بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الجريدة الثورية.. صوت النضال

كان للصحف الثورية  دورا في الكثير من الصراعات من أجل التغيير في الماضي بسبب أهميتها في تقديم أفكار جديدة وتحضير هولاء الذين على استعداد للنضال من أجل هذه الأفكار.

في بداية هذا العام، ألقى “آرون بتكوف”، عضو منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة، خطبة عن أهمية الصحافة  اليسارية والصحف الاشتراكية مثل “العامل الاشتراكي” على وجه التحديد، وذلك أثناء اجتماع فرع “ديترويت” لمنظمة الاشتراكيين الأمميين، وبيان الخطبة هو محور هذا المقال:

فى ديسمبر 1964 ألقى مالكوم إكس محاضرة في قاعة اجتماعات هارليم، وقال واحدة من أهم جمله الشهيرة: “إن لم تكن حريصا، فإن الصحف سوف تجعلك تكره من يتعرضون للظلم وتحب من يمارسونه، فالظالم يحاربك في الصباح والظهيرة والمساء وفيما بينهم، وتظل تعتقد أنه من الخطا أن تحاربه في المقابل، لماذا؟ الصحف تجعلك تبدو وكأنك أنت المخطئ، وطالما أنك تتقبل الضربات فأنت على الصواب، هذه هي الصحافة وهذه هي الصورة التي تصدّرها، وهذا الأمر خطير إن لم تستطع تحصين نفسك ضده”.

لقد بدأت الاجتماع بهذا الاقتباس لأنني أشعر أنه يعبر عن جدال الثوريين في إصدار الصحافة الخاصة بهم.

سوف أقوم بشكل عام بتوضيح المقصود بالصحافة الثورية ودورها وعلاقتها الوثيقة بمهمة بناء حزب اشتراكي ثوري جماهيري، وبالأخص سوف أسلّط الضوء على بعض أمثلة الصحافة الثورية الجديرة بالذكر في الماضي، وكذلك العناصر الثلاثة للصحافة الثورية الاشتراكية؛ باعتبار أن الصحف تلعب دور الدعاية والتحريض والتنظيم.

الصحف الثورية في التاريخ

هناك تقليد قديم أن تخلق الحركات الثورية الصحافة الخاصة بها، حيث تقوم من خلالها بنشر أفكارها وتنظيم تحركاتها.

خلال الثورة الفرنسية 1789 – 1799، أسس جان بول مارات (مؤيد مشهور لنادي اليعاقبة) جريدة “صديق الشعب” ليحث من خلالها على استمرار الكفاح الثوري، تلك الجريدة التي سرعان ما أصبحت أكثر الصحف مبيعا في باريس.

وتوضح الأرقام دائما أن صعود التيار الاشتراكي الثوري مرتبط ارتباطا وثيقا بتصاعد الصحافة الثورية، بدءا من كارل ماركس وفريدريك إنجلز، حيث أسسا مع زملائهما في النضال “الجريدة الرينانية” للدفاع عن الحركة الثورية الألمانية سنة 1848، إلى الثوريين الألمان روزا لكسمبورج وكارل لبيكنخت حيث أسسا جريدة “الراية الأحمر” أثناء أعلى صعود للثورة الألمانية سنة 1918 لتصبح لسان حال جماعة “سبارتكوس” التي صارت فيما بعد “الحزب الشيوعي الألماني”.

أما لينين والثوريون الروس، فقد أصدروا مجموعة من الجرائد، منها “الإيسكرا” (وتعني الشرارة) و”البرافدا” (وتعني الحقيقة)، وغيرها من الجرائد التي أسست النظام السياسي والتنظيمي للحركة الثورية الروسية. الثوري الإيطالي أنطونيو جرامشي أسس جريدة “النظام الجديد” عام 1919 بدعم  الاتحاد العمالي، وأصبحت الجريدة المحرك الرئيسي لموجة إضرابات واحتلال المصانع في المنطقة الصناعية بمدينة تورين سنة 1920، ثم صارت الجريدة الرسمية للحزب الشيوعي الإيطالى ثم قام موسوليني بإغلاقها بعد ذلك.

