وهنا يكمن مربط الفرس.. حيث تحول انحياز الدولة إلى الفقراء أثناء التجربة الناصرية إلى انحياز صريح لرأس المال في عهدي السادات ومبارك، وهو ما وضع الأقتصاد برمته في مهب ريح سياسات "السوق الحر"، وأدى بالضرورة إلى اختزال التعليم من كونه "حق إنساني" إلى كونه عملية يتم من خلالها انتاج عمال لخدمة أصحاب رأس المال.

تطور الأمر بعد السماح بإنشاء المؤسسات التعليمة الخاصة الى أن طبقة أصحاب الأعمال نفسها أصبحت تمتلك جزءً من العملية التعليمية لتعليم أبنائها والقريبين منها ماديا الذي يستطيعون دفع مصاريف هذه المدارس والجامعات وهنا تجد مؤسسات التعليم الحكومي التي انسحبت الدولة من دعمها في مواجهة المؤسسات التي يدعمها رأس المال.

والسؤال هو (أين ذهبت الأموال التي كانت تدعم بها الدولة التعليم الحكومي؟؟) الأجابة الصادمة هي أن الدولة انسحبت من دعم التعليم لكي تدعم الإستثمار الذي سينافسها فيما بعد في مجال التعليم.
انسحبت الدولة فلم تتطور مرتبات المدرسين بما يناسب الزيادة الفظيعة في الأسعار؛ فاضطروا للجوء إلى الدروس الخصوصية. أيضاً نتج عن انسحاب الدولة من دعم التعليم أنه لم يتم بناء (مدارس – جامعات) جديدة بما يكفي؛ فزاد متوسط أعداد الطلاب في الوحدة التعليمية (الفصل – المدرج – المعمل- الخ ). وعلى هذا المنوال ستجد أن كل نواحي العملية التعليمية قد أصابها الخوار بداية من نظافة المدرسة والجامعة إلى مدى علمية المناهج هذا كله في أطار سيطرة من رأس المال على السوق وهو ما يجعله هو الفائز الوحيد من هذه الحالة حيث أن احتياجاته من العمالة المتطورة والمديرين سيوفرها له تعليمه الخاص الذي يملكه.

أما عن احتياجاته من الفنيين والموظفين ذوي الأجور الزهيدة فسيوفرها له التعليم المجاني الذي انسحبت منه الدولة لتدعم رأس المال، كما أن أصحاب الأعمال يقومون باستغلال نسبة البطالة الكبيرة بين خريجي الجامعات الحكومية ليهددوا العاملين بشركاتهم ومصانعهم بمقولات من نوعية (لو مش عاجبك المرتب فيه غيرك قاعدين ع القهوة ويتمنوا يشتغلوا بنصف مرتبك!!). وهكذا يظل رأس المال متحكما في المجتمع.

سؤال آخر يطرح نفسه هنا.. (ما هو مصدر الأموال التي كانت تدعم بها الدولة التعليم ثم تحولت إلى صرفها في دعم الإستثمار؟) مصدرها وببساطة جيوبنا وجيوب أهالينا، مصدرها هو أموال الضرائب التي يدفعها أهالينا من مرتباتهم وعلى كل مشترياتهم، وسيدفعها الطلاب عندما يتخرجون ويعملون.. إنها مهزلة العصر الحديث المسماة بالرأسمالية أو السوق الحر .

في الفقرات السابقة حاولت عرض مشكلة يحتاج عرضها إلى كتاب، ولكن حل هذه المشكلة أبسط كثيرا من شرحها..، فالحل البسيط لمشكلة التعليم هو أن تعود الدولة لدورها الأساسي في دعم العملية التعليمية برمتها. في توفير الخدمات الأساسية لكل طالب.. الخدمات التي تبدأ من التعليم الجيد والمجاني مروراً بالمناهج العلمية المتطورة والكتاب المدعوم والتأمين الصحي والسكن الجامعي للمغتربيين ووصولاً للحق في توفير وظيفة بعد التخرج.

مشكلة التعليم هي حلقة في سلسلة طويلة من المشاكل التي لا نستطيع حصرها ولكننا نستطيع ان نجد لها سببا مشتركا وهو سياسات السوق الحرة, الحقيقة أننا لن نجد مشكلة في مصر إلا ولها علاقة مباشرة بالسوق الحرة .

إن تدخل الدولة المباشر في حل مشاكل الجماهير ليس أمراً هينا ولن يأتي إلا بالنضال الطويل من أجل إعادة توزيع الثروة وإقامة السلطة الشعبية من أجل الاشتراكية التي ستخلص البشر من عبوديتهم لبعضهم البعض.
إن دورنا كطلاب يجب أن يكون دوراً طليعياً جنباً إلى جنب مع الطبقة العاملة، حيث أنها هي الطبقة الوحيدة القادرة على إحداث التغيير المرجو وبناء المجتمع الاشتراكي من أجل العدل والحرية.

إن حملة "استرداد الجامعات" التي يناضل الطلاب الإشتراكيون الثوريون من أجل تفعيلها وحشد الطلاب عليها هي جزء من معركة استرداد كل شئ في بلدنا لصالح من يصنعون كل شئ فيها.. لصالح الفقراء الذين صنعوا الثورة ويستكملون طريقها في كل مكان رغم كل محاولات الثورة المضادة.. لتصبح الجامعة ساحة معركتنا لاسترداد جزء مهم من الوطن ولكسر حلقة مهمة من حلقات القيد الرأسمالي الذي يقيدنا.