سلسلة تراث ليون تروتسكي
محاربة التشويه الستاليني للاشتراكية

في الجزء الثاني من سلسلة مقالات تراث تروتسكي ،يحلل “جون مولينو” وعن كثب النضال ضد الثورة المضادة في روسيا.
بعد مرور ست سنوات على الثورة الروسية، تحديداً في عام 1923 قاد “ليون تروتسكي” النضال ضد الثورة المضادة بزعامة “جوزيف ستالين”. وبحلول عام 1927 استطاع ستالين أن يحقق نصراً حاسماً، و طرد تروتسكي من الحزب الشيوعي، ثم اقتيد عام 1928 إلى منفى داخلي في منطقة “ألما آتا” بالقرب من الحدود الصينية، وفي عام 1929 تم ترحيله نهائياً من روسيا.
كانت هناك ثلاثة قضايا رئيسية في هذا الصراع:
أولاً: ديمقراطية العمال:
حاول تروتسكي وأنصاره، المعارضة اليسارية، الدفاع عن ديمقراطية الطبقة العاملة داخل الحزب الشيوعي وفي أرجاء الدولة السوفيتية.
وعلى النقيض من ذلك، بذل ستالين قصارى جهده لتعزيز سلطة الطبقة البيروقراطية المتنامية آنذاك والتي كان يتزعمها.
ثانياً: السياسات الاقتصادية:
شدد تروتسكي على ضرورة العمل وفقاً لبرنامج تصنيعي قوي، والذي من شأنه تعزيز الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطبقة العاملة، حيث كانت الصناعة الروسية قد دمرت تماماً بسبب الحرب الأهلية الدامية التي اندلعت في السنوات الأولى للثورة دفاعاً عنها.
وكان أول ما فعله ستالين هو أنه فرض حظراً على الصناعة، ثم في عام 1928 وبعد تخلصه من المعارضة اليسارية، بدأ في تنفيذ خطة للتصنيع بسرعة قياسية عن طريق الاستغلال المكثف للعمال.
ثالثاً: الاشتراكية في بلد واحد:
رأى كل من كارل ماركس وفريدريك إنجلز، أن النضال من أجل تحقيق الاشتراكية هو نضال أممي بطبيعته.
والحزب البلشفي الذي قاد ثورة أكتوبر، أكد على إمكانية بقاء الثورة الروسية على قيد الحياة، فقط في حالة التمكن من نشر الثورة في بلدان أخرى، خاصة ألمانيا.
في عام 1924، تخلى ستالين عن هذه الفكرة لصالح سياسة بناء الاشتراكية في روسيا وحدها. بينما عارض تروتسكي وأنصاره سياسة ستالين الجديدة وأعتبروها بمثابة خيانة للماركسية والأممية.
عادة ما تصور كتب التاريخ التقليدية معركة تروتسكي مع ستالين على أنها صراع شخصي على السلطة، أو خلاف بين شخصين ذوي أمزجة وأفكار مختلفة. ولكن في الحقيقة، كان هذا صراعاً بين قوى اجتماعية مختلفة. ظهر فيه تروتسكي ممثلاً لما تبقى من سلطة العمال التي نشأت عام 1917، بينما جسد ستالين لطبقة من البيروقراطيين المشغولين بتحويل أنفسهم إلى طبقة حاكمة جديدة.
وانتصار ستالين لم يرجع إلى تفوق شخصي، أو بسب اعتماده أساليب ملتوية في الصراع، بل لأن الطبقة العاملة الروسية في ذلك الوقت كانت مستنفذة تماماً. فتمكن ستالين من إحراز النصر ببساطة لأنه كان ممثلاً للطبقة الاجتماعية الأقوى في الصراع الطبقي حينها.
إن خوض تروتسكي للنضال ضد الثورة الستالينية المضادة، وبالرغم من الهزيمة، له أهميته التاريخية الكبرى .. لقد أنقذ شرف الماركسية، وساهم في الحفاظ على جوهر الاشتراكية ومعناها السامي كمجتمع قائم على الحرية والديمقراطية والمساواة. بدلاً من أن تصبح الاشتراكية مرادفاً لمجتمع من الطغيان قائم على الديكتاتورية البيروقراطية الشمولية.
وشهدت ثلاثينيات القرن العشرين أقصى مراحل التوحش للديكتاتورية الستالينية، حيث سيق الملايين من العمال والفلاحين إلى الموت داخل معسكرات الاعتقال في سيبيريا.
وفي موسكو أقام ستالين المحاكمات الصورية المهلكة، حيث أجبر العديد من قدامى البلاشفة والذين خالفوا نظامه، على الاعتراف بارتكابهم لجرائم مثل العمالة للفاشية أو تخريب المصانع. وهكذا تلاشت تقريباُ كل الأفكار الثورية الرائدة الباقية من ثورة أكتوبر.
في عام 1936، شن تروتسكي هجوماً شديداًً على الستالينية ووجه إليها نقداً حاداً في كتابه “الثورة المغدورة”. بيّن تروتسكي في كتابه أن النظام الستاليني كان قائماً على ملكية الدولة، وليس الملكية الخاصة، ولكن استغلال العمال، كانت ظاهرة جديدة لم يتمكن تروتسكي من تحليلها، من وجهة نظري، بالقدر الكافي.
كان تروتسكي لا يزال يعتقد بأن روسيا هي “دولة عمالية”، وإن كانت وبهذا الشكل تعتبر نموذجاً فاسداً ومنحطاً للدولة العمالية، ولكن في حقيقة الأمر إن روسيا وفي ظل الستالينية كانت قد تحولت بالفعل إلى شكل جديد من أشكال الرأسمالية – رأسمالية الدولة.
وبالرغم من إعتقاد تروتسكي بأن روسيا لازالت دولة عمالية، إلا إنه رفض تماماً اعتبارها دولة اشتراكية، مؤكداً أن الستالينية لم تكن أبداً استمراراً لللينينية أو البلشفية، بل على النقيض تماماً، كانت الستالينية هي الثورة المضادة العكسية. وقال إن هناك “نهراً من الدم” بين البلشفية والستالينية، فالستالينية لم تكن هي النتيجة المنطقية أو الحتمية للماركسية أوالثورة.
وأوضح أن صعود الستالينية كان نتاجاً لعزلة الثورة الروسية وفشلها في الانتشار إلى بلدان أخرى، وأيضاً بسبب ضعف القوة العاملة الروسية في هذا الوقت.
إن تحليل تروتسكي ونقده للستالينية إنما يعد مساهمة جليلة منه للمستقبل، فإلى الآن لا زلنا في حاجة إليه، حيث يواصل حكامنا اليوم القول بأن مجريات الأمور في روسيا قدمت دليل كاف على أن الاشتراكية لا تجدي نفعاً، وإنها لا تؤدي في النهاية إلا إلى ترسيخ الاستبداد.
وفي منفاه واصل تروتسكي النضال واستمر في التأكيد على أن الثورة العمالية الأممية هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل البشرية.
—-
جريدة العامل الاشتراكي (يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني)، العدد 2234، 15 يناير 2011