بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

“اتحادنا الحُر جاي.. هايوريكوا العدل إزاي”

رغم تشابه أجوائها بشكل عام مع الأعوام الماضية، تحول موسم الانتخابات الطلابية التي جرت أحداثها في مطلع الشهر الحالي إلى مواجهة مفتوحة بين الدولة وبين الطلاب خاصة المسيسون منهم وعلى رأسهم الطلاب الإخوان. وظهرت خلاصة التوازن السياسي في مصر في كل من أداء الدولة وموقفها من الانتخابات وحجم المقاومة لها.

توتر غير مسبوق

جرت الانتخابات الطلابية، هذا العام، متزامنة مع انتخابات النقابات العمالية. وفي الحالتين كانت هناك عوامل متعددة مشتركة. أول هذه العوامل، هو الطريقة التي أدارت ونظمت بها الدولة العملية، ابتداءا من التضييق في الترشيح على كافة مرشحي المعارضة مع إعطاء وزن خاص لمرشحي الإخوان، (حيث –كما في الانتخابات العمالية- كانت أوراق الترشيح تعطى فقط لمرشحي الأمن وأسر الحزب الوطني)، إلى موعد الانتخابات وإجراء العملية ذاتها. وفي هذا الأمر بالتحديد كان هناك تداخل يرتفع لحجم التطابق.

في جامعة القاهرة مثلا، تحولت منطقة الجيزة إلى منطقة عسكرية. فقد أعلنت الدولة حرباً شاملة على مرشحي الأخوان المسلمين، وكان الشطب والاستبعاد هو مصير هؤلاء المرشحين. بدأت مهزلة الانتخابات الطلابية يوم السبت 28/10، عندما أعلنت إدارة الجامعة عن فتح باب التقدم بسحب طلبات الترشيح لعضوية الاتحاد، وهو الإعلان الذي تم بشكل مفاجئ، حيث تتعامل الدولة، ممثلة في إدارة الجامعة مع موعد هذه الانتخابات كل عام كسر حربي (وهو أمر يتيحه لها غموض بنود لائحة 1979).

كان اليوم التالي للإعلان (أي الأحد 29/10)، هو يوم إجراءات الترشيح. وكما عوّدت إدارة الجامعة الطلبة، واجهوا روتيناً غاية في التعقيد. فقد تعمدت الإدارة البطء الشديد في سير الإجراءات، بداية بالطوابير اللامنتهية انتهاءً بنفاذ وصولات تسليم طلب الترشيح والتذرع بعطل المطبعة (نفس التكتيك تقريبا الذي اتبع في الترشيح في الانتخابات العمالية). أما أعضاء الإتحاد السابقون والمرضى عنهم أمنيا وإداريا، فقد لاقوا كل الترحيب، وأتموا إجراءاتهم بكل سهولة ويسر.

وفي يوم الاثنين 30/10 تم الإعلان عن القوائم الابتدائية شاملةً جميع أسماء المرشحين بلا استثناء. ثم جاء يوم الأربعاء 1/11 الذي أعلنت فيه القوائم النهائية للمرشحين ليكون بداية التصاعد في الأحداث. فقد ماطلت إدارة الجامعة في الإعلان عن القوائم النهائية مما أثار غضب طلاب الأخوان المسلمين ودفعهم للاعتصام أمام مبنى القبة والمطالبة بسرعة إعلانها. ويوضح محمود قطب، المتحدث الرسمي للإخوان المسلمين في جامعة القاهرة، أن اعتصام الطلبة جاء “تحسباً لشطب الإخوان من الانتخابات، مثلما يحدث كل عام”. وبالفعل ما توقعه الطلبة حدث، فطبقاً لمحمود قطب “بلغ عدد مرشحي طلاب الإخوان الذين تم شطبهم 300 طالب، وذلك بسبب نشاطهم السياسي، ولأنهم يعبرون عن آرائهم السياسية داخل الجامعة”. وفي كلية التجارة، على سبيل المثال، تم شطب حوالي نصف القائمة الابتدائية وتبقى حوالي 48 طالب هم عدد المقاعد التي يتم انتخابها”.

واتسع الشطب ليتجاوز المسيسين ففي كلية الآداب مثلاً تم شطب 80 طالب ليس لهم أي انتماءات سياسية وذلك لمجرد أنهم غير معروفين لإدارة الجامعة. وتطورت الأحداث لتجري الانتخابات بالفعل في ظل هذه الظروف، وفي ظل تدني هائل في نسبة المشاركة من الطلاب (فوق السبعة في المائة بقليل) في مقابل احتجاجات في صورة اعتصامات ومظاهرات من الإخوان والاشتراكيين وغيرهم.