وكذلك كان للولايات المتحدة نصيبٌ من الصحف الثورية على مدار التاريخ. على سبيل المثال جريدة وليم جاريسون “المحرر” التي نادت صراحة بإلغاء العبودية، والتي كان من أبرز داعميها العبد السابق فريدريك دوجلاس والذي بدأ بعد ذلك في نشر الجرائد الخاصة به والتي كان منها “النجم الشمالي” التي لم تدعم فقط حقوق السود ولكن أيضا حقوق المرأة بالمثل، وكانت تحمل شعار “الحقوق ليس لها جنس، الحقيقة ليس لها لون، والله لنا جميعا، وكلنا إخوة”.

و في عام 1967، قام حزب النمر الأسود بنشر جريدته “النمر الأسود”، وفي عام 1969 وصل أعضاء حزب النمر الأسود إلى 10 آلاف عضو، وكان من المتوقع من كل عضو أن يقرأ الجريدة ويقوم ببيعها في المظاهرات والمدارس والجامعات. وكانت كل صحيفة تحتوي على برنامج الحزب، والذي كان يطالب في المقام الأول بمجانية التأمين الصحي والإسكان والتعليم والطعام، وإعفاء كل أسود من الخدمة في الجيش الأميركي، وقد وصل معدل توزيع الجريدة إلى 250 ألف نسخة أسبوعيا.

وعلى إثر “تمرد ديترويت” في يونيو 1967، قامت مجموعة من النشطاء السود بطباعة جريدة “صوت المدينة الداخلي”، وقد أطلقت العناوين الصحفية على هذه الصحيفة أسماء “صوت الثورة” و”جريدة المجتمع الأسود في ديترويت”، وكانت سياسة الجريدة تكمن في توضيح حقيقة ما يحدث في الشارع والقيام بدور المحرك الذي يقود التغيير في النظام السياسى والتعليمي. وقد أصبحت الجريدة هي رد الفعل الإيجابي الناتج عن التمرد العظيم والذي يُشار إليه بالإضراب العام في 1967.

ولكي تصبح الجريدة معبرة حقا عما يحدث في الشارع، فقد ركزت على التداخل بين العنصرية وصراع الطبقات، وقد كان هذا العنوان هو موضوع الصفحة الأولى في يونيو 1968 “العمال السود مربوطين من 8 إلى 12 ساعة عمل كل يوم في خط عمل طويل بحيث لا يرى أحد بدايته أو نهايته، ولكنهم فقط مدرجين في أحد شقوقه وباقين هناك، ورئيس عمال أبيض متعصب واتحاد عمال يتعامل بوجهين ويطعن في الظهر بسكين.. كل هذا قد دفع العمال السود للتمرد، ففي إضرابات وايلد كات، لم يقم العمال السود في خطوط الإنتاج باتباع إجراءات التوجه بالشكوى لاتحاد العمال، وقد أدركوا أن الطريقة الوحيدة للحصول على مطالبهم هو بالإضراب والتفاوض مع رجال الأعمال أنفسهم”.

لقد واجهت جريدة “صوت المدينة الداخلي” صعوبات في إيجاد مكان للطباعة داخل ديترويت، وكان لابد لها أن تُطبع وتُنقل من شيكاغو، ولكن في 1968 قامت بشراء الجريدة الدراسية لجامعة واين “نهاية الجنوب” مدعومة بمعونات حكومية من الجامعة، فتم تحويل جريدة “نهاية الجنوب” من جريدة طلابية عادية تغطي أخبار النشاط الرياضي بالجامعة إلى منبر ثوري صريح، اثنين من أعضاء حزب النمر الأسود تصدروا قيادة الجريدة التي أصبح شعارها الرسمي “طبقة واحدة، عمال على وعي، يساوى 100 طالب”، وقد قاموا بطباعة الجريدة باستخدام معونة من أموال دافعي الضرائب تصل إلى نص مليون دولار (بحساب العملة الحالي) وبمرتب لرئيس التحرير يصل إلى 16 ألف دولار سنويا.

