هل يمكن تحقيق الاشتراكية عبر البرلمان؟
تمتلك وتتحكم نسبة ضئيلة في عالمنا في جبال من الثروة بينما العمال الذين يخلقون هذه الثروة يعيشون عن طريق الكدح والكفاح والعرق، ويتم إنفاق موارد ضخمة على الحرب بينما الملايين يواجهون الفقر والمرض وسوء التغذية.
قاوم الملايين عبر تاريخ الرأسمالية أسلوب الدولة في وضع الثروة في أيدي أقلية أبعد ما تكون عن تلبية احتياجات الغالبية العظمى من المجتمع.
ويعارض معظم الناس في كافة أنحاء العالم اليوم سياسات الخصخصة وتخفيض الإنفاق على التعليم والصحة ويريد عدد أكبر من الناس وضع نهاية لاضطهاد النساء والعنصرية والتعصب القومي والطائفي والحروب إنهم يريدون العيش في عالم أفضل.
وترى الغالبية العظمى التي تشعر بذلك أن الأمل الوحيد لهذا العالم الأفضل هو انتخاب الشخص الصحيح أو الحزب الصحيح في البرلمان في ظل حياة برلمان ديمقراطية ويعني هذا على سبيل المثال من وجهة نظر البعض التصويت لحزب العمال في بريطانيا أو الحزب الشيوعي في فرنسا أو الحزب الاشتراكي في ألمانيا أو حزب المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا أو السعي لإقامة نظام برلمان ديمقراطي في الدول التي تحكمها نظم ديكتاتورية كمصر.
لكن الأحزاب الإصلاحية تاريخها محمل بالفشل والخيانة فحكومات هذه الأحزاب تم انتخابها عن طريق الطبقة العاملة في هذه البلدان أملاً في بعض التغيير للنظام الذي يكثف استغلالهم ولكن العمال دائمًا ما كانوا يحبطون، فقد نكثت الحكومات الإصلاحية مرة بعد أخرى حتى بالحد الأدنى من وعودها وانتهت إلى الهجوم على حقوق العمال الذين انتخبوها، إن خيانة الأحزاب الإصلاحية لا ترجع إلى قوة يمنية ضاربة في جذور هذه الأحزاب إنها تنشأ عن سياسات “الاشتراكية البرلمانية” فهي تهدف إلى العمل ضمن حدود الرأسمالية والبرلمان لذا دائمًا ما يوضع الفوز في الانتخابات قبل المبادئ.
وترقص الناس في الشوارع عندما يتم انتخاب هذه الأحزاب الإصلاحية لكن في وقت قصير تتحول هذه الأحزاب عن الطبقة العاملة وتقدم مقاييس صارمة للتراكم الرأسمالي وتخلق مناخًا اقتصاديًا وسياسيًا يسمح لليمين بالنمو هذه القصة تكررت في بلدان عديدة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا واستراليا ودائمًا ما يعقب وعود الإصلاح هجمات على العمال لتأمين وجود الرأسمالية فكل هذه الأحزاب قبلت منطق الرأسمالية وقيمها وقوانينها بل أكثر من ذلك فهم أحيانًا يضعون أنفسهم في طليعة الحركة المكلفة بسحق هؤلاء الذين يحاولون إقامة تغيير ثوري للمجتمع.
كتبت روزا لكسمبرج القائد العظيمة للثورة الألمانية في بداية القرن كراس انصب بالتحديد على هذه النقاط عنوانه “إصلاح أم ثورة” أشارت فيه إلى: “إن الذين يختارون الطريق الإصلاحي بدلاً من الطريق الثوري لا يختارون الطريق الأهدأ والأبطأ لنفس الهدف ولكن لهدف مختلف تمامًا فبدلاً من النضال من أجل مجتمع جديد فهم يؤيدون تعديلات سطحية للمجتمع القديم يؤيدون تقويض مساوئ الرأسمالية بدلاً من تقويض الرأسمالية نفسها”.