لم يكن هذا السيناريو حكرا على جامعة القاهرة. فقد امتد لجامعات الزقازيق والمنصورة وحلوان والإسكندرية (فيها احتجز الأمن مائة وخمسين طالبا) وغيرها. ووصلت الأمور إلى مواجهات عنيفة بين طلاب الإخوان وطلاب الأمن في بعض الحالات.

عنف الدولة لماذا؟

صحيح أن الدولة تتدخل بعنف في الانتخابات الطلابية على مدار الأعوام الماضية إلا أن درجة إصرار الدولة هذا العام كانت أعلى ومن ثم كانت تكتيكاتها أكثر ضراوة وقسوة. وهناك أسباب عامة في ذلك تتعلق أولا بأهمية الحركة الطلابية عموما، والتي لعبت أدوارا تاريخية في مناسبات عدة منها حركة المطالبة بالحرب في السبعينيات وانتفاضة 1977 وحركة التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000. وعلى مدى السنتين الماضيتين مع اندلاع حركة التغيير التزمت الحركة الطلابية المقاعد الخلفية وهو أمر لو كان مختلفا لعنى الكثير في المواجهة. وبالتالي فالدولة أبعد ما تكون عن السماح لهذا بأن يتغير خاصة مع احتدام الأزمة السياسية في البلاد يوما بعد يوم (حتى وإن كان زخم حركة التغيير قد تراجع). ويمكن هنا ملاحظة التشابه بين وضع الجبهة الطلابية وبين الجبهة العمالية. الشيء الآخر، الذي يمتاز هو أيضا بانطباقه على المواجهة الانتخابية في النقابات، هو ضرورة تحجيم نفوذ الإخوان المسلمين بالذات بعد الإنذار المبكر الذي كشفته نتائج انتخابات مجلس الشعب.

وتحت مظلة هذا الإطار العام تكتسب الانتخابات الطلابية العام الحالي خصوصية أنها، هي، التي ستناقش، وتقر، وتتفاوض فيما يخص اللائحة الطلابية الجديدة. فقد أعلن هاني هلال وزير التعليم العالي أنه سيتم عرض اللائحة الطلابية البديلة للائحة عام 1979 علي الطلاب في أوائل شهر ديسمبر المقبل بعد استقرار الاتحادات الطلابية بالجامعات وانتخاب أعضائها، غير ناسٍ أن يشير إلي أن مطالب الطلاب في اللائحة لا تحتاج إلي وقت طويل لمناقشتها. وليس معروفا للآن تفاصيل هذه اللائحة الجديدة، إلا أن تحركات الحكومة عموما تشير لمضمونها وأنها قد لا تختلف كثيرا عن لائحة 1979. ولا يبدو أن الدولة تنوي بأي حال التنازل عما توفره لها الأخيرة من سيطرة على الساحة الطلابية.

المقاومة

كانت المظاهرات والاحتجاجات هذا العام على مسار الانتخابات أعلى من كل عام بفعل التصعيد النسبي الذي تعاملت به جماعة الإخوان المسلمين. لكن الأهم هذه المرة هو التطور الذي يشهده الاتحاد الطلابي الحر وهو الاتحاد الموازي الذي يتمتع بتأييد الإخوان واليسار ويبدو أنه صار يجذب المزيد من الطلاب العاديين. وكان المؤتمر التضامني الذي أقامته اللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأي والحريات يوم الثلاثاء 7/11/2006 بنقابة المحامين بمثابة نقطة انطلاق جديدة لتفعيل فكرة الإتحاد الحر لهذا العام كرد إيجابي وفعال من الطلبة دفاعا عن حقهم في اتحاد طلابي حر، يعبر عن إرادتهم ومطالبهم الحقيقية دون شطب أو تزوير. وأعلن الطلاب عن فتح باب الترشيح وسحب الاستمارات بجميع الجامعات والكليات من السابع للتاسع من نوفمبرثم إجراء انتخابات اللجان لكل فرقة الأحد 12/11 من 8 ص حتى 1 مساء ثم الفرز وإعلان النتيجة يوم من 1 مساء حتى 2 مساء. وبعدها إجراء انتخابات أمناء اللجان والأمين العام للكلية واختيار أمين عام الجامعة يوم الاثنين 13/11. وأخيرا انتخابات أمين عام إتحاد الجامعات المصرية يوم الثلاثاء 14/11 . وحال قراءتكم لهذه السطور ستكون العملية قد انتهت لكن المؤشرات الأولى للترشيح تؤكد أن بعض الجامعات شهدت سحب مئات من طلبات الترشيح للاتحاد الحر. وإذا نجحت تجربة الاتحاد الحر (عبر اتساعها للمطالب الطلابية الديمقراطية عموما) فإن ذلك قد يكون مرتكزا حقيقيا ليس فقط لبناء المقاومة الطلابية داخل حركة التغيير وإنما أيضا داخل أسوار الجامعة في مواجهة بيع العملية التعليمية للسوق الحر.