وبعيدا عن فكرة اقتفاء أثر الماضي، والحديث عن أن الإنترنت جعل الصحافة شيء مُهمل، فإن الصحافة الثورية النشطة لا تزال مستمرة حتى اليوم، فعند اندلاع حركة احتلال وول ستريت، ظهرت مباشرة مجموعة من الجرائد مثل “جريدة وول ستريت المُحتل”، و”منبر شيكاغو المحتل”، و”محتلو بوسطن”، وغيرها.

لماذا نحتاج لصحافة ثورية

في كتابه “الأيديولوجيا الألمانية”، أوضح كارل ماركس أن “الأفكار السائدة في أي مجتمع هي أفكار الطبقة الحاكمة”، وهذا يتجلى بوضوح اليوم في كل ما يدور حولنا، فنرى انتشار الفقر والبطالة إلى جانب تفشى العنصرية والتفرقة على أساس الجنس والشوفينية، وكل هذا يتم تقديمه واستخدامه بواسطة إعلام وصحافة ومدارس وكنائس الطبقة الحاكمة، إلخ، ولكن هل يعني هذا أن الأمل في قيام ثورة أمر محكوم عليه بالفشل؟

الوعي ليس شيء ثابت وجامد؛ فالناس لديها وعي مختلط ومشكّل من ناحية بأدوات الطبقة الحاكمة، ومن خلال تجاربهم الملموسة من الناحية الأخرى، وبما أن الكتلة الأكبر مستغَلة ومظلومة، فإن تجاربهم هي التي ستعطيهم القدرة على تطوير الوعي الثورى والذي سيمهّد لهم الطريق للكفاح من أجل التحرر وإعادة بناء وقيادة المجتمع الجديد.

ولكن هذا لا يضمن على الإطلاق أن الثورة أمر لا مفر منه، فالطاقة العفوية المتمردة المنبعثة من الناس المستغَلين والمضطهَدين لا تؤدي تلقائيا إلى الثورة، لأنها لو كانت تؤدي إلى الثورة لكنا نعيش الآن في ظل مجتمع اشتراكي، ولكان احتلال وول ستريت قد تحول إلى حركة ثورية كبيرة بالإضافة إلى حركات أخرى كثيرة حدثت في الماضى.

وبما أن الوعي غير ثابت ومتغير، فإن الطبقة الحاكمة في حالة صراع مستمر على قلوب وعقول الطبقة العاملة والمظلومين، فإذا كان الثوريون غير جاهزيين للصراع من أجل أفكارهم، فإن أفكارا أخرى سوف تنتصر وتحتوي الصراع، أفكار من؟ الديمقراطيين، والنقابات الحكومية المحافظة، والموسسات غير الربحية شديده الصله بالديمقراطيين. وبالتالي فإن الطاقة العفوية تخلق إمكانية للوعي الثوري، ولكن هذه العناصر الثورية التي تتشكل لابد أن يتم تنظيمها في قوة متماسكة تستطيع أن تتنافس بنجاح مع القوه الأخرى وأن تقدم العناصرالثورية الأخرى الغير معلنة، هذه القوى الثورية لابد أن تتسع لتضم فئات أوسع من المجتمع من أجل أن تتغلب على قوة وسلطة الطبقة الحاكمة.