هذا الصراع بين ترميم الرأسمالية أو الإطاحة بها يقود إلى نتائج مختلفة كلية وبشكل محزن يتضح في مصير لكسمبرج نفسها، فقد كانت جزءًا من أكثر الأحزاب الاشتراكية إثارة للإعجاب في التاريخ هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني كان لديه عضوية كاسحة – وبشكل رسمي – برنامج ماركسي لكن الإجراءات غير المعلنة لقادة الحزب لترميم الرأسمالية تفجرت عندما وقفوا إلى جانب مذبح الحرب العالمية الأولى، عرضت لكسمبرج وحدها مع حفنة قليلة من الثوريين الحرب.
وعندما اقتضت مجازر الحرب العالمية الأولى ثورة في نهاية 1918 فإن القادة الإصلاحيين للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني اضطلعوا بمهمة حماية الرأسمالية الألمانية من عمالها مرة أخرى لقد وقفوا إلى جانب الدولة في أكثر لحظاتها ظلامًا متحملين مسئولية حمايتها وقتل الثورة ولكسمبورج نفسها.
إن فشل الأحزاب الإصلاحية ليس سببه وجود قادة فاسدين ولكن لطبيعة ولكن لطبيعة واستحالة تحرير العالم من شرور الرأسمالية بدون اقتلاع الرأسمالية نفسها.
من يملك السلطة؟
الخطأ القاتل لكل الأحزاب التي تبحث عن تغيير جوهري عبر البرلمان هو أنهم يصدقون أو على الأقل يدفعون مؤيدهم لتصديق أن البرلمان نفسه هو المكان الذي تكمن فيه السلطات الحقيقية.
الرأسمالية سعيدة باستخدام البرلمان كوسيلة للحكم بموافقة الجماهير الأمر الذي يصور الناخبين على أنهم يقررون أولويات المجتمع ومصير الأمة على كافة الأصعدة أي أنهم يقررون مثلاً ما سيتم إنفاقه على الصحة أو التعليم أو بناء كوبري… إلخ.
لكن تنبع كل هذه القرارات في الأساس من قوى غير منتخبة وخارج العملية الانتخابية برمتها إن هذه القرارات يجب أن تخدم مصالح الرأسمالية إذا تعارضت مصالحها قوانين وقرارات البرلمان فإن كل أنواع القيود المالية سوف تفرض نفسها لعرقلة تنفيذ هذه الحكومة لسياساتها وإذا فشلت تلك القيود فإن الرأسمالية تثبت استعدادها لاقتلاع العملية البرلمانية برمتها.
الأولوية لدى الرأسمالية هي دائمًا الربح، وعندما تحدث الأزمات انخفاضًا في الأرباح فإن الرأسماليين يعملون على تخفيض الأجور وترويع العمال بارتفاع البطالة، ويقومون بتخفيض الإنفاق على الخدمات الأساسية، ويطلقون العنان لارتفاع نسب التشرد والفقر بين العمال.
ويعتمدون في بعض أوقات الأزمات الحادة على الحكومات اليمينية لتنفيذ هذه السياسات وفي أوقات أخرى يجدون أنه أفيد أن تقوم أحزاب اليسار بذلك، فبرنامج الحكومة اليسارية ليس أدنى أهمية للرأسمالية، فالطبقة الحاكمة من المصرفيين ورجال الصناعة والأعمال وموظفو الحكومة ذوي المرتبات العليا وجنرالات الجيش وضباط الشرطة لديهم كل التدابير لضمان أن الحكومات تتبع رغباتهم. فعبر البنوك يمكنهم خلق أزمات مالية لضمان أن الحكومة تنفذ ما يقال لها، ويتم استخدام المضاربة على العملة الوطنية والعمل على انهيار قيمة الأسهم في البورصة التي ينظر إليها على أنها ظواهر طبيعية كطقس كحدث خارج عن سيطرتنا – من قبل الأقلية التي تملك وتسيطر على الثروة للضغط على الحكومات بل وتدميرها أحيانًا تلك هي بعض أسلحة الطبقة الحاكمة أنهم لا يحتاجون إلى اقتراع فالبوليس لا يرغمهم على إبقاء مصانعهم مفتوحة ورؤوس الأموال لن يتم مصادرتها لحماية الوظائف أو لتوفير الطعام والكساء للناس بل يمكن تحريك استثماراتهم على نطاق عالمي في أي لحظة.
