بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الاشتراكية والرياضة وكأس العالم

ينشغل العالم طوال شهر يونيو ويوليو ببطولة كأس العالم لكرة القدم. وفي إطار البطولة نستمع للكثير من الكلام عن الرياضة كوسيلة للتقارب بين الشعوب، وعن “الروح الرياضية” وعن “اللعب النظيف”. ويعتقد الكثيرون أن كأس العالم تدور حول الترفيه وحول قيم الاجتهاد وإمكانيات النجاح للمجدين. والكثير من هذا ليس صحيحا.

فكأس العالم، وكرة القدم والرياضة عامة، عملية اقتصادية كبيرة. فالبطولة المقامة في فرنسا استلزمت أعمال إنشاء وتجديد تكلفت ما يقرب من 1.8 مليار دولار. وحجم العمليات الدعائية للرعاة الرسميون فحسب وصلت إلى 1.3 مليار دولار. وسيجلب إيراد التذاكر وحده 230 مليون دولار. ووصل سعر الإعلان لمدة 30 ثانية بين شوطي المباراة النهائية مليون فرنك فرنسي (162 ألف دولار) ترتفع إلى 1.5 مليون فرنك لو كانت فرنسا طرفا في المباراة. ومن المتوقع أن يبلغ مجموع المشاهدين 37 مليار مشاهد منهم 1.7 مليار (أكثر من ربع سكان العالم) للمباراة النهائية وحدها.

والرياضة الآن لا تقوم على التسامح والتعاون بل على التنافس، التنافس بين اللاعبين، التنافس بين الأندية، بين الشركات وبين البلدان والقوميات. ولا يبدو أن هناك من يعارض هذا التنافس، ففي النهاية فهو أصل النظام الرأسمالي. فجريدة الأيكونوميست- جريدة الرأسمالية البريطانية- تفخر بذلك “.. الرياضة ليست التسلية، الترويح، أو البهجة.. أنها التنافس.. بدون التنافس فالرياضة مجرد تمارين والرغبة في التنافس دفينة في أعماق جينات البشر.” ولكن هذا ليس صحيحا تماما.

ولكن ككل الأطر الإيديولوجية، تُقدم الرياضة ككيان منفصل عن التطور التاريخي. فالمجتمعات القديمة لم تكن تعرف الرياضة التنافسية بالشكل الذي نعرفه اليوم، ففي تلك المجتمعات كان البشر يعيشون ويتعاونون للبقاء أحيانا، وكان المجهود البدني جزء أساسي من الحياة اليومية وليس فعلا منفصلا.

وجاء ظهور الرياضة التنافسية مع نمو وتطور المجتمع الطبقي، في المجتمعات التي سيطرت فيها أقلية – عسكرية أو دينية – على فائض الإنتاج. وحتى الألعاب الأوليمبية والتي تُقدم على أنها مثل لخلود الرياضة كانت منذ بدايتها عام 776 قبل الميلاد مجالا للتدريب العسكري ولم يكن يسمح بالمشاركة فيها إلا للنبلاء، كانت مجالا لاختيار أفضل المحاربين وتدريبهم للدفاع ضد الهجمات الخارجية.

وبدلا من أن تكون الرياضة مجالا للترويح والهروب من ضغط العمل في ظل الرأسمالية نجدها وقد ارتبطت بالعناصر الأساسية للرأسمالية:
1) التنافس، أن تهزم الخصم أو أن تؤدي أفضل من الآخرين(تسجيل الأرقام القياسية).
2) التسجيل والأرقام كمحور للتقييم، فكل شئ يقاس ويقيم بالأرقام.
3) محورية التدريب، فهو العمل المضني والأشغال الشاقة للرياضة.

وقد يقال أن كبار الرياضيين أغنياء وصعدوا للقمة بفضل مجهودهم ومهارتهم. ولكن طريق هؤلاء ‘الأبطال’ للقمة ملئ بالآلاف الذين لم ينجحوا في الوصول للقمة سواء لسوء الحظ أو للإصابة أو غيرها، وانتهت بهم الرياضة في منتصف أعمارهم بدون عمل وبدون مؤهل. لا يحدثنا أحد عن أعداد الأطفال الذين حرموا من طفولتهم وتم تشويه أجسادهم للحصول على ميدالية في الجمباز أو السباحة أو غيرها. ولا يصل منهم للشهرة والثراء إلا لحفنة ضئيلة ويبقى الباقون بأجساد مشوهة وأرواح محطمة.

