الاشتراكية والفلاحون
تحظى «المسألة الفلاحية» بأهمية كبرى في مصر. ذلك أن هذا البلد تعيش به فئة شديدة الاتساع من الذين يحصلون على قوتهم عن طريق فلاحة الأرض بشكل أو بآخر. وأي حركة سياسية تسعى إلى «التغيير» لابد لها أن تحدد موقفا من هؤلاء ومن دورهم في عملية التغيير وعلاقتهم بنتائجها.
الفلاحون ليسوا طبقة بالمعنى الدقيق، بل هم طيف طبقي واسع يبدأ بالبرجوازية الزراعية وينتهي بالفلاحين الفقراء والمعدمين. فمن يفلح الأرض ربما يكون مالكا لأفدنة كثيرة، ولديه عمال دائمين أو موسميين، ولديه أيضا آلات ووسائل نقل. لكنه كذلك ربما يكون معدما لا يمتلك من الثروة شيئا، ومن هنا فهو مضطر لبيع قوة عمله لفلاح غني حتى يتمكن من إقامة أوده.
دخول الرأسمالية إلى الريف – بطريقة أو بأخرى – يؤثر بشكل هائل على طبقة الفلاحين القديمة ويؤدي إلى تحولها إلى فلاحين محدثين مرتبطين بالسوق وبالعلاقات النقدية. والعادة – في البلدان الأكثر تأخرا من الناحية الاقتصادية – أن يحدث هذا في صورة فرز للفلاحين ما بين أغنياء يسيرون صوب الشكل الرأسمالي الكامل، وفقراء يقتربون حثيثا من أوضاع الطبقة العاملة.
لكن التطورات التاريخية الفعلية أثبتت أن عملية الفرز هذه عملية طويلة جدا وتأخذ مسارات معقدة، بل وأحيانا تتراجع. من هنا فإن الفلاحين لا زالوا موجودين – كفئة واسعة وأساسية – في العديد من البلدان الرأسمالية الأكثر تأخرا، ومنها مصر. صحيح أن الاستقطاب بين فقرائهم وأغنيائهم يتزايد، لكن أيضا هناك من العوامل – مثلا التشبث بملكية الأرض – التي تقربهم من بعضهم وتجعلهم يبدون ككتلة واحدة عصية على التفكيك.
السياسة الاشتراكية إزاء المسألة الفلاحية، أي إزاء أغلبية سكان الريف، تقوم على التمييز السياسي بين أغنياء الفلاحين وفقرائهم. الهدف الاشتراكي هو جذب الفلاحين الفقراء إلى فلك السياسة الاشتراكية والحل العمالي الثوري، بانتزاعهم من أيدي الأحزاب والساسة والقوة والقيادات البرجوازية المحلية التي تحاول جرهم – كأكياس البطاطس – وراء المصالح البرجوازية في الريف.
ولتحقيق هذه السياسة، لابد من الانطلاق من النضال العملي. فبعد نقد النزعات التملكية لدى الفلاح الصغير، لابد من مؤازرته سياسيا – بشتى الطرق – في نضاله ضد نهب الدولة والمالك الكبير والرأسمالي له. وعمليا هذا يعني الوقوف بجانبه في نضالاته من أجل تخفيض الضرائب، ومن أجل وقف نهب البنوك والمرابين له، ومن أجل دعمه على كل المستويات، وذلك على حساب المالك الكبير والفلاح الغني الذي يستأثر – في الواقع – بكل الدعم القادم من الدولة.
هنا في مصر، وبالرغم من كل التطور والتحديث، لا شك أن مصير النضال السياسي الاشتراكي، بل مصير أي نضال جذري، مرتبط بدور الفلاحين في العملية السياسية. صحيح أن المدينة ستقود – في الأغلب – التغيير، وصحيح أنها ذات دور حاسم، لكن الطريق الذي سيسير فيه الفلاحون الفقراء سيكون له أثره الدامغ على نتيجة أي معركة قادمة.