بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الماركسية والإرهاب الفردي

يقف حزب التجمع وجريدته “الأهالي” في تحالف علني مع الدولة في مواجهتها المسلحة مع الإرهاب. فهذا الحزب وهذه الجريدة يرون أن إرهاب الإسلاميين هو السبب في العنف الذي يشهده المجتمع المصري وأن الطريق الوحيد لوقف العنف هو القضاء على هذه الحركة الإسلامية “الظلامية”. وإذا كانت الجماعات الإسلامية تستخدم العنف الدموي والإرهاب لتنفيذ مخططاتها فماذا أمام الدولة إلا المواجهة المسلحة معهم.

وعلى أساس هذا المنطق يؤيد حزب التجمع وجريدته الأهالي “أبطال” الشرطة المصرية في مواجهتهم الباسلة ضد “القوى الظلامية”. وحتى الأحزاب والاتجاهات الأقل تواطئا مع السلطة فهي ترى أن المواجهة بين قوتين مسلحتين: الجماعات الإسلامية والشرطة وأنه يجب توقف العنف من الجانبين.

وهذه المواقف كلها تتعارض كليا مع الرؤية الاشتراكية الثورية للمسألة. فلا يمكن على الإطلاق وضع الإرهاب الذي يقوم به نظام ديكتاتوري مثل نظام مبارك على قدم المساواة مع إرهاب المعارضة الإسلامية ضد النظام. فالمسالة بالنسبة للنظام الحاكم هي ببساطة مسالة تقنيات بوليسية سواء جهز هذا النظام جرائمه من خلال المحاكم المدنية، أو العسكرية، أو من خلال الكمائن الأمنية والاغتيالات. أما بالنسبة لجماعات المعارضة فان إرهابها يستدعي تركيز كل الجهود والإمكانيات للتحضير للعملية الإرهابية مع المعرفة المسبقة بان استتباعات ذلك سواء كانت العملية ناجحة أم لا، ستكون خسارتهم للعشرات من افضل الكوادر.

أن المقارنات التي نقرأها في الصحف كل يوم بين عدد شهداء الشرطة في مقابل عدد “قتلى” الجماعات الإسلامية عملية لا معنى لها على الإطلاق. فعملية استبدال الأفراد المفقودين من جهاز قمع الدولة تختلف نوعيا عن إمكانية استبدال كوادر مدربة لحركة معرضة محظورة مثل الجماعات الإسلامية، وحتى لو كان عدد قتلى الشرطة أضعاف قلى الجماعات، فالخاسر دائما في هذه العملية هو الجماعات الإسلامية وليس الدولة.

أن الوقوف ضد العنف بشكل عام ومساواة عنف الدولة بعنف الجماعات ليس إلا تبريرا ضمنيا لقمع الدولة وتضامنا مباشرا مع الشرطة في حملتها الوحشية لتصفية تلك الجماعات.

الموقف من أجهزة قمع الدولة
لا تشكل الشرطة بالنسبة للماركسيين مؤسسة محايدة تحافظ على المن العام ولها دور وطني مستقل، فالشرطة تمثل مع الجيش التنظيم القمعي للدولة البرجوازية. والدور الأساسي الذي يلعبه ذلك التنظيم هو القهر البرجوازي للطبقة العاملة- قهر ملايين العمال من اجل حفنة من الأغنياء.

أن الشرطة كجهاز قمعي لا تستطيع أن تخدم إلا مصالح البرجوازية وهي بأن تحمي تلك الصالح ضد الطبقة العاملة أو أي تهديد آخر وهكذا فان الشرطة، بالتعريف، ليست إلا عدوا لدودا للطبقة العاملة.

ويبرر الذين يتحالفون مع الشرطة هذه الأيام موقفهم على أساس أن الجماعات الإسلامية هي حركة فاشية، تمثل تهديدا اكبر لليسار والطبقة العاملة. ولكن، وحتى لو افترضنا أن الحركة الإسلامية هي حركة فاشية، وهو افتراض لا أساس له من الصحة، فمنطق الجبهة المتحدة في محاربة الفاشية هو بالتحالف مع الأحزاب العمالية وتوحيد صفوف الحركة العمالية ضد خطر الفاشية ولا يكون أبدا منطق تحالف مع الدولة البرجوازية وأجهزتها القمعية.

ولا يمثل التأييد العلني أو الضمني للدولة البرجوازية في حملاتها القمعية إلا خيانة تاريخية للطبقة العاملة وجريمة لا تقل بشاعة عن تلك التي قامت لا تقل بشاعة عن تلك التي قامت بها الحركة الشيوعية حين حلت نفسها عام 1965. ويبدو أن لم تتعلم من أخطائها أبدا، ولن تتخلص أبدا من مرض تذيّل البرجوازية، أي برجوازية.