تخلق الدولة الرأسمالية مؤسسات مختلفة عملها المحدد هو ضمان استمرارية وحماية الرأسمالية.. البوليس والقوات المسلحة والقضاء والمخابرات كلها موجودة لضمان بقاء الرأسمالية ويتم استخدامها دائمًا ضد الحكومات المنتخبة إذا تصادمت مع مصالح الرأسمالية. وسجل الرأسمالية على صعيد العالم يبين المدى الذي يمكن للطبقة الحاكمة الوصول إليها لحماية مصالحها.
كان يعتقد حتى بداية السبعينيات أن شيلي واحدة من أكثر الدول ديمقراطية في أمريكا اللاتينية في 1970 تم انتخاب حكومة شعبية إصلاحية بقيادة سيلفادور الليندي، وقامت هذه الحكومة بإصلاحات زراعية وتزايدت حركة تأميم الصناعة والبنوك والمناجم بمساندة شعبية من الطبقة العاملة والفلاحين. الطبقة الحاكمة في تشيلي والولايات المتحدة الأمريكية عارضا الحكومة المنتخبة بقوة واختار الليندي الثقة في جنرالات جيشه وأجهزة الدولة الشيلية بدلاً من الوفاء بعهده للعمال الفلاحين الذين أيدوه، أطاح انقلاب عسكري بحكومة الليندي في 1973 ودفع مئات الآلاف من العمال والفلاحين والسياسيين والنقابيين المناضلين ثمن الثقة في أجهزة الدولة البورجوازية بالسجن والتعذيب والنفي والموت.
إن الدولة ليست موجودة للفصل في النزاع بين الطبقات المتصارعة أو لتنفيذ رغبات البرلمان حتى لحماية مصالح الطبقة الحاكمة وهي ستقوم بمحاولات تدميرية ضد تحقيق الاشتراكية عبر البرلمان بتحطيم عظام المناضلين وسفك دماء آلاف العمال والفلاحين الفقراء لحماية مصالحها.
التصويت من أجل التغيير:
بالرغم من كل المحاولات الفاشلة للأحزاب الإصلاحية وبالرغم من دور رجال الأعمال الكبار والأغنياء في السيطرة على البرلمان في الدول الديكتاتورية كمصر فإن النظر للبرلمان على أنه الوسيلة الوحيدة الفاعلة للتغيير لازالت تسيطر على المجتمع في كل مكان من العالم.
ينظر اليساريون الإصلاحيين في مصر إلى أن تغيير حياة الناس إلى الأفضل لن يتحقق في ظل الديكتاتورية العسكرية لنظام مبارك لأن المشكلة أننا لا نمتلك برلمان ديمقراطي مثل الدول المتقدمة، فالانتخابات في مصر مزورة والبرلمان في مصر ليس سلطة تشريعية حقيقية بل مجرد ديكور فمعظم السلطات مركزة في الديكتاتور مبارك كل هذا صحيح ولكن الذي أن نضال من أجله ليس البرلمان الديمقراطي كما يزعم الإصلاحيين المصريين بل السعي للإطاحة بديكتاتورية مبارك عن طريق ثورة جماهيرية.
لكن لماذا كل هذا الإيمان بالبرلمان في مصر والعالم كله؟
تربت الأغلبية العظمى منا منذ الميلاد على تصديق أنه يجب أن يكون هناك دائمًا قادة ومقودين، أصحاب عمل وعمال، جنرالات وجنود، لقد تعلمنا أننا لسنا قادرين على تسير حياتنا وأنه يجب أن يكون هناك دائمًا “خبراء” لقيادتنا وإلا – كما قيل لنا – ستعم الفوضى.
