ترجمة لحوار جرى مع الاشتراكي الثوري البريطاني: الكس كالينكوس
كيف ستكون الاشتراكية؟
إن حاجتنا للتخلص من النظام الحالي القائم على الرفاهية والطمع للقلة في مقابل الفقر والاستغلال للكثرة هي حاجة ملحة. ولكن ماذا سيحل محل هذا النظام؟ يرد اليكس كالينيكوس على الأسئلة التالية المتعلقة بشكل ونظام المجتمع الاشتراكي الحقيقي.
س: ألا يمكن أن تؤدي الثورة الاشتراكية إلى نوع جديد من الطغيان؟
ج: إن هذه الفكرة أساسية في معارضة مسألة التحول الاشتراكي في المجتمع. فالتجربة الستالينية – والتي تضمنت نظمًا مستغلة ومستبدة أطلقت على نفسها اشتراكية – قد أكدت على فكرة أن السلطة تؤدي إلى الفساد، وأن الثورة ببساطة سوف تؤدي إلى قيام نوع آخر من القمع والاستغلال.
ولكي نرى خطأ هذا التصور، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما قصد إليه كارل ماركس – وهو الذي أنشأ تراث الاشتراكية الثورية – بالاشتراكية. فلقد وصفها بأنها “حركة الغالبية العظمى لتحقيق صالح الغالبية العظمى”. فالثورة الاشتراكية تعني – في فكره – ليس إلغاء الديمقراطية ولكن امتدادها الرايكالي.
وكان نموذج ماركس هو كومونة باريس لعام 1871، عندما تم إلغاء الجيش والبوليس، ودفع مرتبات للمسئولين مثل مرتبات العمال في المتوسط كما تم إخضاعهم لنظام الانتخاب والاستدعاء العاجل. واعتبر لينين، وهو القائد الرئيسي للثورة الروسية، السوفييتات، أو مجالس العمال، التي ظهرت خلال الثورة بداية للنظام دولة جديدة يمارس فيه المنتجون (وهم الأغلبية) بأنفسهم ولأول مرة السلطة السياسية بشكل مباشر.
وهكذا، كان تصور ماركس ولينين للاشتراكية هي تحول المجتمع من أسفل. ومن وجهة النظر هذه، فإن الستالينية قد أدت ليس حتى إلى نسخة مشوهة من الاشتراكية ولكن إلى ثورة مضادة وتدمير لكل المبادئ التي تبنتها الثورة الأصلية. وإننا في حزب العمال الاشتراكي لكي دائمًا ما أطلقنا على الاتحاد السوفييتي وما شابهه من دول “رأسماليات دولة” حيث يتم فيها استغلال الطبقة العاملة تمامًا كما يحدث في الغرب.
والسبب الأساسي وراء الثورة المضادة الستالينية هو في الحقيقة عدم انتشار الثورة العمالية الأصلية من روسيا إلى البلاد الأخرى الأكثر تقدمًا. فلقد تمت مواجهة النظام الثوري من قبل القوى الرأسمالية الغربية مما أدى إلى انهيار الاقتصاد. أما الطبقة العاملة الصناعية، والتي كانت تمثل أقلية في دولة قائمة بشكل أساسي على الزراعة والفلاحين، فقد تفتت وبالتالي أصبحت السوفييتات مجرد هياكل فارغة.
وهكذا، فإن أهم درس نستفيده من الثورة الروسية هو أنه لكي تعيش وتترعرع أي ديمقراطية اشتراكية، يجب أن تنتشر وتمتد الثورة في جميع أنحاء العالم حتى إذا كانت بداياتها في دولة بعينها.
س: ولكن كيف سيكون شكل هذه الديمقراطية الاشتراكية؟ وكيف ستختلف عن الليبرالية الديمقراطية وهي القائمة حاليًا في ظل الرأسمالية؟
ج: إن أهم اختلاف هو أن ديمقراطية صنع القرار سوف تتغلغل في جميع أنحاء الهيكل الاجتماعي. إن الديمقراطية الرأسمالية السائدة تفصل القوة السياسية والتي هي في الأصل خاضعة لأحكام الديمقراطية (بالرغم من تجاهل هذه الأحكام أو لويها في الممارسة) عن القوة الاقتصادية والتي يمارسها عدد ضئيل من المدراء غير المنتخبين. إن الفصل سوف يتلاشى. فمكان العمل هو الذي سيكون الوحدة الرئيسية الديمقراطية الاشتراكية الجديدة، وذلك بانتخاب ممثلين للمؤتمر العالمي من القواعد المحلية والإقليمية والدولية (مع امتداد الثورة).