والمنشطات الكيميائية ليست إلا تأكيدا لمبدأ التنافس- ولا علاقة لها بأخلاق سيئة أو غير رياضية. فمادام المهم هو النجاح فلابد من الفوز، لا يهم أن تستمتع أو أن تمتع الآخرين، المهم المركز المتقدم. لك أن تتناول المنشطات طالما لا يتم فضحك، ولا يهم التدمير الذي يحدث لجسدك، فالتدمير العنيف منذ الطفولة سيحطمه في كل الأحوال.

وفي كأس العالم الحالية كشف التصوير التلفزيوني المتطور والكاميرات العديدة المنتشرة في الملعب حقيقية ‘اللعب النظيف’ و‘الأخلاق الرياضية’. لا مانع من أن تدس حذاءك في صدر منافسك أو أن ينال ‘كوعا’ في وجهه، المهم ألا يراك الحكم.

ومن ناحية أخرى فإن كأس العالم- والرياضة التنافسية ككل- تشهد صعودا هائلا في المشاعر القومية. ففوز دولة يقدم دليل على تفوقها (وتفوق سكانها) على سواهم، وعندما فاز الفريق المصري بكأس الأمم الأفريقية هذا العام صم آذاننا الحديث عن ريادة مصر وعن دورها التاريخي وعن تفوقها.

وسواء كان الحماس أفريقياً لتأييد نيجيريا أو الكاميرون أو المغرب، أو كان حماس النازيون الجدد للماكينات الألمانية التي لا تقهر (حسب تعليقات معلقينا المبهورين بكل ما هو أوروبي) فإنه يساعد على تنمية المشاعر القومية وبعث العداء بين الشعوب الذي يتجاوز أحيانا الحدود الرياضية. ففي أول كأس للعالم عام 1930 وفي المباراة النهائية في مونتفيديو عاصمة أوروجواي نجحت الدولة المضيفة في تحويل الهزيمة 0/2 إلى نصر 4/2 ليفوز بالبطولة، وبينما احتفلت المدينة ليلتها كانت الجماهير الأرجنتينية تخرب في شوارع بيونس أيريس وترجم مبنى قنصلية أوروجواي بالحجارة، وقد قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد هذا اليوم.

والمشاعر القومية هي الفرخة التي تبيض ذهبا للأنظمة والحكام والطبقات الحاكمة. فموسوليني استخدم بطولة كأس العالم في إيطاليا عام 1934 للاحتفال بنظامه الفاشي، وهتلر فعل الشيء نفسه في أولمبياد برلين عام 1936. والرئيس المصري حسني مبارك احتفى بلاعبي الكرة الفائزين بكأس الأمم الأفريقية وجاك شيراك وهلموت كول يبديان حرصهما على حضور مباريات فرق بلادهم في كأس العالم الحالية.

ولا تغيب التفرقة العنصرية عن الرياضة، فحتى 1947 كان لعب البيسبول في الدوري الأمريكي قاصرا على البيض، وفي جنوب أفريقيا قبل عامين استقال رئيس اتحاد الرجبي بعدما تكشفت أبعاد التفرقة العنصرية داخل اللعبة والتي استمرت حتى بعد انتهاء حكم الأقلية البيضاء. وفي مصر لا يتناسب عدد اللاعبون المسيحيين في ملاعب الرياضة المختلفة –وكرة القدم مثالا- مع نسبتهم لعدد السكان، ولم ينجح في تاريخ كرة القدم الحديث لاعب مسيحي في الوصول للفريق القومي إلا هاني رمزي. نفس الأمر يمكن رؤيته في منتخبات إيطاليا، ألمانيا أو إسبانيا.

كل هذا لا يعني أننا كاشتراكيين نعادي الرياضة بل على العكس. فنحن نفهم أهميتها كمهرب من العمل الرأسمالي العبودي. وعلينا قد طاقاتنا أن نقاوم النزعات القومية أو العنصرية حولها، ولكن مهمتنا لا تنتهي عند هذا الحد، فنحن نرى أن الرأسمالية والقومية والعنصرية تفسد بهجة الرياضة ومتعتها، ونرى أن تحرير الرياضة الذي سيأتي مع الاشتراكية وتحرير العمل الإنساني سيجعل منها متعة حقيقية للممارسين والمشاركين على حد سواء.