أقلية تعلمت في مدارسها الخاصة أنها موجود لتصبح قادة الصناعة وقادة القوات المسلحة والقضاء ووزراء البرلمان والمسيطرين على الأعلام وهكذا…، وأقلية ضئيلة من السياسيين وأصحاب الملايين العصاميين ينضمون إلى هذه الدائرة المسحورة من الخارج.
وتعلمت بقية المجتمع من العمال والفلاحين الفقراء وصغار الموظفين أنها لن تكون أبدًا قادرة على إدارة المجتمع إذ يجب أن تعتمد على آخرين، على خبراء، على قادة، على أناس “أذكى” منا ليقوموا بإدارة المجتمع من أجلنا.
يسيطر هذا الموقف على معظم مشاريع الناس لتحقيق التغيير ونظرية أن العمال بأنفسهم قادرين على إدارة المجتمع تبدو محض هراء للكثيرين بالضبط كما تبدو فكرة إمكانية تخليص العمال أنفسهم من ميراث الرأسمالية العفن.
ولكن الواقع وخبرتنا اليومية تثبت أن العمال قادرين على التغيير لقد قاتل العمال وانتصروا من أجل الحق في التصويت.. لقد كسبوا الحق في الانضمام إلى النقابات العمالية وتصدوا للهجمات على وظائفهم وكسبوا زيادات في الأجور وتحسين في ظروف العمل.
في كل مرة يكسب العمال مثل هذه الانتصارات فإن هذا يحدث ليس بسبب ألمعية هذا العضو البرلماني أو ذاك أو بسبب أن الحزب الصحيح هو الذي فاز في الانتخابات ولكن لأنهم حاربوا بأنفسهم.
فقد بينت أعداد ضخمة من الطبقة العاملة عبر تاريخ الرأسمالية روح المبادرة والشجاعة والخيال وقيادة تجاوزت إلى حد بعيد هؤلاء الذين “ولدوا ليقودوهم”.
لكن بالرغم من هذه الانتصارات فأن الأغلبية العظمى من هؤلاء العمال أنفسهم سوف تظل تعتمد على آخرين لتغيير المجتمع ربما يشعرون بقوة تجاه الوسيلة التي يدار بها العالم من خلال مواجهتهم للرأسماليين من يوم إلى يوم إلا أنهم يصدقون بالرغم من ذلك أن النضالين غير مرتبطين وأن التنظيم الذاتي والنضال الجماعي ربما يهزم صاحب العمل الفرد إلا أنك بحاجة إلى البرلمان للتخلص من نظام أصحاب العمل ككل.
هذه الفكرة يتم تعزيزها باستمرار ليس فقط عن طريق أحزاب اليمين ورجال الأعمال وإعلامهم ولكن أيضًا عن طريق الأحزاب الإصلاحية وعن – طريق بعض الإصلاحيين في مصر – وقيادات النقابات فالأحزاب الإصلاحية دائمًا ما تدفع بمفهوم فصل النضال الاقتصادي عن النضال السياسي هذا الفصل بين الاقتصاد والسياسة حاسم في ابتعاد العمال عن استخدام قواتهم الكامنة في قلب العملية الإنتاجية للمجتمع للظفر بمطالبهم السياسية.
لا تتردد الطبقة الحاكمة بشأن استخدام كل قواتهم الاقتصادية والسياسية لكسب نزاع كبير لكنهم يهاجمون ما يسمونه بـ الدوافع السياسية للنضالات العمالية، أنهم يغيرون بسعادة القوانين ويستخدمون البوليس ويلقون بثقلهم في الدعاية الإعلامية وبكامل أسلحة مؤسسات الدولة على الطبقة العاملة عندما تقوم بإضراب كبير يهدد مصالح الرأسمالية أنهم لا يجدون تهمة أقذر من الدوافع السياسية للإضراب ليرموا الطبقة العاملة بها في بريطانيا التي يقال عنها أنها من أكثر الدول ديمقراطية أثناء موجة إضرابات عمال المناجم في عام 1984 والتي كانت من أجل حماية وظائف العمال بعد أن قررت حكومة تاتشر إغلاق هذه المناجم فإن الدولة ألقت بثقلها وبكامل أسلحتها في مواجهة العمال لتكسير عظامهم بحجة الدوافع السياسية لإضرابهم إذا كانوا يفعلون ذلك فقط لهزيمة مجموعة من العمال لم تكن تشكل خطر حقيقيًا على النظام الرأسمالي تخيل أي مدى يمكنهم الوصول إليه إذا شعروا أن سلطتهم وامتيازاتهم مهددة جديًا.