وكل ذلك ليس مجرد مهمة للأجيال القادمة من المناضلين الثوريين، بل مهمة تواجهنا اليوم بتحدي حقيقي في الصراع الحالي. على سبيل المثال، إذا كان لدينا في ديترويت تنظيم مكون من 50 أو 100 اشتراكي متجذرين في النضال، ونشطين خلال الاحتجاجات ضد تشريع الحق في العمل الذي طرحه حاكم ميتشجان ريك ساندير، فإنه كان من الممكن تكرار ما حدث في احتجاج ديسمبر 2012 عندما واجه أعضاء اتحاد العمال الشرطة ومؤيدي اليمين. لقد كان هناك اتجاه ثوري للمواجهة أكثر مما كان يريد أعضاء النقابة البيروقراطيين فعله، فإذا وُجدَت وقتها المنظمة الثورية الحقيقية، فإن الوضع كان سيختلف كثيرا، ولكن بدون هذا النوع من المنظمات فإن التأثير على المحتجين يقتصر على زعماء الاتحاد، والإضراب والغضب تم احتوائهما بالتصويت للديمقراطيين مرة أخرى في 2014. من الممكن أن نذكر الكثير من الأمثلة الأخرى؛ لنتصور أن لدينا 50 أو 100 ناشط منظمين أثناء بداية حركة احتلال وول ستريت، أو أثناء الاحتجاج ضد اغتيال تريفون مارتن.

وبالتالي من الواضح أن العمل الذي نقوم به له تأثير حقيقي الآن وفى المستقبل وأن مهمه بناء حزب ثوري أصبحت من أكثر الأولويات المطلوب تنفيذها إلحاحا.

ومن أجل بناء مثل هذا الحزب، لابد أن يربط الثوار أفكارهم بخبرات الشرائح النشيطة من المضطهَدين والمستغَلين، والتي يمكن أن نسميهم العناصر الطليعية. تجارب السنوات القليلة الماضية، والأزمة الاقتصادية، والتقشف وتجدد الاحتجاجات والإضرابات، وخيبة الأمل مع الديمقراطيين، إلخ، خلقت شريحة جديدة كاملة من الناس الذين يبحثون عن اتجاه جديد، هناك الكثير من الأماكن المختلفة التي من الممكن أن نقابل فيها هؤلاء الناس: في الشارع أو في مظاهرة.

جريدة مثل العامل الاشتراكي (تصدرها منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة) تعتبر أداة لربط أفكارنا مع تجارب هؤلاء النشطاء. فالماركسية هي نظرية التحرر الذاتي للطبقة العاملة، هي نظرية علمية متجذرة في تجربة الطبقة العاملة والمضطهَدين. بسبب ذلك، فهي الأكثر قدرة على شرح تجربة الطبقة العاملة والشعب من الصحف الليبرالية والبرجوازية. لذلك، يجب أن تكون الصحافة الثورية في القلب من النظرية الماركسية.

كيف يمكننا ربط أفكارنا بتجارب الناس؟ الإجابة بالتأكيد ستختلف من وقت لآخر اعتمادا على مجموعة من العوامل (ميزان القوى الطبقية، مستوى التنظيم، سواء كانت الطبقة العاملة والمضطهدين في موقف الدفاع أو الهجوم)، وبالتالي فإن الجريدة لا يمكن أن تشرح ما يحدث في العالم فقط وإنما لابد أن تكون مرشدا لكيفية التحرك، ولابد أن تتدخل في توضيح التحديات التي تواجهنا اليوم. ولهذا لابد أن تكون أكثر من مجرد ملاحظ على جانب الأحداث ومراقب لها، فالمشاركون في الجريدة والمساهمون إليها لابد أن يكونوا من النشطاء في النضال، يعلقون على تطور الحركة ويحثون على التقدم للأمام.