إن ديمقراطية التمثيل، والتي تطورت في بدايتها بواسطة الطبقة الرأسمالية الناشئة عندما كانت ما تزال ثورية، سوف تمتد وتتجاوز مفهوم المحيط السياسي الضيق، لأن القرارات الخاصة بماذا سننتج قد تحولت إلى أيادي هؤلاء الممثلين المنتخبين. كما سيتم تقوية هذا النظام لأن هؤلاء الممثلين سوف يخضعون لانتخابات منتظمة واستدعاءات فورية مما سيجعلهم في موقف المسئولية بشكل لا يعرفه أعضاء البرلمان المعتادين.
وتتطلب الديمقراطية أيضًا نقاشات مفتوحة واختيارات بين بدائل حقيقية. وهذا العاملان عليهما قيود كثيرة بواسطة قوة رأس المال في المجتمع الحالي. وهنا، مرة أخرى، فإن الاشتراكية سوف تعتبر تمثيلاً لامتداد الديمقراطية. فاستعمال وسائل الإعلام لن تكون قاصرة فقط على أولئك الذين لديهم الثروة لشراء الصحف وشبكات التليفزيون.
بالطبع حرية النقاش لن تكون مؤثرة بدون القدرة على الاختيار أو التمييز بين الأحزاب السياسية التي تقدم برامج مختلفة. صحيح أن الدولة العمالية، مثلها مثل أي دولة، سوف يكون لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد قوى الثورة المضادة التي تعمل على التخلص منها. لكن أي حزب لديه العزم على العمل السلمي في إطار الدولة الجديدة سوف تكون له حرية المنافسة للتأثير في مجالس العمال وسيضمن له استخدام وسائل الإعلام.
س: إنه يبدو أن نوع الاشتراكية الذي تتحدث عنه يتضمن التخلص من السوق. ولكن كيف نستطيع العيش بدون السوق؟
ج: إن اقتصاد السوق هو بالضرورة نوع من الفوضى. فالأولويات الاقتصادية لا يتم تحديدها بشكل جماعي، لكنها تنتج عن المنافسة العمياء بين الشركات المختلفة، حيث تطمع كل شركة في تحقيق أعلى نسبة من الربح. إن هذا يمكن اعتباره نظام اقتصادي مدمر للغاية. أنظر مثلاً إلى الأموال الضخمة التي تصرف على بناء العمارات المخصصة للمكاتب الفاخرة التي لا يستخدمها أحد! ويمثل هذا النظام أيضًا خطورة كبيرة حيث أن المنافسة غير المنضبطة يكون لها تأثير كارثي على البيئة.
إن ما تعنيه الاشتراكية كنظام اقتصادي هو ببساطة أننا يجب أن نقرر بشكل جماعي استخدامات الموارد المتوفرة، والرقابة.
أما المعنى العملي للوفرة المفترض وجودها في المجتمع الشيوعي هو: توافر جميع السلع والخدمات المطلوبة لتحقيق الاحتياجات الأساسية للأفراد – مثل الطعام والملبس والكهرباء والتعليم والمواصلات والعلاج…الخ. وعن طريق الرصد والتقييم في ظل مجتمع شيوعي عالمي سيتم إنتاج هذه السلع والخدمات بكميات كافية حتى توفر بالمجان للجميع. وكلما اقترب المجتمع من هذه النقطة سيصبح قادرًا على التخلص من السوق الذي لن تعود له أية قيمة.
