عرض كتاب:
الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية – لينين

المقال منشور لأول مرة في 2 ديسمبر 2008 بجريدة العامل الاشتراكي الأمريكية
كتب لينين “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” في عام 1916 في وسط مذبحة الحرب العالمية الأولى.كان كتيباً بمثابة مداخلة في النقاش السياسي الحاد الذي مزق الحركة الاشتراكية الأممية في بداية الحرب، وخلال دعم ما يقرب من كل الأحزاب الاشتراكية في أوروبا لحكومتها في النزاع.
عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى عام 1914، صوّت الاشتراكيون في البرلمان الألماني بالإجماع على تمويل الحرب، بحجة أن عليهم الدفاع عن الحضارة ضد استبداد القيصر الروسي. وفي هذه الأثناء، قال الاشتراكيون الفرنسيون أن عليهم الدفاع عن فرنسا الثورية ضد النزعة العسكرية البروسية، وهكذا، في جميع الدول الأوربية.
لكن حزب لينين البلشفي في روسيا كان أحد المنظمات الاشتراكية القليلة التي حافظت علي المعارضة المبدئية لحكومتها. يقول لينين أن الحرب كانت صراعا إمبرياليا حيث تتنازع جميع الأطراف للاستيلاء على مزيد من الأراضي وتوسيع نطاق سلطاتها ونفوذها أو على الأقل التمسك بمستعمراتها التي لم يكن لديهم الحق في المقام الأول للاستيلاء عليها.
وكان هدف لينين الرئيسي في الكتيب هو إظهار أن التوسع والتنافس الاستعماريين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تعود جذوره إلي التغييرات العميقة في طبيعة الرأسمالية خلال نفس الفترة. هذا هو السبب في تسميته للإمبريالية في بداية القرن العشرين مرحلة الرأسمالية.
لم يدعي لينين أنه لم تتواجد الإمبريالية قبل أواخر القرن التاسع عشر. فقد أشار بشكل واضح أن “السياسة الاستعمارية والإمبريالية كانت متواجدة قبل المرحلة الأخيرة للرأسمالية، وحتى قبل الرأسمالية. فروما تأسست على الرق، وانتهجت سياسة استعمارية وامبريالية “. لكن لينين أضاف:
“الجدل العام حول الإمبريالية الذي يتجاهل، أو يضع في اعتباره الفروق الأساسية بين النظم الاجتماعية والاقتصادية، سيتحول حتما إلى تفاهات فارغة تماما، أو إلى مقارنات مبالغ فيها مثل “روما الكبرى وبريطانيا الكبرى”.
حتى السياسة الاستعمارية الرأسمالية في مراحلها السابقة تختلف جوهرياً عن السياسة الاستعمارية لرأس المال التمويلي. ما كان لينين يحاول شرحه هو الشكل الفتاك للإمبريالية الذي بدأ في الظهور في أواخر القرن التاسع عشر، مما أدى إلى التدافع إلى أفريقيا منذ 1880، والتوترات المتزايدة بين القوى الكبرى التي أدت في النهاية إلى الحرب العالمية. وقد وصف لينين الإمبريالية الجديدة بأنها مرحلة من مراحل الرأسمالية حيث أنها في الأساس تمثل ظاهرة اقتصادية.
ووفقا لينين، فإن التعريف المناسب للإمبريالية الحديثة يجب أن يُبنى علي “خمسة سمات أساسية”:
1- تركيز الإنتاج ورأس المال ليصل إلى هذه المرحلة العالية أدت إلى خلق احتكارات، والتي تلعب دوراً حاسماً في الحياة الاقتصادية.
2- اندماج رأس المال البنكي و رأس المال الصناعي، وتكوين أرستقراطية مالية على أساس رأس المال التمويلي.
3- تصدير رأسمال، الذي أصبح في غاية الأهمية، والذي يتميز عن تصدير السلع.
4- تشكيل الاحتكارات الرأسمالية الدولية، والتي تقتسم العالم فيما بينها.
5- الانتهاء من التقسيم الإقليمي للعالم أجمع بين القوى الرأسمالية الكبرى.
إن السمات الأساسية التي حددها لينين يجب التعامل معها بحرص، فإذا نظرنا سنجد هناك بعض من هذه السمات الأساسية أكثر اهمية من غيرها. على سبيل المثال اندماج رأس المال البنكي ورأس المال الصناعي بالتأكيد يمثل جانباً هاماً من جوانب الرأسمالية الألمانية في أوائل القرن العشرين، ولكنه كان أقل تطوراً بكثير في بعض البلدان مثل بريطانيا.
كما أنه ليس صحيح أن كل القوى الرأسمالية الكبرى قد أصبحت مصدرة لرأس المال فقط – فعلى سبيل المثال بينما كان يكتب لينين هذا الكتيب كانت هناك المزيد من الاستثمارات تتدفق للولايات المتحدة واليابان أكثر من الصادر. لكن لينين كان واضحاً في أن أهم سمة من سمات الإمبريالية كانت السمة الأولى. وأضاف “إن كان من الضروري تحديد تعريف أقصر للإمبريالية علينا أن نقول أن الإمبريالية هي المرحلة الاحتكارية للرأسمالية”.
وكانت حجة لينين أن الخصومات والحروب بين القوى الرأسمالية كانت متأصلة في واحدة من ملامح الرأسمالية الأساسية: الرغبة في توجيه رأس المال ليصبح أكثر مركزية. وبعبارة أخرى، لكي تستطيع الشركات الرأسمالية المهيمنة احتكار أو شبه احتكار قطاعات محددة من الاقتصاد الوطني.
