بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

هل يمكن أن تكون الشرطة في صفنا؟

هذا المقال تم نشره فى حريدة العامل الاشتراكى البريطانية فى الثالث عشر من يوليو عام 2002، بقلم الاشتراكى الثورى البريطانى الراحل كريس هارمان.

إحدى الرؤى التي يتبناها الاشتراكيون غالبا ما تحير الكثير من الناس. ألا وهي الحجة القائلة بأن آلة الدولة في المجتمع الرأسمالي تخدم مصالح الطبقة الحاكمة ولا يمكن استخدامها لأخذ خطوة نحو الاشتراكية. فيقول بعض الناس في إصرار: “ولكن… سوف تحتاجون الشرطة دائما. فهُم مهما كنت لا تحبهم، يقومون بوظيفة ضرورية. وبدونهم ستعم الفوضى”.

هذا الموقف منتشر بين أبناء الطبقة العاملة الذين لم يتحولوا إلى الاشتراكية بعد. وهو يقفز إلى المقدمة كلما قُتِل ضابط شرطة أثناء تأدية خدمته. يموت رجال مطافئ أكثر بكثير أثناء تأدية وظائفهم، فلا نسمع أبدا أصوات تعلو. من النظرة الأولى، يبدو أن الشرطة بالفعل تؤمّن كل من في المجتمع على قدم المساواة.

يبدو لنا أنهم يحمون بيت المسن المحال إلى المعاش من السطو بمثل ما يحمون خزائن البنوك الكبرى. إنهم يقبضون على السكارى والسائقين الخطرين. إنهم يقبضون على قتلة الأطفال. إنهم حتى في بعض الأحيان يلاحقون الساسة ورجال الأعمال الفاسدين قضائيا. ولكنك إذا نظرت بإمعان أكثر في الكيفية التي تحكم سلوك الشرطة، سوف تلاحظ انحيازا مؤكدا.

فالسطو على بيت مسن على المعاش سيصيبه من الضرر أكثر كثيرا مما سيلحق بأرباح البنوك جراء نهب 500.000 إسترليني. سوف تبذل الشرطة جهدا مضاعفا ألف مرة في التحقيق في السطو على البنك. إن مهمة الشرطة ليست حماية الناس كلهم على السواء، وإنما حماية الأملاك كلها على السواء.

في بريطانيا اليوم تملك شريحة الخمسة بالمائة العليا من السكان 1.130 بليون إسترليني من إجمالي الدخل المتاح للتصرف – أي نصف الدخل المتاح تقريبا. ومهمة الشرطة الأساسية هي حماية تلك الثروة من الباقين. أطلقت الشرطة النار على كارلو جيلياني وأردته قتيلا في العام الماضي. كما أطلقت النار على المتظاهرين المناهضين للرأسمالية في جوثنبرج. ومؤخرا أطلقت الشرطة الأرجنتينية الرصاص على عاملين فقدا وظيفتيهما فأردتهما قتيلين.

لقد ارتكبت الشرطة جريمة قتل كارلو جيلياني وداريو سانتيان وماكسيميليانو كوتسكي لأنهم جرؤوا على الاحتجاج ضد طريقة تحكُّم قلة من الناس في الثروة كلها.

ولكن ماذا عن أنشطة البوليس الأخرى؟ لسنا بالطبع في غنى عنهم عندما يتعلق الأمر، مثلا، بمنع جرائم القتل، أليس كذلك؟ قطعا فمن الصعب في هذا المجتمع على حالته اليوم أن نتصور سير الأمور طويلاً على ما يرام دون وجود الشرطة. في بريطانيا وعبر الشهور القليلة الماضية انهال وابل لا ينقطع من القصص الإخبارية في وسائل الإعلام عن تصاعد الجريمة.

إن الجرائم من النوع الذي يقلق معظم الناس – الجرائم المرتكبة ضد الفرد – ليست ملامح حتمية في الحياة الإنسانية.

إن عددها يتفاوت تفاوتاً هائلاً من منطقة إلى منطقة. والقتل والاغتصاب وإشعال الحرائق والسرقة بالإكراه كلها نتائج الظروف الاجتماعية – والظروف الاجتماعية التي تولّدها اليوم هي ظروف الرأسمالية. قد يبدو هذا الكلام شاطحا بعض الشيء. ولكن فكر في ما أنتج معدل جرائم القتل المرتفع عبر الولايات المتحدة.

أولا، وجود الفقر المريع والبطالة، على الأخص بين السود، الذين يعيشون وسط أغنى مجتمع في التاريخ البشري. ثانيا، التقاليد التي توارثتها طبقة حاكمة لم تتورع قط عن استخدام أحط أشكال العنف لجمع ثرواتها الخاصة. يمتد هذا التاريخ الوحشي من إبادة الهنود الأمريكيين تقريبا في القرن التاسع عشر إلى قتل آلاف المدنيين الأفغان اليوم. وقد مُجِّد هذا العنف في الكتب والأفلام والجرائد.

ويكاد لا يدعو للاستغراب أن كثيرين جدا من الفقراء في الولايات المتحدة تبنوا تلك الأساليب نفسها في محاولة مسايرة الأثرياء الفعليين بعض الشيء. إن الفارق الوحيد بين أساليب المافيا وأساليب جنرال موتورز وإكسون هو أن حجم عمليات المافيا ضئيل بالمقارنة مع أساليب الشركتين الأمريكيتين.

إن قدراً كبيراً من الجرائم الصغيرة أينما كان هو نتيجة للجهود المستميتة من قِبَل مدمني المخدرات للحصول على ما يكفي من الأموال ليحظوا بشيء من المخدرات.

إدمان المخدرات نفسه هو إحدى نتائج تطور المجتمع الرأسمالي. ففي القرن التاسع عشر تكونت ثروات العائلات البريطانية الراقية من الإتجار في الأفيون عن طريق شركات كانوا يمتلكونها في الهند. وقد دخلت الحكومة البريطانية الحرب مع الصين لإجبارها على شراء المخدر. وأثناء حرب فيتنام، قام جهاز الاستخبارات الأمريكي بتصدير الهيروين لتمويل عملياته السرية في كمبوديا.

وبينما تزعم الولايات المتحدة اليوم أنها تشن “حربا على المخدرات” في كولومبيا ضد “إرهابيي المخدرات” فإنها تقيم علاقات قوية مع فرق الموت اليمينة وهم تجار الكوكايين الرئيسيين. إن المخدرات القوية هي المنتجات السلعية الرأسمالية المثالية التي تتمتع بسوق احتكارية حقا.

معظم الجرائم، وهي في ذلك مثل الفقر والحرب، نتيجة التنظيم الرأسمالي للمجتمع. وهي لن تُمحى حتى يتم تغيير هذا المجتمع. وإلى أن يحدث ذلك فكل ما تفعله الشرطة هو تخصيص القليل من وقتها في إيقاف الجرائم التي تسبب المشاكل لأغلبية الناس. أما بقية طاقاتهم فإنها تستخدم في حماية علاقات الملكية التي تخلق هذه الجرائم.

اقرأ أيضاً:
مقالات أرشيفية عن الشرطة