بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ما هي الثورة الدائمة؟

في بداية هذا العام نجحت الاحتجاجات والإضرابات الجماهيرية في الإطاحة بالديكتاتور “حسني مبارك”، الذي تربع على سدة الحكم في مصر لمدة ثلاثة عقود. لكننا الآن نرى الجيش وهو يهاجم المتظاهرين بعنف شديد ليستعيد السيطرة والهيمنة على ميدان التحرير ويمنع أية محاولة للاعتصام من جديد. هل يعنى هذا أن على الثورة أن تتوقف الآن لأن مبارك قد ذهب؟ هل يمكن أن يتجاوز الأمر حدود التغيرات السياسية ويصل إلى تحول اقتصادي واجتماعي؟ هل يمكننا إرساء قواعد الاشتراكية في مصرالآن؟

من المعروف أن الصناعة المصرية تحقق معدلات نمو أقل من معظم البلدان الغربية ولذلك تعتبر مصر دولة فقيرة نسبياً. والآن فقط شرع العمال في تشكيل نقاباتهم العمالية المستقلة، الأمر الذي يعني أن الطبقة العاملة المصرية لا تستطيع تحقيق الاشتراكية الآن.

وربما القراءة المتمعنة لنظرية “الثورة الدائمة” لتروتسكي تساعدنا على إدراك الإمكانيات المتاحة وسبل استمرار الثورة في مصر وفي مناطق أخرى غيرها. لقد طور تروتسكي نظريته وفقاً للخبرة التي اكتسبها خلال الثورة الروسية عام 1905، في ذلك الوقت كانت الحركة الاشتراكية الروسية منقسمة بين المناشفة والبلاشفة، ففي حين أعتقد المناشفة أن من قاد الثورة هم العناصر التقدمية من أبناء الطبقة الوسطى مثلما حدث في ثورات إنجلترا 1640 وفرنسا 1789، وعليه فأن دور العمال في هذه الثورات لا يجب ان يتعدى حدود المساندة والتأييد.

بينما جادل البلاشفة بقيادة لينين، بأن البرجوازية الروسية لم تكن قادرة على صنع الثورة لأنهم خافوا خوفاً عظيماً من قوة الطبقة العاملة ولذلك تمسكوا بالدولة القيصرية لضمان الحماية والاستقرار. ولكن حتى أبريل 1917 كان لينين لا يزال يعتقد أن مكاسب الثورة في بدايتها ستقتصر على التغييرات الديمقراطية البرجوازية والتي سوف تفتح المجال أمام العمال لتشكيل النقابات مما يتيح بالتالي الفرصة لتطوير الرأسمالية، عندئذ فقط يمكن أن يبدأ العمال النضال من أجل الاشتراكية.

وكان لتروتسكي رؤية مختلفة، فقد أتفق مع لينين في أن للعمال دوراً رئيسياً في الثورة، ولكنه كان يرى أن تحقيق الاشتراكية ممكناً في روسيا بالرغم من اقتصادها المتدهور وصغر حجم الطبقة العاملة . فروسيا لم تتبع مسار التنمية الذي انتهجته بعض الدول مثل إنجلترا على سبيل المثال، و بدلاً من ذلك تم استيراد التكنولوجيا الحديثة من أوروبا الغربية إلى المصانع الروسية، مما ساعد على خلق مناطق تمركز للطبقة العاملة، وإن كانت بالطبع صغيرة بالمقارنة مع العدد الكلي للسكان، لكنها كانت مركزة للغاية وقوية جداً ويمكنها أن تقود الثورة وان تحظى على ثقة ودعم الجماعات الآخرى، مثل الفلاحين.

قال تروتسكي أنه إذا كانت الطبقة العاملة جزء من حركة ثورية تناضل من أجل الإصلاحات الديموقراطية الأساسية، فإن الثورة لن تتوقف عند هذا الحد، وسوف يستمر العمال في النضال حتى تحقق مطالبهم الخاصة. وتجلى هذا بوضوح في عام 1905، عندما تم تشكيل مجالس العمال “السوفيتات” وكانت هذه المجالس تدار من أسفل، وهو شكل متقدم جداً من الديمقراطية.

ومع ذلك فمفهوم الثورة الدائمة لا يعني أن الثورة مستمرة إلى الأبد. الثورات تصبح دائمة في حالتيين: الأولى، انتشارها على الصعيد الدولي في مواجهة الرأسمالية العالمية، وإمكانية حدوث هذا في الواقع لم تكن حالة من التمني من جانب تروتسكي فالثورة الروسية 1917 أدت إلى إندلاع الانتفاضات الشعبية في كل من ألمانيا والمجر وغيرها من البلدان الأوروبية. تصبح الثورات دائمة أيضاً عندما تطور وتجذر التحول الاجتماعي في المجتمع وآلا يكون هذا بمعزل عن المطالب الاقتصادية والسياسية.

المجتمع المصري في عام 2011 يختلف تماماً عن المجتمع الروسي الذي كتب عنه تروتسكي في عام 1905، ولكن هناك بعض التشابه، فمصر بالنسبة إلى الرأسمالية العالمية هي أقل نمواً من الناحية الاقتصادية ولكن لديها بعض أشكال الرأسمالية المتقدمة نظراً لتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة. فهناك بعض المناطق الصناعية ذات الكثافة العمالية ولكن أيضا هناك عدد كبير من قاطني المناطق الريفية. على سبيل المثال لدى مصر مصنع ضخم للنسيج في المحلة “مصنع مصر للغزل والنسيج بالمحلة” والذي يعمل به عدد هائل من العمال مما يعني قوة اقتصادية لا يستهان بها، تماماً مثلما كان الحال في روسيا عام 1917 في مصنع “بوتيلوف” في سان بطرسبج والذي كان يعمل به عدد ضخم من العمال.

لقد لعبت الطبقة العاملة المصرية دوراً محورياً، ونجحت في دعم الثورة ودفعها للأمام خاصة عندما بدأت الاضرابات العمالية في الثامن من فبراير 2011. ومع ذلك، فإن الطبقة الحاكمة تحاول الحد من الثورة وقصر مكاسبها على الإنتخابات والتعديلات الدستورية، وذلك في محاولة لترسيخ شكل من أشكال الديموقراطية البرجوازية. لكن الثورات لا تتبع خطط وضعت وفقاُ لجدولاً زمني، فهناك خطوات إلى الوراء وقفزات إلى الأمام.

وعليه فإن نظرية تروتسكي توفر لنا دليلاً مرشداً في فهم إمكانية قيام ثورة ديمقراطية في مصر وكيفية تطورها لتصبح ثورة اشتراكية. غير إن هذا التطور لن يصبح حتمياً إلا إذا واصلت الطبقة العاملة المصرية الثورة والنضال ليس فقط على المستوي الأقليمي وإنما على الصعيد الدولي أيضاً، عندئذٍ ستصبح الثورة المصرية ثورة دائمة.

* نشر هذا المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية، في مجلة «سوشياليست ريفيو»، التي يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني، سبتمبر 2011.