وتهمة الدوافع السياسية للإضراب تستخدم في تعزيز الفصل الوهمي بين الاقتصاد والسياسة لتهدئة العمال والعمل على انحرافهم عن الطريق الثوري لتغيير المجتمع عبر فرض حدود على نضالهم وتوجيهه إلى آمال وهمية للتغيير عبر البرلمان.
المشكلة مع التصويت ليست فقط أن السياسيون لا يغيرون العالم بل أنهم يقللون من قدرتنا على تغيير العالم وتغيير أنفسنا.
إننا نذهب إلى مراكز الاقتراع من دون أي شعور بالقوة ونخرج منها كما كنا فإذا ذهب مثلاً رجل إلى مركز الاقتراع وكان طائفيًا فإن لا شيء سيفعله هناك بغير رؤيته عن الطائفية.
قال الثوري العظيم لينين أن إضراب واحد يساوي عشر انتصارات انتخابية. لقد فهم أن نضالية العمال أنفسهم تجعلهم يتصلون بعضهم البعض بصورة لا يمكن ممارستها في مراكز الاقتراع وفي مثل هذه النضالات فإن كل أنواع الدروس يمكن تعلمها، ويطيح التضامن بالانعزالية، فالنضال يمكن أن يضم عمال مسيحيين يقتلون جنبًا إلى جنب مع العمال المسلمين في هذه العملية كل الأفكار الطائفية تتصارع في مجرى الصراع اليومي.
سوف يكذب الإعلام بشأن النزاع بين العمال وصاحب العمل وسوف تحاول قوات الأمن اقتحام المصنع وسوف تساند المحاكم صاحب العمل وكل الأشياء التي يفترض العامل أن تكون طبيعية وحيادية سوف يكتشف أنها خلقت من أجل حماية صاحب العمل.
ولكن العامل في نفس الوقت سوف يأخذ لمحة عن قوته الحقيقية في خضم النضال الجماعي أمام كل جبروت صاحب العمل ويدرك العامل أهميته في عملية الإنتاج فصاحب العمل غير قادر على الإبقاء على الإنتاج بدونه هو زملائه من العمال.
وكلما كان الصراع أعمق وأقوى كلما تضاءلت أهمية الأفكار التي تربى عليها العمال، سوف تبدو صحف وإعلام الطبقة الحاكمة أبعد ما تكون عن الحقيقة الجديدة التي تعرف عليها العمال بأنفسهم.
بالطبع سوف تنتهي الأغلبية العظمى من الإضرابات بدون تغير جوهري في النظام، العمال الذين تعلموا دروسًا جديدة سوف يواجهون مرة أخرى بالمعتقدات القديمة والآراء السابقة، بعض العمال – أقلية منهم – سوف يقاومون الهراء القديم كلية والبعض سوف يعود للآراء القديمة لكن بالنسبة للعديد منهم فإن الصراع سوف يبقى دائمًا، لهذا فإنه مع مجيء موجة إضرابات جديدة تظهر الأفكار التي تعرف عليها العمال في الموجة السابقة سريعًا وستختفي بعض الأفكار القديمة تمامًا.
تغير بعض النضالات الكبرى مجرى التاريخ وعندما يحدث ذلك فإن ملايين العمال يلقون هراء الأمس بعيدًا ولا يتغير العالم فقط بل يتغير العمال أنفسهم أيضًا.
الطريق الثوري:
لا يمكن بناء الاشتراكية من أعلى عن طريق أعضاء برلمانيون مخلصين بل يجب أن يناضل من أجلها ويتم السعي إليها من الغالبية العظمى من المجتمع، إن الاشتراكية لا يمكن بنائها إلا من أسفل عبر نضال الطبقة العاملة وهم يحتاجون لقلب المجتمع إلى بناء حزب ثوري يكون بمثابة هيئة أركان الثورة.
