قاعة «ناصر» في جامعة القاهرة
تاريخ من النضال الطلابي ضد الاستعمار وحاضر يُحتفى به

وسط ضجيج زيارة أوباما للقاهرة، وعلي ألحان خطابه للعالم الاسلامي كان سفير اسرائيل يدخل للمرة الأولى قاعة ناصر بجامعة القاهرة في سابقة لم يلتفت الي مغزاها أحد.
عشرات الأمتار فقط هي تلك المساحة الفاصلة بين قاعة ناصر بجامعة القاهرة والسفارة الاسرائيلية علي النيل، ولكن على مدي أكثر من ربع قرن لم يجرأ أبدا أي سفير اسرائيلي علي اجتياز تلك الأمتار للوصول إلى القاعة التي فصلها دائما عن التطبيع مع العدو الصهيوني تاريخيا من النضال الطلابي ضد الصهيونية والاستعمار.
لم تمثل تلك القاعة مجرد مكان للمؤتمرات واللقاءات الرسمية، بل مثلت دائما ذروة الحركة الطلابية وشهدت لحظات عنفوان النضال الطلابي.
في يناير 1972 بعد انقضاء ما أسماه السادات بعام الحسم دون اتخاذ أي خطوات جدية باتجاه تحرير سيناء ، ألتقي أحمد كمال أبو المجد وزير الشباب ساعتها بالطلاب في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وعندما سأله الطلاب عن تحرير سيناء وعن عام الحسم الذي انقضي أخبرهم أنه مجرد “بوسطجي” ينقل اليهم كلام القيادة السياسية، ساعتها ردت عليه سهام صبري القائدة الطلابية آنذاك قائلة (روح وأبعتلنا الرئيس نكلمه) ، تحول المؤتمر المنعقد في كلية الهندسة ساعتها الي اعتصام طلابي يطالب القيادة السياسية بالقيام بالقيام بمسئوليته تجاه تحرير سيناء من الاحتلال الصهيوني، وبعد ثلاثة أيام من الاعتصام بكلية الهندسة انتقل الاعتصام إلى قاعة ناصر بالحرم الجامعي وانضمت اليه اعتصامات أخري من الكليات وامتلأت القاعة باعتصام الطلاب وتكونت اللجنة الوطنية للطلاب تم فيها تمثيل الكليات المختلفة ، وبعدما يقرب من أسبوع من الاعتصام فاجأت قوات الأمن بإقتحام القاعة واعتقال مئات الطلاب واقتيادهم إلى مستعمرة الأمن المركزي بطرة حيث تم فرز الطلاب المعتقلين ونقل القيادات الطلابية خاصة أعضاء اللجنة (بهاء شعبان ، أحمد عبد الله ، شوقي الكردي، زين العابدين) إلى سجن القلعة، والتقوا هناك احمد فؤاد نجم الذي كتب اغنيته الشهيرة لهم (أنا رحت القلعة وشفت ياسين… وقابلت شباب الجامعة الزين أحمد وبهاء والكردي وزين).
وبعد الاقتحام الوحشي للجامعة وفض الاعتصام بالقوة نظمت الحركة الطلابية اعتصاما بطوليا بميدان التحرير ، والذي كتب عنه أمل دنقل قصيدته الشهيرة (الكعكة الحجرية) احتجاجا علي قمع الحركة الطلابية واعتقال الطلاب والتأكيد علي مطلب التحرير ، وهو الاعتصام الذي فضته قوات الأمن أيضا بنفس الوحشية وسارعت الي إزالة آثاره من ميدان الكعكة الحجرية قبل شروق الشمس.