لذا ستحتاج الشيوعية إلى مزيد من التقدم في قوى الإنتاج، أي وسائل إنتاج الثروة في المجتمع. وما يجعل الاشتراكية ممكنة في البداية هو التوسع الذي تحدثه الرأسمالية ذاتها في قوى الإنتاج هذه حتى لا تعود هناك ندرة في أي شيء – خاصة في إنتاج الطعام. إن الناس يموتون من الجوع حاليًا – على سبيل المثال – ليس لأنه لا يوجد طعام كافي لكن لأنهم لا يملكون المال الذي يمكنهم من شراء الطعام. والاشتراكية ستنهي هذا الوضع سريعًا، لكنها ستظل في حاجة إلى تطوير قوى الإنتاج قبل أن تصبح قادرة على توفير جميع الاحتياجات الرئيسية للبشر.
وبالطبع سيتم خلق توازن ما بين المطالب والاحتياجات لتفادي أي تدمير للبيئة، والبدء في معالجة الدمار الذي حدث بالفعل. إن التخطيط الاشتراكي هو الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله مناقشة ومعالجة مثل هذه المشاكل، لكن بدون شك تحدث اختيارات صعبة في بعض الأحيان بين أولويات النمو الاقتصادي وطول عمر الجنس البشرى.
س: لكن هل سيؤدي هذا المجتمع الشيوعي إلى التعامل مع جميع الأفراد بالمثل، وبالتالي إخضاعهم لذلك التماثل الرتيب؟
ج: بالطبع لا. لقد كان تعريف ماركس للشيوعية أنها “علاقة يكون فيها التطور الحر للفرد شرطًا ضروريًا للتطور الحر للمجموع”. بمعنى آخر، الفكرة الرئيسية في الشيوعية هي إعطاء المساحة لكل فرد لإدراك قدراته الخاصة. فالمجتمع الشيوعي يقدم الإطار الذي في محيطه يستطيع كل فرد أن يحقق ذاته.
أحيانًا يكون عمل الفرد على تحقيق ذاته مؤديًا لا محالة لصراعات ما. فالأفراد يريدون أشياء مختلفة، بافتراض أن الموارد المتوفرة سيكون لها حدود، فقد تنشأ أحيانًا صعوبات في توفير ما يريده جميع الأفراد في ذات الوقت. لذلك سيكون على الآليات الديمقراطية القائمة على المناقشة الحرة وأخذ القرارات بالأغلبية – وهي المبادئ التي ستحققها الثورة الاشتراكية في جميع أرجاء المجتمع – الدور الرئيسي في حل هذه الصراعات.
برغم ذلك، فإن وجود نظام يحقق الوفرة المادية (على الأقل فيما يتعلق بالاحتياجات الرئيسية) سوف يقضي على هذه الصراعات تدريجيًا. لقد تنبأ أنجلز بأن الدولة سوف تتلاشى في ظل الشيوعية. وأضاف أن الدولة في جوهرها جهاز متخصص في القمع – الجيش، والشرطة، والمحاكم، والسجون هي أدوات حاضرة للدفاع عن مصالح القلة القامعة. إن هذا الوضع سيبدأ في التغير بعد الثورة الاشتراكية. فسلطة الدولة وقتها ستستخدم بواسطة الغالبية المقموعة ضد الرأسماليين الذين لازالوا قائمين.
لكن مع انتصار الاشتراكية في العالم أجمع ومع اقتراب تحقق الوفرة المادية، ستتلاشى الحاجة للقمع المنظم. والآليات الديمقراطية التي سيتم وضعها بواسطة الثورة ستكتسب دورًا أهم فأهم في حل الخلافات. ربما ستكون هناك حاجة للقمع من وقت لآخر في حالة وجود فرد أو مجموعة من الأفراد غير مستعدة لاحترام قرارات الأغلبية، لكن هذه الحالات متوقعة كاستثناء ولن تحتاج إلى جهاز قمعي منظم مثل ذلك القائم في المجتمع الطبقي. وفي أغلب الأحوال فإن الاختلاف في وجهات النظر والسجال لن يخلق مشكلة داخل المجتمع الشيوعي، على العكس فإنه سيشكل قوة الدفع في تطوره.