ولكن هذا التغيير الثوري للمجتمع لا يهبط من السماء وليس وصفة جاهزة، بل عملية شاقة تحتاج لجهد ودأب وصبر فكل نضال صغير يكسب العمال خبرة وثقة في قدرتهم وقواتهم ودور الثوريين عبر الحزب العمالي ثوري أن يعتمدوا على هذه النضالات كمفتاح لمكاسب مباشرة وللتغيير المستقبلي في نفس الوقت عبر ربط التكتيك بالإستراتيجية.
ففي مصر على سبيل المثال يكون صحيحًا قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية كتكتيك رغم معرفتنا أن البرلمان ليس طريقنا للتغيير أننا نفعل ذلك لأن العملية الانتخابية فرصة قوية لنا لخلق صلات مع الطبقة العاملة عبر النقاش والدعاية وفضح سياسات الحزب الحاكم وكذلك سياسات أحزاب المعارضة وطرح مواقفنا من القضايا الأساسية التي تشغل العمال وجموع الفقراء ولكننا سنؤكد دائمًا في كل دعايتنا على أن البرلمان ليس طريقنا للتغيير وأن تحرر الذاتي لطبقة العاملة عبر الحزب العمالي الثوري هو الهدف الذي ينبغي النضال من أجله.
ومن أجل تغير ثوري وإقامة مجتمع اشتراكي فإن هناك حاجة لسلسلة مختلفة تمامًا من الأولويات فالثوريون ينظرون للصراع الطبقي كمفتاح لفهم العالم فيرون عمال البلدان الأخرى كحلفاء والطبقة الحاكمة في الوطن على أنها العدو ولن تكون هناك حاجة لقوة البوليس لحماية ممتلكات الأقلية وتدعيم القوانين التي صممت لإبقاء الغالبية العظمى من الناس كما هي، ولن تكون هناك حاجة للقضاء الذي يأتي من صفوة المجتمع لحماية مصالح الطبقة الحاكمة.
بدلاً من ذلك سيتم إيجاد مؤسسات ديمقراطية مصممة لخدمة الغالبية العظمى من السكان في ظل سلطة العمال، قوة القانون سوف تنفذ عن طريق ممثلين تم اختيارهم من قبل العمال أنفسهم والقضاء سوف يتم انتخابه وإذا ما احتاج المجتمع ما بعد الثورة إلى جيش لحماية نفسه من الثورة المضادة فسوف يكون هناك جيش من العمال والفلاحين وسينتخب قادته من الجنود.
سوف تستخدم الثروة من أجل مصالح المجتمع كله وليس من أجل مصالح أقلية ضئيلة كما يحدث في عالمنا اليوم.
وسوف تنتخب المجالس العمالية ممثلين دورهم هو تلبية المصالح الحقيقية لهؤلاء الذين انتخبوهم ويمكن استبدالهم فورًا إذا فشلوا في ذلك.
ولن يتم إخضاع القرارات الأساسية للحياة اليومية لأهواء البيروقراطيين أو السوق ولكن سوف يتم اتخاذنا بناء على الرغبات الديمقراطية للغالبية العظمى من العمال، كمية المنتجات المطلوب إنتاجها وأنواعها سيتم مناقشتها وتحديدها بشكل ديمقراطي.
ولكن هل التغيير الثوري لا يتضمن العنف؟
إن الرأسمالية هي النظام الأكثر عنفًا ودموية ونظام مثل هذا لن يذهب بهدوء يجب على العمال أن يتسلحوا لتدميره، إن هذا ممكن الحدوث فتاريخ اللحظات الثورية دائمًا ما يتضمن تحطيم المجتمع القديم وجنود الجيش بوصفهم من أبناء العمال والفلاحين سرعان ما يتحولون في خصم الحالة الثورية إلى مؤيدين للثورة والطبقة العاملة وتقدم ثورة 1917 الروسية نموذجًا ناصعًا لذلك.