بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أ ب اشتراكية: الانتفاضة الشعبية

 أدى اشتعال ثورات الشوب العربية، إلى طرح "التغيير بالجماهير" كأمر واقع وممكن امام المواعم الهشة للقوى الناعمة. في الوقت نفسه الذي مثّل بن لادن، بعد فترة ركود، لانهيار فكرة التغيير بالإرهاب الفردي، في حين فشلت الفصائل الفسطينية، على حالتها، في اخذ دفعة من تلك الثورات العربية، وهي التي كانت بؤرة إشعال الثورة من قبل.

في المجتمع الرأسمالي، تمتلك الطبقة الحاكمة، ، كل الوسائل والإمكانيات الضخمة التي تجعلها في موقف القوي المسيطر، في مقابلها طبقة الجماهير من العمال(البروليتاريا) والفلاحين وصغار الجنود، وهؤلاء في الواقع، حتى وإن لم يشعروا بقوتهم، يمتلكون قوة حقيقية فهم المنتجين الحقيقيين في المصنع والحقل، وهم الجنود في الشرطة والجيش، فما إن يصل الاضطهاد والاستغلال إلى حد معين، حتى تتفجر طاقات نضالية، لا يتوقعها أحد، وكلما تصاعد نضالهم، زادت ثقتهم بأنفسهم، وزادت قدرتهم على التنظيم. بين هؤلاء وهؤلاء فئات وسطى لم تستطع تحقيق طموحها في بلوغ الطبقة الأعلى، وتخشى كل ما تخشى من السقوط إلى الطبقة الأدنى. وحين تشتد أزمة النظام الرأسمالي، تصبح تلك الفئات غير قادرة على التحمل، لكنها تظل على حالة عدم ثقتها وتخوفها من الطبقات الشعبية،

من هنا ينبع سبب تبنيها تكتيكات الإرهاب الفردي وحرب العصابات، وكذلك الانقلابات. فكل تلك الوسائل تنطوي على استبدال نفسها بالجماهير، وانعزالها عنهم، وهي في أحيان كثيرة تستطيع تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، تحظى بترحيب وتأييد من الجماهير، لكن تلك النجاحات والتجارب، التي لا تـُجذر، سرعان ما تفقد القدرة على المواجهة، ولا تجد سندا لها بين الجماهير، التي انعزلت عنها، واكتفت بدورها في التهليل.

الأنظمة الحاكمة هي دائما المستفيدة من تلك التكتيات، فأيا كانت درجة الخسائر التي تتكبدها، هي دائما في موقع القوة البشرية والمادية، وهي دائما تستند إلى "شرعيةما" لكونها قوة منظمة تسيطر على المؤسسات التشريعية والإعلامية، في مقابل الجماعات المناضلة، التي بالضرورة لا تستطيع مجاراتها من حيث العدد والإمكانيات، وبالتالي تنتهي المسألة إن آجلا أو عاجلا، إلى القضاء على المقاومة، وفي أحسن الأحوال إلى تحجيمها وعزلها واستنزافها. بينما تجد الطبقات الحاكمة في ذلك فرصة لممارسة المزيد والمزيد من القمع، خاصة عندما يسقط في بعض العمليات، ضحايا من المدنيين، والأمثلة على ذلك نشاط معظم الأنظمة العربية في قمع المعارضة في إطار قمعها للجماعات الإسلامية المسلحة في التسعينيات.

من ناحية أخرى فإن احتراف مجموعات معينة للقتال، وارتباطها بمصادر دعم وتمويل، يجعلها من ناحية تنحرف عن قضيتها ومبدئها، خاصة في فترات الجذر والتراجع، وهو ما يدفعها لتبني مواقف انتهازية، حفاظا على علاقتها بالأنظمة الراعية، بل يتردى الأمر في بعض الأحيان إلى القيام "بمهام" خاصة لصالح رؤوس تلك الأنظمة، المثال الأقرب لذلك هو منظمة التحرير الفلسطينية. كان نظام عبد الناصر، لكونه ينتمي للطبقة الوسطى، لا يميل البتة إلى تجذير النضال الجماهيري، وإنما كان حريصا عل استخدام طاقة الجماهير وبقاءها تحت سيطرته، ومن هنا كانت سياسته في مقاومة الاستعمار، فقد كان لا يثق إلا في الجيش النظامي، ولكون الظروف الموضوعية لم تكن تسمح بذلك، كان لجوءه إلى دعم المنظمات الفلسطينية المسلحة ضمانا إحداث توتر محسوب، يستطيع بواسطته الضغط على الاستعمار، دون أن يدخل في مواجهة مفتوحة مباشرة، أو أن ينفلت عقال تلك الجماعات المسلحة من سيطرته.

وهكذا أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية بفصائلها تخضع دوما لوصاية، بل ونزوات، النظم العربية، من خارجها، ولسيطرة عرفات وحاشيته من داخلها، كون المناضلين غير قادرين على الاستغناء عن شريان التمويل. وبالتالي كانت منظمة التحرير تتخذ مواقف لصالح أنظمة تستغلها لتحقيق شرعية للبقاء، فتفقد تعاطف ودعم الشعوب لها.

هناك أمثلة تاريخية كثيرة منها حركة"إيتا" في إسبانيا، وموجة "الجيفارية"، مما لا يتسع له المقامة.

الثورات العربية لا تطرح النضال الجماهيري كبديل لمقاومة الطبقات الحاكمة فحسب بل ايضا في مواجهة الاستعمار. وقد شهدت المقاومة الفلسطينية محطات كادت أن تتحول إلى انتفاضة شعبية مسلحة، وشهدت مصر في حرب السويس نموذج للمقاومة الشعبية-محدودة الأمد-في المقابل، كما يروي شهود عيان انتفاضة شباب الاسكندرية ضد الشرطة العسكرية المصرية في 1946.

لعل أشهر الأمثلة لانتصار الحرب الشعبية، هو حرب فييتنام، فبرغم الخسائر الضخمة، استطاع الشعب الفييتنامي أن يهزم الأسطورة الأمريكية شر هزيمة، ليس على جبهة القتال فحسب، بل وفي خلق جبهة تضامن وضغط عالمية، وفي الولايات المتحدة نفسها.