بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أ.ب اشتراكية: ما هو القانون؟

“المادة السابعة: يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص أن يعترض على المظاهرة بطلب يقدم إلى قاضي الأمور الوقتية بإلغائها أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر، متى وُجدت أسباب جوهرية لذلك”.

القضاء الشامخ. تُتداول هذه العبارة في المعتاد بشكل يسخر من معناها المباشر، بهدف الإشارة إلى القضاة الفاسدين أصحاب المصالح الشخصية، الذين يحرفون القانون لتحقيق أغراض حكامٍ فاسدين. ليس هذا هو ما يقصده الجميع بالطبع، لكن هذا اللفظ يحمل فكرة أن القانون هنا عنصر محايد، مواده تقف في صف الجماهير في المعتاد لكن أشخاصا متلاعبين بالقوانين هم وراء الظلم والفساد في الدولة، ولكن ذلك بعيد تمام البعد عن الواقع.

بالمفهوم المتعارف عليه، تمثل القوانين العلاقة المواطنين بالدولة، شروط العلاقات ما بين المواطنين وبعضهم وشروط تعاملهم مع جهاز الدولة نفسه، وتفترض هذه الصيغة حيادية هذه القوانين وتساوي كل المواطنين أمامها، هذا الافتراض مبني على افتراض آخر بحيادية الدولة المشرعة لهذه القوانين، إلا في حالة وجود بعض الأشخاص “الفاسدين” في السلطة.

لكن الدولة ليست كيانا محايدا بأي شكل من الأشكال، الدولة تمثل مصالح طبقة بعينها، الأقلية المتحكمة في وسائل الإنتاج ورؤوس الأموال والسلطة السياسية، والتي تتمثل في مصر بالأساس في رجال الأعمال وجنرالات الجيش وبيروقراطية الدولة ذاتها المنتمية للنظام البائد، فالدولة في مصر ليست فقط أداة لتحقيق رغبات الطبقة الحاكمة، ولكن كبار موظفيها شركاء في هذه الطبقة. الدولة منذ نشأتها هي وسيلة لتطبيع شكل المجتمع الطبقي ومحاولة إخفاء طبيعته المتناقضة، القائمة على استغلال إنتاج وعمل أغلبية المجتمع لصالح أقلية قليلة فيه، وإخضاع الملايين من الكادحين بالقوة أو بالخداع للقبول بعملية الاستغلال الممنهج تلك.

القوانين في واقعها إذن ليست سوى أدوات إخضاع الجماهير للطبقة الحاكمة، شروط العبودية وقد صيغت بصورة منمقة، وانتماءات مشرعيها ومطبقيها الطبقية، وولاء المؤسسات التي يعملون بها لطبقة ملاك الثروة والسلطة، هي السبب الحقيقي في تفشي الظلم والاستغلال وليس فسادهم الشخصي.

يمكن التأكد من واقعية هذه الرؤية من النظر إلى القوانين المصرية نفسها كدليل، مثلا، قانون التظاهر الذي اقتبسنا إحدى مواده في بداية المقال. القانون يمثل رغبات سلطة الثورة المضادة في جعل خروج أي مظاهرة معارضة للنظام ولحكمه دون تعرضها للاعتداء الأمني شبه مستحيل، فنحن أمام قانون يهدف لتعطيل الثورة لحماية مصالح الطبقة الحامكة، وليس قانون محايد لتنظيم التظاهر.

يمكننا أيضا النظر إلى الأحكام القضائية الأخيرة، حيث نرى تعسفا واضحا مع المعارضين للنظام لسبب أو آخر، مثلما حدث في حالة فتيات الإسكندرية المنتمين للإخوان المسلمين وحصول كل منهن على 11 عام من السجن بتهم ملفقة، وطلاب جامعة الأزهر الذين حصلوا على 17 عام من السجن، بالإضافة إلى الاعتقالات المستمرة للثوار والنشطاء في نفس الوقت الذي يستمر مهرجان البراءة لجميع قتلة الداخلية ورجال نظام مبارك.

ماذا عن محاولة تشريع رفع دعم الطاقة عن عامة الجماهير رغم الاستمرار في إمداد مصانع المستثمرين بالطاقة المدعمة؟ ماذا عن الإعفاءات الضريبية للمستثمرين في الوقت الذي تتجه فيه الدولة نحو التقشف؟ ماذا عن مشاريع قانون حد أدني للأجور يستثني في الواقع أغلبية العمالة المصرية وقانون حد أقصى للأجور يستثني كل كبار موظفي الدولة الذين تزيد أجورهم عن هذا الحد؟ ماذا عن قانون العمل المصري الذي يمثل عقد استعباد للعمال؟ مثل هذه القوانين وغيرها تظهر عدم حيادية القانون وبالتالي طبيعة انتماء الدولة.

الحل في مواجهة هذه الانحيازات لا يكمن في محاولة إصلاح الدولة بشكلها الحالي أو محاولة تحييدها من الداخل، فهذا هو المستحيل. الحل الحقيقي هو في بناء دولة جديدة، تقوم على العدل والمساواة، انتماؤها الطبقي هو لجماهير العمال وفقراء الفلاحين والطلاب والمهنيين، الجماهير التي ستستولي على الثروة والسلطة من أيدي مُستغِليها، ولن يحدث هذا إلا باستمرار وتجذر الثورة وكسبها لهذه الجماهير.