لقد توقع ليون تروتسكي أن الأحزاب السياسية التي ستنهض في ظل الاشتراكية ستنشأ بسبب الاختلاف حول قضايا مثل: “ضرورة إنشاء قناة ضخمة جديدة، أو كيفية توزيع الواحات في الصحراء الكبرى، أو الطريقة الأفضل لضبط الأحوال الجوية، أو أهمية إنشاء مسرح جديد، أو صحة افتراضات كيميائية ما، أو التفضيل ما بين اتجاهين متنافسين في الموسيقى، أو اختيار النظام الأمثل للرياضة البدنية”.
وبعيدًا كل البعد عن كونه مملاً أو متماثلاً، فهذا المجتمع سوف يستمد طاقته من قوة الخلق والإبداع، ومن التجربة والسجال. وسوف تتوافر فيه ديناميكية وقوة الرأسمالية، لكنه سيقضي على فوضويتها واستغلالها، وعلى أنقاضها سيحقق الديمقراطية والتعاون.
لقد كانت هذه هي الرؤية المستقبلية التي ألهمت ماركس ومن بعده الاشتراكيين الثوريين للتضحية بحياتهم من أجل النضال ضد الرأسمالية. واليوم في عالم مثقل بشرور الرأسمالية وقذاراتها، تلك التي شجبها ماركس منذ 150 عامًا مضت، لازالت هذه الرؤية جديرة بالنضال من أجلها.
بشكل منتظم على كيفية تحقق هذه القرارات في الممارسة الفعلية. وهذا ما نطلق عليه التخطيط، الذي هو فكرة بديهية. هناك حقيقة أن الرأسمالية، كما وصفها ماركس، هي عالم مقلوب رأسًا على عقب، حيث يتم التشهير بالتخطيط على أنه فكرة غير واقعية. على الرغم من حقيقة، أن هناك الكثير من التخطيط الذي يتم في إطار الرأسمالية، حيث تضع الشركات الكبيرة خطط طويلة المدى لمشاريعها الاستثمارية مثلاً. لكن هذا الوضع يعني أن التخطيط منقسم وغير منظم بالإضافة إلى أن القرارات يتم فرضها من أعلى بحيث لا تكون هناك أي مشاركة من الناس الذين يتأثرون مباشرة من جراءها.
على نقيض ذلك، سيكون التخطيط الاقتصادي في الاشتراكية جزءًا من الامتداد الديمقراطي الذي أشرت إليه سابقًا. وهكذا، فإن ما سيحدث لن يكون مجرد تأميم للشركات الكبيرة المسيطرة على الاقتصاديات الحديثة لتصبح مؤسسات عامة، لكن الأهم هو إن إدارة كل مكان عمل ستتم بشكل ديمقراطي بواسطة العاملين به. فالمنتجون أنفسهم هم من سيتخذ القرار. إن كل من سيتأثرون بقرار استثماري معين – المنتجون، المستهلكون، أو القاطنون في مكان بعينه – سيتعاونون ليصلوا إلى النتيجة التي ستكون أكثر اتساقًا مع مصالحهم. فبدلاً من أن تتبع السلطة الاقتصادية رأسيًا ومن أعلى كما هو الأمر في ظل الرأسمالية، سوف تتحرك أفقيًا فيما بين أماكن العمل والصناعات لأن المنتجين اختاروا بشكل ديمقراطي أن ينسقوا أنشطتهم.
س: ألا يعني إلغاء السوق حرمان المواطنين من الحافز للعمل؟
ج: كان لدى ماركس تصورًا واقعيًا عن كيفية تطور المجتمع الاشتراكي. في رأيه لا يوجد مجتمع ينشأ بدون توافر الشروط المادية والاجتماعية لتحققه. لذا فالمجتمع الاشتراكي الجديد، وهو ينهض على أنقاض الرأسمالية سيكون: “في كل جانب من جوانبه، سواء في الاقتصاد، أو الأخلاق، أو الثقافة، لازال مختومًا في علامات مولده بالمجتمع القديم، الذي خرج من رحمه”.
من السهل إعطاء أمثلة لعلامات المولد هذه: فكل العنصرية والتمايز الجنسي والفردية التي نشأ عليها الناس في ظل الرأسمالية لن تختفي فجأة لكننا سنحتاج إلى وقتًا طويلاً للتخلص من كل تراث الرأسمالية هذا. لذا فإن ماركس فرق بين ما أطلق عليه “المراحل العليا والدنيا للمجتمع الشيوعي”.
