أجور أقل للنساء .. لمـــاذا؟!
من الصعب أن نصدق، بل ومن المؤسف، أن اليوم وبعد سنوات من النضال، لازالت المرأة تحصل على أجر أقل من الرجل. وبالرغم من أن النساء يشكلن حوالي نصف قوة العمل في بريطانيا، إلا أن رواتب النساء تقل بنسبة 17 في المئة تقريباً عن الرجال. وبطبيعة الحال إن هذا التمييز لا يظهر في نماذج الطلبات أو في تفاصيل الوظيفة، ولكن في الواقع تظهر الفجوة بين الأجور، ببساطة لأننا لازلنا نضطهد النساء.ويعزى السبب في هذا التمييز بين أجور الرجال والنساء إلى الدور الذي تقوم به المرأة داخل الأسرة. فعلى الرغم من أن العقود القليلة الماضية قد شهدت تغيراً هائلاً في النمط المعيشي لكل من الرجل والمرأة على السواء، إلا أنه لا يزال ينظر للمرأة باعتبارها المسئول الأوحد عن رعاية الأطفال داخل الأسرة. ولأن الدولة لا توفر رعاية مجانية للأطفال – الشئ الذي سوف يتيح للمرأة الفرصة للعمل – فرعاية الأطفال وظيفة المرأة، تماماً مثل خفض الرعاية الحكومية المقدمة لكبار السن والمعاقين بحجة أنهم يمكن رعايتهم داخل الأسرة – من جانب النساء بالطبع.
ومن المثير أن نعرف أن إستئجار شخصاً ما للقيام بمهام العمل الغير مأجور الذي تقوم به المرأة داخل الأسرة – من تسوق وطهي وتنظيف ورعاية للأطفال والأقارب- سوف يكلف حوالي خمسون ألف جنيه استرليني سنوياً.
وبالتالي فإنه من المفيد جداً للنظام الرأسمالي أن تقوم المرأة بهذا العمل وبالمجان، بل والأكثر من هذا، لما لا نزيد من الضغوط على الطبقات الأكثر فقراً، مما يدفعهم للقيام بتلك المهام مقابل أجور زهيدة.
سبب آخر من الأسباب التي تؤدي إلى حصول النساء على رواتب أقل من الرجال، هو اضطرارهن أحياناً للعمل بنظام الدوام الجزئي (يعتبر العمل دوام جزئي إذا كانت ساعات العمل أقل من 30 أو 35 ساعة عمل أسبوعياً). وتقريباً 50 في المئة من النساء يعملن بنظام الدوام الجزئي في مقابل 16 في المئة فقط من الرجال. ويحصل العامل الغير متفرغ على حوالي 75 في المئة من أجر الساعة للعامل بدوام كامل.
ولا مجال للدهشة هنا فمرة أخرى رعاية الأطفال هي السبب الرئيسي الذي يدفع المرأة للعمل بدوام جزئي، فهناك حوالي 38 في المئة من النساء المعيلات لأطفال يضطررن للعمل بنظام الدوام الجزئي بالمقارنة مع 22 في المئة من النساء اللاتي لا يعولن. وفي المقابل فقط 4 في المئة من الرجال العائلين و4 في المئة من غير العائلين يعملون بنظام الدوام الجزئي.
هذا الدور المزدوج الذي تقوم به المرأة كعاملة وكمقدمة رعاية بالمجان يعتبر من أهم العوامل التي أدت إلى إنخفاض أجور النساء. فكثيراً ما تضطر المرأة لطلب أجازة أو حتى الانقطاع عن العمل لفترات طويلة في حالة رعايتها لطفل، فيصبح من الصعب عليها الوصول إلى نفس مستوى الأداء لرجل يقوم بنفس العمل. وحتى عندما تحصل النساء على مسمى وظيفي مماثل لزملائهن من الرجال، فإن أرباب الأعمال يمنحهن اجوراً أقل فقط لأنهم على يقين من أنهم سيفلتون من العقاب. ويعكس هذا بوضوح التمييز الجنسي في العمل والذي لا يزال قائماً في ظل الرأسمالية.
بل هناك ما هو أكثر من ذلك، إن هذا التمييز الجنسي يعني أيضاً أنه إذا كانت هناك وظائف تعرف بأنها وظائف خاصة بالمرأة، فإن هذا يعني بالضرورة أجوراً أقل.
إن النساء العاملات في وظائف مثل جليسات الأطفال وعاملات النظافة هن الفئة الأقل أجوراً على الإطلاق.
لقد خاضت المرأة معارك الرواتب وفازت، ولكن لأن اضطهاد المرأة سمة أساسية من سمات الرأسمالية فلازلنا نعاني من عدم المساواة في الأجور.إن المنطق الذي تعمل به النظم الرأسمالية هو أنها تتخذ من مطلب مثل المساواة في الأجر ذريعة لشن هجوم على الطبقة العاملة ككل. إن النضال من أجل الوصول إلى إقرار إتفاقية “الوضع الموحد” في بريطانيا – عام 1997 تم التوصل لاتفاق “الوضع الموحد” بين الحكومة المحلية والنقابات العمالية لتوحيد جميع جداول الأجور في واحد، حيث كانت المجالس العمالية تستخدم جداول أجور متباينة لقطاعات العمل المختلفة – كانت بسبب مطالبة النساء في المساواة بأجور الرجال عند القيام بنفس العمل.
ولكن رأى أصحاب الأعمال أن المساواة في الأجور بين الرجال والنساء تكون بتخفيض أجر الرجل ليتساوى بأجر المرأة، وليس العكس.وهنا يطرح سؤالاً نفسه: ما هي المساواة التي نناضل من أجلها؟ نعم الاشتراكيون يريدون المساواة، ولكننا لا نريد أن تحصل نساء الطبقة العاملة على نفس الأجور الزهيدة التي يتقاضاها رجال الطبقة العاملة، في حين أن هناك عدد قليل من النساء هن القادرات على جمع المال فقط لكونهن في صدارة المجتمع. فلم يتحسن وضع المرأة العاملة في شئ عندما أصبحت المرأة عضواً في مجالس إدارات أكثر الشركات الرأسمالية استغلالاً في العالم، تماماً مثلما لم يطرأ أي تغيير على وضع المرأة العادية ترأس “مارجريت تاتشر” للوزاراء في بريطانيا، أو عندما كانت “كونداليزا رايس” وزيرة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن السبب الرئيسي الذي يجعل النساء يتقاضين أجور أقل من الرجال، هو النظام الرأسمالي القائم على الظلم والاستغلال، ومواصلة النضال ضد التمييز الجنسي في العمل من الممكن أن يؤدي إلى بعض الإصلاحات الرأسمالية.ولكننا سوف نصل إلى المساواة الحقيقية ونتحرر كلياً فقط عندما نتخلص من النظام الرأسمالي تماماً.
الناشر: جريدة العامل الاشتراكي (يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني)، العدد 2212، 31 يوليو 2010