كتب لينين “الإمبريالية”، بعد قراءة – وكتابة مقدمة للإمبريالية والاقتصاد العالمي لنيكولاي بوخارين، وأنه من الواضح أنه وضع رؤية بوخارين للديناميكية الأساسية للإمبريالية في الاعتبار أثناء كتابته للكتيب.
وفقا لبوخارين، الإمبريالية هي نتيجة لاتجاهين متضاربين في الرأسمالية الحديثة. المنافسة تميل إلى تركيز وتمركز رأس المال، ومع تطور هذه العملية يزداد دور الدولة في إدارة الاقتصاد. وقد كان بوخارين مؤمناً بأن هناك اتجاه لدمج رأس المال والدولة على المستوى الوطني لتشكيل ما سماه “ثقة الدولة الرأسمالية”. ولكن في الوقت نفسه، هناك ميل للتجارة والإنتاج والاستثمار للخروج من الحدود الوطنية، والتنظيم لتصبح على نطاق عالمي.
جادل بوخارين أنه نتيجة لهاتين العمليتين المتناقضتين والمنافسة الاقتصادية التي تميل بشكل متزايد لاتخاذ شكل من أشكال المنافسة الجيوسياسية. وبعبارة أخرى، المنافسة الاقتصادية تظهر في شكل تنافس سياسي وعسكري بين الدول للسيطرة علي المستعمرات.
في تعليق خاص، أكد الرئيس الأميركي وودرو ويلسون تحليل لينين وبوخارين قائلا:
“بما أن التجارة تتجاهل الحدود المحلية، والشركة المصنعة تصر على وجود العالم كسوق، فإن علم أمته يجب أن يتبعه، ويجب فتح أبواب الأمم الموصدة أمامه باستمرار.
علي وزراء دولة حماية الامتيازات التي حصلنا عليها من قبل الممولين، حتي وإن تجاهلنا سيادة الدول المعارضة للعملية. يجب الحصول على مستعمرات، حتى لا يكون هناك أي ركن يمكن الاستفادة منه في العالم متروك أو غير مستخدم”.
وكان أحد الأهداف الرئيسية للينين الماركسي الألماني كارل كاوتسكي، الذي جادل بأن بسبب تداخل الاقتصاد العالمي، فقد أصبحت الحرب أمراً غير منطقي من وجهة نظر الطبقة الرأسمالية. وفقا لكاوتسكي، “الحرب العالمية بين القوى الإمبريالية العظمى ستسفر عن اتحاد القوى، التي تنبذ سباق التسلح”. وأطلق كاوتسكي على هذه المرحلة: “ما بعد الإمبريالية”، ورأى أن تشكيل الأمم المتحدة في نهاية الحرب هو جزء من التحول إلى ما بعد الإمبريالية ونظام عالمي أكثر سلاماً.
لكن الأمم المتحدة والتي سماها لينين “مطبخ اللصوص”، لم تكن قادره على حل الخلافات الحادة بين القوى الإمبريالية الكبرى. وعلى مدار جيل كامل اجتاحت العالم حرباً أكثر همجية، واتضح أن رؤية كاوتسكي عن رأسمالية أكثر سلمية وهماً. وعلى النقيض من ذلك، استطاعت نظرية لينين أن تشرح تطور الرأسمالية في النصف الأول من القرن العشرين، والسبب في أن القوى الكبرى الرأسمالية أغرقت العالم في حربين عالميتين كارثيتين وهمجيتين.
بعد الحرب العالمية الثانية، تغيرت بنية السياسة العالمية بشكل كبير. فقبل الحرب، كان العالم اقتصادياً وسياسياً متعدد الأقطاب، أما بعدها فقد ظل العالم اقتصادياً متعدد الأقطاب، ولكن أصبح من الناحية السياسية بين القطبين – مع تشكيل حلفين متنافسين عسكرياً، واحد تهيمن عليه الولايات المتحدة، والآخر مهيمن عليه من قبل الاتحاد السوفياتي.
استمرت روح الحروب في الأجواء، والقوى العظمى تشارك في سباق تسلح واسع، ولكن لم يكن هناك أي حرب بينهما، وذلك لأن خطر التصعيد النووي جعلهم أكثر حذراً. لكن مع انهيار الكتلة السوفياتية في نهاية الثمانينات، تغيرت بنية النظام العالمي مرة أخرى. برزت الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، والتي أبدت استعدادها علي نحو متزايد لاستخدام تفوقها العسكري الهائل للحفاظ على مكانتها وهيمنتها، ومنع ظهور منافسين في أي مكان في العالم.
لكن في أعقاب الغزو الكارثي للعراق الذي شنته إدارة بوش، فإن المحللين قلقين من انحدار هيمنة الولايات المتحدة. وقد أفاد تقرير من المجلس الوطني للاستخبارات الأميركية الشهر الماضي يحذر من أن الولايات المتحدة تواجه منافسة اقتصادية متزايدة من القوى الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل، ومن أن العشرين عاماً المقبلة ستكون “محفوفة بالمخاطر”، بما في ذلك احتمال تصاعد للصراع علي الموارد النادرة في عالم متعدد الأقطاب.
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، مازال النظام الرأسمالي العالمي يعمل وفقاً لمنطق التنافس الإمبريالي والذي شرحه لينين لأول مرة مما يقرب من مائة سنة مضت.