هل يمكن أن تكسب الثورة الجيش؟
كيف يمكن أن تؤدي الثورات إلى انشقاق الجيوش؟
* نُشِر المقال لأول مرة في أبريل 2011، بقلم مريم جرين، في مجلة “سوشياليست ريفيو” الشهرية البريطانية، يصدرها حزب العمال الاشتراكي ببريطانيا..
تدفعنا أحداث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إدراك أن دور الجيش في الثورة يتجاوز مسألة الاهتمامات الأكاديمية. إذا لم تكسب الثورة الجيش ضمن صفوفها فسوف يبقى من أدوات الثورة المضادة، وهو أداة قادرة على إغراق أي ثورة في بركة من الدم. طريقة رد الجيش على الثورة تؤثر كثيراً في المحصلة النهائية لها.
كما قال الثوري الروسي ليون تروتسكي: “مصير كل ثورة يتحدد عند نقطة معينة بالانقسام في صفوف الجيش”.
جوهر اكتشاف كيف يمكن على الأقل كسب قطاعات من الجيش إلى صفوف الثورة يكمن في فهم دور الجيش في المجتمع وتناقضاته الداخلية.
الجيش موجود لحماية مصالح الطبقة الحاكمة في أي دولة. وهو أداة قمع، وأداة لاتخاذ ردود أفعال. المُنظر الألماني العسكري العظيم كارل فون كلاوسفيتز وصف الحرب بأنها “استمرار للسياسة بسبل أخرى”.
الطبقة الحاكمة تستخدم الجيش كأداة للتوسع الإمبريالي خارجياً، ولدى الضرورة، تستعين به في القمع داخلياً. لكن الجيش بدوره منقسم انقساماً طبقياً. الضباط من الطبقة الحاكمة، بينما صف الضباط والجنود أغلبهم من الطبقة العاملة، وهم من الفلاحين في البلدان الأفقر.
يحاول الضباط معالجة هذه الانقسامات الطبقية فيغرسون في الجنود فكرة أنهم يحمون “مصلحة الوطن” من التهديدات الخارجية. الأساس في كسب أي ثورة للجيش هو تجاوز هذه النقطة وتكريس الانقسام على الأسس الطبقية.
هناك فرق بين جنود الجيش، وبين أبناء الطبقة العاملة الذين يقررون الانضمام إلى الشرطة. الدولة تستخدم الشرطة في قمع الطبقة العاملة بشكل يومي، إذ تُفرق الاعتصامات العمالية وترهب شباب الطبقة العاملة في الشوارع، وتهاجم المظاهرات أو تحمي الأغنياء من الجرائم. وكما قال كارل ماركس: “الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي”، والشرطة – أيا كان أصلها الاجتماعي – ترى في الطبقة العاملة عدوها.
النتيجة هي أن كسب الثورة لبعض قطاعات الشرطة أمر أصعب بكثير من كسب تعاطف جنود الجيش العاديين. السبب أن جنود الجيش لم يعتادوا القمع اليومي للناس.
عندما تؤدي أزمة ما إلى حدوث تصدعات في الطبقة الحاكمة وتؤدي إلى صراعات قوية من الأسفل في صفوف الجماهير، قد تنظر الطبقة الحاكمة في أمر إرسال الجيوش لقمع الثورة التي لم تعد الشرطة قادرة على احتوائها. لكن فجأة مع توجيه الأوامر للجنود بتصويب سلاحهم نحو الشعب الذي لطالما قيل لهم أنهم يدافعون عنه – وربما يصيب رصاصهم أهلهم وأقاربهم – قد يؤدي هذا إلى حالة انزعاج عميقة في صفوف الجنود.
في الثورة الروسية عام 1917 أدت الانقسامات الطبقية القاسية في جيش القيصر، وتجربة الحرب العالمية الأولى الدموية، وحركات الإضراب الجبارة داخل روسيا، أدت إلى تمرد ثكنة بتروجراد الهامة بعد أيام من اندلاع الثورة في فبراير. بدأ الجنود في انتخاب ضباطهم وطالبوا بانتهاء الحرب.
في كتاب تروتسكي المهم، تاريخ الثورة الروسية، أوضح نقطة أخرى جوهرية عن الشروط التي قد تقع في ظلها أعمال التمرد من هذا النوع.
الجيوش الرأسمالية ليست ديمقراطية، حتى في ذلك الشكل المقتصر الذي نشهده في الديمقراطية البرلمانية. إنها مؤسسات هيراركية لا تسمح بأي معارضة أو نقاش. الانضباط يُنفذ باللجوء إلى التعنيف وفرض العقوبات. لهذا لا تسمح الجيوش بحركات نقابية، حتى وإن كانت الطبقة الحاكمة تسمح بها في أماكن العمل العادية. في الحرب أو الثورة، عندما تصبح مصالح الطبقة الحاكمة مهددة، يُواجه التمرد داخل الجيش بالقمع الدموي. فهي مسألة في غاية الخطورة، مسألة حياة أو موت بالمعنى الحرفي للكلمة.
والنتيجة؟ لابد من إقناع الجنود بأن الثورة ماضية في طريقها إلى غايته. قال تروتسكي: “كلما استقر في وجدان الجنود أن هذه ليست مظاهرة سيعودون بعدها إلى الثكنات، وأن ما هم بصدده نضال حتى الموت.. زاد استعدادهم لتنحية السونكي جانباً، أو الانضمام [إلى الثورة]”.
كلما زاد حجم الإضرابات الجماهيرية، وكلما زاد حجم الحراك والحشد، وكلما زادت المطالب الطبقية التي يهتم بها الجندي العادي بطبيعة الحال.. أدى ذلك إلى زيادة الفرصة في أن ينضم الجنود إلى الثورة عندما يواجهون المتظاهرين في الشوارع فيأمرهم قادتهم بإطلاق النار على هؤلاء المتظاهرين.