في النهاية، نحن نريد أن نفعل أكثر من مجرد كسب الناس على الأفكار الاشتراكية أو كسب المزيد من المناضلين، فالصحافة الثورية لابد أن تكون أداة لتنظيم القرّاء في قوة ثورية يكون لها دور في الصراع اليومي، تدفعهم للأمام لبناء الحركة الثورية. ولهذا وصف لينين الصحافة الثورية بأنها “ليست فقط وسيلة دعاية وتحريض ولكن أيضا وسيلة تنظيم”، وقد كانت كلماته الحرفية هي: “إن الجريدة الثورية يمكن تشبيهها بالسقالات حول المبنى التي تحدد ملامح الهيكل النهائي وتربط بين البنائين وتمكّنهم من توزيع العمل ورؤية النتائج المشتركة لعملهم الجماع المنظم”.

وبصياغة أخرى، فإن الجريدة لن تقوم فقط باجتذاب عناصر نشطة جديدة للحركة الاشتراكية المنظمة، ولكنها ستطوّر أيضا من هم جزء منها بالفعل بإعطائهم رؤية شاملة للمنظمة والتحركات التي تجري على الأرض حتى يكون لهم دور فعّال في العمل وتمكّنهم من تطوير أفكارهم ومشاريعهم من أجل دفع الحركة للأمام.

الصحف الثورية توفر عملية اتصال دائم بين النشطاء في المناطق الجغرافية المختلفة، وتساعدهم في إدراك تجاربهم المختلفه وتوفر منفذا دائما للنشطاء كي يكونوا على اتصال بالجماهير خارج التنظيم واكتشاف ما يقوله الجماهير ويفكرون فيه؛ هل هم مستعدون للأفكار الاشتراكية؟ أم عدائيين نحوها؟ ما هي أسئلتهم؟ هل قضاياهم هي “لقمة العيش” بعيدا عن الكفاح ضد التميير العنصري وعلى أساس الجنس؟

لهذا فإن مبيعات الجريدة للجماهير أمر هام للاشتراكيين، فهي ليست مجرد أداة دعاية حيث تحوي الأجوبة التي يحتاج الناس أن يسمعوها. نحن نريد (ونحتاج) أن يكون لدينا حوار مع الجماهير من كلا الطرفين؛ المؤيد والمعارض.

لذلك نحن نرى أن هناك توليفة من ثلاث جوانب للجريدة في ترابط وثيق مع بعضها البعض ومع التنظيم الثوري الاشتراكي؛ فهي وسيلة الدعاية التي تقدم الأفكار الثورية، وهي وسيلة تحريض لتحويل هذه الأفكار إلى واقع ملموس، وهي وسيلة تنظيم لتنظيم وتنسيق هذا العمل في هيئة قوية متماسكة.

إن هذه التوليفة من كل هذه العناصر المختلفة هي التي تجعل صحيفة مثل “العامل الاشتراكي” مميزة عن الصحف الأخرى وعن النشرات الماركسية نفسها، “جاكوبين”، ولهذا حتى في أسوأ الظروف فإن الجريدة مهمة للحفاظ على ترابط الكوادر الثورية في شبكة نشيطة، وللحفاظ على استمرارية هذه الشبكة.

الصحافة الثورية في عصر المعلومات

إحدى الانتقادات الدائمة للصحافة الثورية تقول أنه “ربما كانت هذه الصحف صالحة في عهد لينين، أما الآن فإن الأخبار تطير حول العالم في غمضة عين وانتهى عصر الطباعة”.. هناك إجابتين على هذا المنطق.

أعتقد أن الإنترنت تسبب في أزمة حقيقية لوسائل الإعلام الرأسمالية، ولكن بالنسبة لنا فالموضوع مختلف بعض الشيء، لأننا نرى الجريدة كأداة لتنظيم وبناء الحركة، وسائل الإعلام الاجتماعية وما شابها هي أدوات ممتازه لإيصال أفكارنا وليست في منافسة مع المنشورات المطبوعة، فلابد أن نستخدم كل سلاح في حوزتنا في معركة الأفكار مع الطبقة الحاكمة.

