طلاب الجامعات:
عذاب متواصل من أجل الحصول على لقب «عاطل»
غالباً ما تنطلق زغرودة مدوية، يتبعها سيل من التهاني الحارة بالنجاح والقبول بإحدى كليات الجامعة، فهذا معناه -نظرياً على الأقل- فرصة لوضع اجتماعي أفضل، بعد انتهاء الدراسة الجامعية، والحصول على المؤهل “العالي”. لكن فرحة الآباء بنجاح أبنائهم، في المرحلة الثانوية، لا تدوم طويلاً، حيث يتوقعون، بعد ثلاث سنوات من الشقاء من أجل مصاريف الدروس والكتب والمدارس وغيرها، أن يخف العبء الاقتصادي، لكنه في الحقيقة يزداد.
يجد طالب الجامعة – الذي لا يلزمه القانون إلا بدفع 12 جنيهاً فقط إن كان طالباً نظامياً، أو 15 جنيهاً فقط إن كان طالباً منتسباً – يجد نفسه أمام قائمة، لا تنتهي من الإتاوات المطلوب منه سدادها، إن أراد النجاح!! وسنحاول بإيجاز أن نقدم عرضاً لبعض تلك المصروفات.
حيث تضاف إتاوات غير قانونية، يجبر الطلبة على دفعها، إلى المصروفات الدراسية، مما يجعل المصروفات الدراسية تصل إلى ما يتجاوز الـ200 لطالب الانتظام، وتصل لأكثر من 500 جنيه – للانتساب – تحت مسميات واهية كرسوم ترميمات وتجديدات، لا يراها الطلاب ولا غيرهم، أو رسوم اتحاد طلاب، لا يعرف الطلبة موعد الترشح له، ولا المرشحين، ولا حتى ميعاد الانتخابات! أو خدمات صحية عقيمة، لا تستطيع أن تعالج أبسط الأمراض، وكلنا نتذكر زميلنا المتوفى “محمود السعيد إبراهيم” الطالب بجامعة حلوان، الذي توفي في 24 فبراير العام الماضي، وهو في طريقه من الجامعة إلى المستشفى بسيارة أحد الأساتذة، لأن الجامعة – التي يدرس بها أكثر من 150 ألف طالب يدفعون المصروفات بإتاواتها – لا توجد بها سيارة إسعاف واحدة غير معطلة، أو وحدة إسعافات أولية مفتوحة للطلبة داخل الجامعة، على الرغم من وجود ما يقرب من عشر وحدات طبية مغلقة وقتها، هذا بخلاف أن الإدارة تربط بين دفع المصروفات والحصول على الكارنية، الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة لدخول الحرم الجامعي، في ظل السيطرة الأمنية على مداخل ومخارج الجامعة، فمن لا يدفع المصروفات، يحرم من دخول الجامعة إلا “من فوق السور أو من وراء الضابط”.
تبدأ دوامة المذكرات والتطبيقات، بعد حوالي شهرين من بداية الدراسة، استعداداً لامتحانات الفصل الدراسي الأول، والتي يحل موعدها بعد ذلك بأقل من 4 أسابيع، وكله بثمنه، المذكرة تتراوح ما بين 20 و30 جنيه حسب المادة، والتطبيقات من 15 إلى 25 جنيه، وذلك حسب طبيعة الدكتور والكلية، علماً بأن الطالب يدرس، في المتوسط، من بين 5 إلى 7 مواد في الفصل الدراسي الواحد.
في معظم الحالات – ونتيجة لتردي مستوى المعيشة المستمر لغالبية المصريين – يجد الطالب نفسه مضطراً للعمل إلى جانب دراسته، وبناءً على ذلك تضيع عليه فرصة حضور معظم المحاضرات، لتعارض أوقاتها مع أوقات العمل، ويضطر للاعتماد على سكاشن المكتبات الأهلية – مجموعات تقوية أهلية – والتي يديرها خريجون سابقون من كليات مختلفة، وتنتشر هذه المكتبات حول مختلف الجامعات، المحاضرة الواحدة تتكلف من 20 إلى 30 جنيه حسب الكلية، وقد تحتاج المواد الصعبة إلى أكثر من 4 محاضرات للشرح، واحسبها بنفسك أيضاً.
بعد ذلك تأتي إجازة منتصف العام الدراسي، التي لا يستغلها غالبية الطلاب بالراحة، فهم يعلمون أنهم على موعد مع بداية فصل دراسي جديد ومصاريف جديدة، وينبغي عليهم أن يستغلوا فترة الإجازة ليضاعفوا جهدهم في العمل، لعلهم يستطيعون أن يوفوا بعض احتياجاتهم الدراسية، في ظل الغلاء الفاحش، وبعد كل هذه المعاناة، لا يتوقع أغلب الطلاب أن يجدوا فرصة عمل، تتناسب مع المؤهل الدراسي، مما يقتل في نفوسهم الأمل في حياة أفضل.