لماذا نرفض الإرهاب الفردي
يظهر الإرهاب الفردي المعادي للدولة كظاهرة هامة على الساحة السياسية عندما يتعدى القمع السياسي حدودا معينة، أي أن الذي يفجر ذلك النوع من النشاط السياسي ليس مؤامرات أجنبية تستهدف “هز الاستقرار” في مصر بل هي أفعال الجهاز القمعي للدولة نفسها هي التي تولد الإرهاب الفردي. فالقمع المخيف للنشاط السياسي والتعذيب والقتل والإعتقالات الضخمة بدون محاكمات كلها تؤدي إلى حالة من اليأس والرغبة في الانتقام لدى جماعات من شباب البرجوازية الصغيرة. الانتقام من رجال الأمن المتوحشين، والانتقام من الدوائر الحاكمة التي تحركهم. ومع صعوبة العمل السياسي والجو القمعي العام يصبح الإرهاب الفردي مخرجا ويتحول إلى الوسيلة السياسية الأساسية لتلك الحركات البرجوازية الصغيرة.

ويستدعي العمل الإرهابي درجة عالية من تركيز كل الطاقات باتجاه “اللحظة الحاسمة” لحظة تنفيذ المخطط، وإفراط شديد في تقدير البطولة الفردية، خاصة في العمليات الانتحارية. وأخيرا يأخذ العمل الإرهابي شكلا تأمريا مغلقا تماما. وهذا كله يؤدي إلى استبعاد كلي لأي عمل أو نشاط تحريضي أو تنظيمي في صفوف الجماهير، وهذا يؤكد على الطبيعة النخبوية للتنظيمات الإرهابية، فهي تحتقر الجماهير سياسيا، أي لا ترى لهم دورا مؤثرا في التغيير، وتعتبر تلك التنظيمات نفسها بديلا للجماهير أو تعبيرا عنها.

وهناك علاقة وثيقة بين الوسائل والأهداف في العمل السياسي، فالتنظيمات التي تتبع وسائل نخبوية مستبعدة للعمل الجماهيري تكون أهدافها أيضا نخبوية، فهي تريد استبدال قمة الهرم بقمة جديدة ولكنها لا تريد أبدا قلب الهرم بشكل جذري. ينطبق هذا على التنظيمات الإرهابية “اليمينية” مثل الجماعات الإسلامية في مصر، أو تلك “اليسارية” مثل منظمة “الدرب الساطع” في بيرو. الأولى تريد استبدال “الرئاسة” “بالإمامة”، والثانية استبدال “الرئاسة” “بالحزب”، والاثنان يريدان استخدام الدولة البرجوازية لتنفيذ سياسات تخدم البرجوازية الصغيرة ولا يريدان تحطيم تلك الدولة.

إن الذين يحاولون اغتيال الرئيس من اجل التغيير والذين يحاولون الوصول لمنصبه من خلال الانتخابات من اجل التغيير في انهم يبالغون في تقدير ذلك الرئيس سواء لشخصيته أو لمنصبه. فالنظام الرأسمالي بالنسبة لهم يختفي أو يتراجع ويبقى فقط الفرد ذو السلطة.

ويتحدد تأثير المحاولات الإرهابية الفردية على استقرار الدوائر الحاكمة وفق الظروف السياسية للحظة، ولكن حتى لو أدت العمليات الإرهابية إلى حالة زعزعة للاستقرار وارتباك في الحكم فان هذا الوضع لا يستمر إلا لوقت قصير. فالدولة البرجوازية لا تعتمد على الرؤساء والوزراء فحسب ولا يمكن تدميرها من خلال قتلهم. إن الطبقات التي تخدمها الدولة ستجد دائما رجالا جدد وسيظل النظام متماسكا.

أما التخبط الذي تحدثه العمليات الإرهابية في صفوف الجماهير فهي اعمق كثيرا واكثر خطورة. فإذا كان المسدس كافيا لتغيير النظام فلماذا الاستمرار في النضال الطبقي؟ وإذا كان من الممكن التخلص من العدو خلال رصاصة في رأسه، فماذا يفيد التنظيم الطبقي أو الحزب؟

أن الإرهاب الفردي مرفوض لنا كماركسيين لأنه يقلل من شأن ودور الجماهير في وعيهم ويجعل الجماهير تتقبل فكرة عجزها ويوجه آمالها تجاه ذلك البطل والمحرر الذي سيأتي يوما وينجز مهمة التخلص من النظام نيابة عنها. أن موقفنا من “وسيلة” الإرهاب الفردي لا تنفصل أبدا عن موقفنا من أهداف الجماعات التي تتبنى هذه الوسيلة، فهم بالضرورة يستهدفون شكل من الدولة الاستبدادية المعادية لمصالح الطبقة العاملة وهي دولة لن تختلف جوهريا عن الشكل الديكتاتوري الذي نعيشه الآن. ولكن هذا لا يعني انه من الممكن أن نساوي بين النظام وقمعه، وبين الجماعات وإرهابها الفردي. فالعدو الرئيسي للطبقة العاملة المصرية هو البرجوازية ودولتها، وحتى لو كانت تلك الجماعات الإسلامية رجعية وظلامية فهذا لا يبرر أبدا التحالف مع الدولة أو اخذ مواقف سلبية من أجهزتها القمعية. أن التغيير الحقيقي لن يأتي من خلال الإرهاب ضد الدولة ولا من خلال الانتخابات ومجلس الشعب، هذا التغيير سيأتي عندما تتحرك الطبقة العاملة المصرية ويتحرك ورائها الفلاحين الفقراء للتخلص، ليس من هذا المسئول أو ذاك، ولكن للتخلص من النظام الرأسمالي الذي يولد مثل هؤلاء السفاحين.