الاستراتيجية والتكتيك.. ما الفرق؟
تم نشر المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية في 14 يونيو 2011 بالموقع الإلكتروني لمجموعة الاشتراكيين الأمميين بأسكتلندا
يحدد علماء العسكرية بشكل أساسي الفارق بين الاستراتيجية والتكتيك. لكن النشطاء في الحركة الاشتراكية لابد لهم أن يدركوا الفارق بينهما كي يحركوا النضال خطوة للأمام.
يهتم التكتيك بالمعارك المنعزلة. علي سبيل المثال يستطيع العمال أن يستخدموا تكتيكات الإضراب والاحتلال وتنظيم الحد الأدنى في نضالهم من أجل رواتب أكبر في أماكن عملهم.
تشير الاستراتيجية – علي العكس – لاستخدام مزيج من التكتيكات لتحقيق هدف نهائي. بالنسبة للاشتراكيين الثوريين فإن هذا الهدف هو خلق مجتمع اشتراكي قائم علي سد الحاجات بديلاً عن المجتمع الرأسمالي القائم علي الربح.
ستستبدل الطبقة العاملة – وهي أغلبية المجتمع – الرأسماليين, حيث الشعوب هي التي تتخذ القرارات المهمة. لكن بعض النضالات تطرح أسئلة استراتيجية أوسع: كيف تؤثر هذه النضالات علي التطور السياسي العام للطبقة العاملة؟
أصر فلاديمير لينين وليون تروتسكي – اللذان قادا الثورة الروسية في عام 1917 – على التفرقة بين الاستراتيجية والتكتيك. وإجابة السؤال عن سبب إصرارهم علي إبراز هذه التفرقة تكمن في السياق السياسي الواقع في أوائل القرن العشرين في أوروبا. كانت المعركة من أجل تمثيل الطبقة العاملة قد تحدد شكلها في القرن التاسع عشر. شمل هذا انتزاع الحق في التصويت وحق التجمهر والتخلص من الرقابة وحق تكوين النقابات. فهم العديد من العمال أن هذه المعارك ستتوج بحرب طبقية شاملة ضد الرأسمالية التي تسعى لحرمانهم من حقوقهم. لكن بالنسبة لشريحة من مثقفي اليسار في مطلع القرن العشرين، فإن النضال الطبقي يتمحور حول "اشتراكيين" يفوزون بمقاعد في البرلمان.
كان قائد هذه الحركة هو الاشتراكي الألماني إدوارد برنشتاين. اقتبس برنشتاين مثال ألكساندر ميليراند – وهو اشتراكي فرنسي أصبح وزيراً في حكومة بيير ولدك-روسو الجمهورية عام 1899. وتبعاً لبرنشتاين فإن هذا يعني أن الطبقة الرأسمالية قد فشلت في الحرب من أجل إبقاء العمال خارج الحكومة. وأكمل برنشتاين مجادلاً أنه قريباً جداً ستتمكن الحكومات الاشتراكية من تمرير إصلاحات يستفيد منها العمال و "يتطور" المجتمع إلى الاشتراكية. بالنسبة لأشخاص كبرنشتاين، فإن الهدف النهائي لا يمثل كل شيء بينما الحركة هي كل شيء.
فهم ثوريون، مثل لينين وتروتسكي، أن الفوز بمقاعد في الانتخابات البرلمانية مرغوب فيه إذا كان سيرفع من وعي العمال السياسي. لكن نشاطات الاشتراكيين البرلمانية لابد وأن تكون خاضعة للمهام العامة للطبقة العاملة. لكن الاشتراكيين البرلمانيين فهموا التكتيك بطريقة مختلفة. كانوا مهتمين فقط بالفوز في المعارك المنعزلة, وهو ما جعل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يحتفط بتناقض حاد بين مجالات نشاطه المختلفة. وفي التصويت علي الحرب العالمية الأولى، استسلم أعضاء البرلمان عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لفكرة الوطنية وصوتوا لصالح الحرب، ووضعوا فكرة الإبقاء على نفوذهم داخل البرلمان قبل المصالح العامة للطبقة العاملة.
هلك الملايين لأن الاشتراكيين أخضعوا أي التزام طويل المدى لصالح الأهداف قصيرة المدي. لكن لينين وتروتسكي أخذوا الطريق المخالف.
في بداية الحرب، تطوع الملايين من العمال في أوروبا في جيوش بلادهم. لكن مشاعرهم وأفكارهم تغيرت مع اختبارهم للواقع الوحشي للحرب الساحقة. يتفاوت الوعي داخل الطبقة العاملة في أي وقت، لكن هناك دائماً هذه الأقلية التي فهمت الطبيعة الإمبريالية للحرب. فهم لينين أن هذه الأقلية لديها الإمكانية لرفع المستوى السياسي للطبقة العاملة ككل. لكن هذا يمكن أن يحدث فقط إذا أخذت هذه الأقلية شكلاً تنظيمياً في حزب ثوري. أدرك لينين أن الموقف المضاد للحرب الذي يتخذه الحزب البلشفي قد يجعله بلا شعبية وسط الجماهير في الإمبراطورية الروسية. لكن هذا له مردوده الاستراتيجي حيث ستدفع الأزمة التي ستخلقها الحرب الناس تجاه سياسات البلاشفة.
لذا فإن الاستراتيجية والتكتيك يشيران إلى تعقيدات التقريب بين أهداف الحزب الثوري من ناحية، وبين الوعي السياسي للملايين من العمال من ناحية أخري.
يجب علي التكتيكات دائماً أن تكون خاضعة للاستراتيجية العامة لتضمن أن التدخلات السياسية للاشتراكيين تتوافق مع أهدافهم الاشتراكية.