أهم معالم المراحل الأولى هو قيام أشكال الديمقراطية الاشتراكية والتخطيط، وهو ما تحدثنا عنه من قبل. لكن ستظل هناك أمور تضطرنا إلى تقديم تنازلات للماضي الرأسمالي. أحد أهم هذه التنازلات ستكون في الطريقة التي سيتم على أساسها توزيع السلع والخدمات على الناس. حيث ستقوم على مبدأ: “من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله”.
وبذلك يصبح حصول الأفراد على نصيبهم من ناتج عملهم الاجتماعي معتمدًا على الجهد الذي يبذلونه هم أنفسهم (طبعًا باستثناء، صغار السن وكبار السن والمرضى الغير قادرين على العمل). يتضح من ذلك أن مبدأ “الجهد المبذول” هذا سيؤدي على وضع أكثر تقدمًا إذا ما قارناه بالرأسمالية حيث يعيش المدراء وأتباعهم على عمل غيرهم. لكن ماركس اعتقد أيضًا أن هذا يحتوي على درجة من اللامساواة التي لا يمكن تقبلها على المدى الطويل. فالعمال الأكثر مهارة سيحصلون على راتب أعلى من أولئك الأقل مهارة، ومن يعول أفرادًا كثيرين سيكون في حال أسوأ ممن يعول أفرادًا أقل.
لكن، ما إن يحصن المجتمع الاشتراكي ذاته – خاصة بعد نجاح الثورة عالميًا – سيصبح ممكنًا التقدم نحو ما أسماه ماركس “المرحلة الأعلى من المجتمع الشيوعي”. هذه المرحلة ستقوم على مبدأ: “من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته”. وهذا سينتج عن تغير علاقة الأفراد بعملهم، “الذي لن يعود مجرد وسيلة للعيش إنما سيصبح إرادة الحياة ذاتها”. فالأفراد لن يعملوا فقط ليعيشوا ولكن لأنهم وجدوا العمل الذي يقومون به محققًا لذواتهم، وبالتالي فهم مستعدون لتقديم ما يستطيعونه للمجتمع والحصول في المقابل على ما يحتاجونه فقط.
هذا التغيير الجوهري في الأسلوب والاتجاه سينتج عن التحولات التي ستحدث في طبيعة العمل ذاته خلال فترة الانتقال إلى الشيوعية الكاملة. فمسألة إدارة العمال لأنفسهم ستكون في الواقع جزء من إطار أوسع يتحطم داخله ما أطلق عليه ماركس “التناقض بين العمل الذهني والعمل اليدوي”. ولن يعود العمال مجرد أجزاء ثانوية في الماكينة، لكنهم سيتعلمون كيف يتحكمون في عملهم بشكل جماعي. وهذا التحول سيؤدي إلى توظيف التكنولوجيا بطريقة جديدة. مثلاً لن تبقى تكنولوجيا المعلومات تستخدم كطريقة لزيادة سيطرة المدراء على العمال وفصلهم، إنما ستصبح آلية من آليات الديمقراطية.
أيضًا فإن المرحلة العليا من المجتمع الشيوعي ستنهض على تحقق مستوى عالي من الوفرة المادية التي تحقق الكفاية. لذا سيكون الأفراد مستعدين لإعطاء جهدهم للمجتمع بشكل حر، طالما هم يعملون بصورة مؤكدة أنهم سيحصلون على جميع احتياجاتهم الأساسية. أحيانًا يتم تفسير مسألة الوفرة في الشيوعية على أنها تعني فرصة كل فرد في الحصول على أي شيء يريده! ومن السهل إدراك أن هذا الطلب مستحيل عمليًا – فمثلاً، ما الذي سيكون عليه الأمر لو أردت الحصول على لندن كلها لنفسي؟
ــــــــــــــــــــــــ
ترجمة لحوار جرى مع الاشتراكي الثوري البريطاني: الكس كالينكوس
نشر في مجلة السوشياليستر ريفيو عدد يناير 1993