لم تكن تلك المرة الوحيدة التي اقتحم فيها الطلاب قاعة ناصر، فبعد أقل من عشرين عاما كانت قاعة ناصر علي موعد مع نضال الطلاب ، ففي فجر 16يناير 1991 أطلقت أمريكا حربها في الخليج تحت ستار تحرير الكويت ما أسمته “عاصفة الصحراء” تكونت لجنة طلابية للاحتجاج علي الحرب والمطالبة بسحب القوات المصرية من حفر الباطن بالسعودية والتي كان نظام مبارك أرسلها لدعم الحرب الأمريكية في مقابل اسقاط الديون العسكرية علي مصر وابرام اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، لعبت الهيمنة الاعلامية لوسائل الاعلام الرسمي وملابسات العرب التي جري تصويرها علي أنها عملية تحرير نظيفة للعراق تحت مظلة دولية وعربية وليست حرب استعمارية امريكية دوراً هاما في تشويش الحركة خاصة طوال فترة القصف الجوي التي استمرت أكثر من شهر علي الكويت والعراق، ولم تكن هناك سوي أصوات قليلة وخافتة ترفض الحرب وتصورها كأحد الحروب الاستعمارية الأمريكية ، ومن ضمنها كانت اللجنة الطلابية بجامعة القاهرة والتي أستمرت تطوف الجامعة بصبر لعدة أسابيع تشرح عبر المعارض والمسيرات المحدودة طبيعة الحرب دون استجابة تذكر من الطلاب ، كانت بداية الحرب البرية حاسمة حيث بدأت نتائج القصف وما تسببت به من دمار وضحايا تظهر في وسائل الاعلام وبدأت طبيعة الحرب تنكشف وتحولت فجأة المسيرة التي ضمت العشرات الي مظاهرة ضخمة تضم عشرات الآلاف من الطلاب في 21فبراير 1991 ودون ترتيب مسبق توجه الطلاب الغاضبون الي قاعة ناصر حيث عقدوا أمامها مؤتمرا طلابيا حاشدا .
ودون ترتيب مسبق، توجة الطلاب الغاضبون لقاعة ناصر حيث عقدوا أمامها مؤتمرا طلابيا حاشدا خطب خلالة أعضاء في هيئة التدريس وقيادات طلابية مطالبين بوقف الحرب الأمريكية وسحب القوات المصرية فورا.
لم يخلف القمع موعدة –كما جرت العادة – فاطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على التظاهرات الطلابية داخل الجامعة، فاتسع الغضب الطلابي وارتفعت وتيرة التظاهرات في الأيام اللاحقة.
ففى اليوم التالي احتشدت اعداد اكبر من الطلاب و طافت التظاهرات ارجاء الجامعة وامتدت للمدينة الجامعية حيث سقط الطالب خالد الوقاد شهيدا باصابة احدثتها قنبلة مسيلة للدموع فى رأسه.
اتجهت تظاهرة ضحمة وقتها لقاعة ناصر واقتحمتها وعقدت فيها مؤتمرا مناهضا للحرب، طالب خلالة الشباب الغاضب بالتحقيق مع المسئولين عن القمع وانتهاك الحرم الجامعي.
لم تتوقف التظاهرات التى استمرت لاربعة ايام متواصلة الا بنهاية الحرب وقاومت بطولتها كل القمع ضدها ,واشتبك الطلاب خلالها مباشرة مع قوات الامن على اسوار الجامعة وفى شارع الجامعة وميدان الجيزة وكوبرى عباس وحى بين السرايات المجاور.
ماسبق كان فقط بعض فصل بين قاعة ناصر وسفارة اسرائيل لسنوات طويلة خلت ,لم تنقص على مداها الطلاب الجرأة لتنظيم تظاهرات تحاول الوصول لسفارة اعدائهم-ولم يمنعهم الاالمصفحات وصفوف الجنود- ولم يجرؤ خلالها السفير الإسرائيلي على الحلم باجتياز المسافة الفاصلة عكسيا عبر شارع نهضة مصر إلى القاعة التى اجتاحها أعداء إسرائيل .
لكن حدث فى احد ايام شهر يونيو ان دخل العدو الذى استبسلت فى عدائة اجيال من الطلبة لقاعة ناصر وسط حراسة مشددة وفى حماية رئيس اقوى دول العالم , واخليت الجامعة من الطلاب والشوارع من المارة وحلت مكانهم قوات الأمن.
وكذلك خروجة… لن يتطلب إلا العكس.