ولكني لا أعتقد أن الجماهير لم تعد تريد الصحف المطبوعة، أعتقد أن هذا يعتمد بشدة على الحركة السياسية والمناخ العام، ولقد ذكرنا بالفعل كيف أن حركة وول ستريت المحلية أنتجت وسائل الإعلام المطبوعة الخاصة بها لنقل أفكارها لهولاء خارج الحركة، ومع ذلك فإن جريدة “وول ستريت المحتل” لم تكن الوحيدة التي تم تدوالها حول الاعتصام في حديقة “زيوكت”، كان هناك مطبوعات أخرى مثل “العامل الاشتراكي” حيث كانت منتشرة بشكل لا يُصدق خلال ذروة حركة وول ستريت.

وأعتقد أن هناك عدة أسباب لهذا؛ فالجريدة ليست عبارة عن مجموعة مقالات معزولة، ولكن في الحقيقة هي تضع رؤية شاملة للعالم من ناحية تحليلنا للأحداث الحالية والصعوبات التي تواجه الحركة، إلى التحليلات السياسية الأعمق والعوائق أمام المنظمه الثورية.. ويتم نشر الرؤية الاشتراكية الأممية بشكل أكثر وضوحا من خلال الصحف المطبوعة أكثر من باحث الإنترنت أو توزيع مقالات فردية معزولة يتم طباعتها وإعطائها للجماهير.

بالإضافة إلى ذلك أعتقد أن هناك شيئا مهما حول العلاقة الملموسة التي تتكون مع الناس في محادثة حول الجريدة، ولقد لاحظ لينين أن الجريدة لن تسقط القيصر بنفسها – وبالمثل اليوم في المعركة التي نخوضها – فالجريدة هي وسيلة لبناء منظمة حقيقية.. حركة يجب أن تكون خارج نطاق الويب والتعليقات المتوالية وجدالات الفيس بوك.

وقد رأينا كيف أن الطبقات الحاكمة لن تضمن حرية استخدام الإنترنت أو الهواتف المحمولة؛ ففى الربيع العربي على سبيل المثال، أغلق الديكتاتور المصري الإنترنت تماما، والحكومة الصينية مشهورة برقابتها على الإنترنت، وهنا في الولايات المتحدة نحن لسنا قلقين أن تُغلق جريدة “العامل الاشتراكي”، لكن الدولة مستعدة بشكل واضح أن تفرض رقابة على الإنترنت، ولن تكون تلك هي المرة الأولى التي تستخدم الدولة قوتها لمنع الثوار من إيصال رسائلهم.

باختصار؛ الثورة ليست مضمونة، فالعديد من القوى تتنافس للتأثير على أفكار الطبقة العاملة، ومن أجل بناء حركة ثورية ناجحة فإن الثوار لابد أن يكونوا منظمين لتقديم أفكارهم وتنظيم الناس في قوة سياسية متماسكة، والجريدة هي أداة لمقاومة الأفكار الأخرى وتحفيز العمل وتنظيمه على هيئه قوة فعالة.

والطريقة التي تبدو عليها الصحيفة، والكيفية التي تُكبت بها، وكيفية تُقرأ الأفكار، وكيف يستقبلها الناس.. كل يتغير على مدار الزمن، فليس هناك طريقة واحدة لإصدار الجريدة الثورية لكل الأوقات، فنفس الجريدة سوف تصدر وتُقرأ بطريقة مختلفه وفقا للحظة السياسية التي نعيش فيها. ومع ذلك تُعد الجريدة أداة حاسمة لبناء منظمة سياسية ثورية جماهيرية، وهذا هو المطلوب بشكل ملح لوضع حد لكل شيء من تدمير الكوكب، إلى الحروب، إلى الظلم وقسوة الاستغلال.. وبناء أسس هذه المنظمه يبدأ اليوم.

الخطاب الذي اعتمد عليه هذا المقال ظهر لأول مرة بعنوان “عالم أفضل شيء ممكن”.

المقال باللغة الإنجليزية هنا