بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ماهو البرنامج الثوري؟

تحتل قضية “البرنامج الثوري” مكانة خاصة بالنسبة للتروتسكية. ومع نزوع الحركة العمالية تاريخياً لتكون محصورة في حدود الطبقة المنظمة، كثيراً ما لجأت التروتسكية للبرنامج المكتوب؛ بحيث يصبح البرنامج والمبادئ النظرية أمراً واحداً.

ولأنه تم تعريف التروتسكية على أنها خلاف مع أسلوب القيادة الستالينة للحركة العمالية، بالتالي سيطرت هذه الفكرة على  ممارستها بدلاً من الاهتمام بالحوار مع الطبقة العاملة ذاتها. لذلك كان كسب الناس إلى “الأفكار التروتسكية” يطغى، سواء بشكل معلن أو في الخفاء، على كسب العمال إلى الاشتراكية الثورية.

وهذا يختلف عن تجربة لينين والبلاشفة، الذين جمعوا بين التأكيد القاطع على أهمية النضال النظري وفهم البرنامج كدليل الطبقة العاملة في النضال. تكمن أهمية تجربة البلاشفة في كونها قدمت أول خبرة تطبيقية لمفهوم الوحدة “الجدلية” بين الأهداف الثورية بشكل عام، والعمل اليومي للمقاومة والنضال.
 
لم يتوصل كل من ماركس وإنجلز لتصور نهج مماثل للبلاشفة، نظرًا لأن الرأسمالية، التي كانت حينذاك في طورها الأول، كانت لا تزال تشتمل على قدر كبير من التقدم في تطورها، وإن كانت مشوهة ومتناقضة. ومن ثم مالت الحركة الاشتراكية بالقرن التاسع عشر إلى التمييز بين برنامج “للحد الأدنى” وآخر “للحد الأقصى”، وهو الأمر الذي كان فيما بعد الأساس النظري للاستنتاج الإصلاحي الذي اعتمدته الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، في الوقت الذي دخلت الرأسمالية فيه مرحلة الانحدار.

بالطبع كانت هناك مقاومة لهذا التوجه؛ فلقد خلفت معركة روزا لوكسمبورج مع الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، ما يعد أحد أكثر النصوص الماركسية أهمية، التي كتبت حول البرنامج، إلى الآن. وكان جوهر جدال روزا في كتابها “إصلاح أم ثورة” هو أنه يجب على الثوريين توجيه نشاطهم اليومي إلى حث الطبقة العاملة  نحو الاستيلاء على السلطة السياسية. وهذا يخالف ما نادى به الإصلاحي الألماني برنشتاين، حيث كان يرى أنه من الضروري توجيه نشاط الثوريين اليومي نحو “تحسين وضع الطبقة العاملة”. ما كانت فكرة لوكسمبورج لتكون محل خلاف أو جدل، لو أن الثورة كانت واقعة بالفعل، أو على الأقل أن هناك لمحة لإمكانية اندلاعها.

ولكن ما معنى هذا في الفترات الطويلة التي تتسم نسبياً بالسلام الطبقي؟ هل يقبع الثوريون على الهامش طيلة الوقت إلى أن يحين الوقت ليتقدموا كبديل خارق بهدف إنقاذ الأمر برمته في اللحظات الأخيرة؟ هل هي مسألة  “بناء” تدريجي لدعائم وركائز الاشتراكيين في إطار الهياكل و”المساحات الديمقراطية” المتاحة في ظل الرأسمالية (هذا تحديدًا كان محور جدل الشيوعية الأوروبية)؟

تقليديًا، نسجت الحركة التروتسكية الأهداف والاستراتيجية في برنامج يتناسب مع مسألة الجبهة المتحدة، والمطالب الانتقالية والحكومة العمالية. وهنا يمكن أن يعترض البعض بحجة أن “البرنامج الانتقالي” يعد وسيلة معقدة لربط الهدف بالحركة. لكن، ربما تبدو الصياغة، التي اعتمدها لينين في بواكير الثورة الروسية، أكثر وضوحاً.
 
باختصار، تجنب لينين بوضوح أي شيء ربما يؤدي إلى ما يصبح “البرنامج كمنهج”. لكن، بدلاً من ذلك، يتم ربط البرنامج مع لغة ومنطق الدعاية والتحريض. بالنسبة للينين، تتمثل الأنشطة الاشتراكية في “إشاعة تعاليم الاشتراكية العلمية عن طريق الدعاية، ونشر فهم سليم بين العمال حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للنظام الحالي، والأساس الذي يقوم عليه وكيفيه تطوره”.

كذلك التحريض “يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدعاية”، بمعنى المشاركة “في جميع المظاهر العفوية لنضال الطبقة العاملة” و”دمج نشاطاتنا مع القضايا العملية واليومية في حياة الطبقة العاملة، ومساعدة العمال على فهم هذه القضايا، ولفت انتباههم نحو الانتهاكات الأكثر أهمية، ومساعدتهم في تحديد وصياغة مطالبهم”، وأيضًا بذل الجهد نحو “تطوير وعي العمال حول أهمية تضامنهم، ووعيهم بمصالحهم وقضيتهم المشتركة”.

لذا ينبغي أن يشير البرنامج، في أي فترة أو وفقاً لأي سياق، إلى شعارات محددة، وتكتيكات هامة إلى جانب الأولويات الملحة فيما يخص الدعاية، والتحريض وعمل الحزب الثوري:

“يجب أن يصيغ البرنامج وجهة نظرنا الأساسية؛ وتحديداً أن يضع مهامنا السياسية العاجلة؛ أن يشير أيضاً إلى مطالبنا الملحة الفورية والتي يجب أن تظهر في مجال النشاط التحريضي؛ كذلك، تأمين العمل الموحد في النشاط التحريضي، وتوسيعه وتعميقه، بحيث يتم النهوض بالتحريض على المطالب الثانوية والمعزولة إلى إجمالي المطالب الاشتراكية الديمقراطية”.

وبهذه الطريقة، ينطوي البرنامج الثوري على استراتيجية ثورية، تهدف إلى “الاستيلاء على السلطة” بواسطة الطبقة العاملة، التي لا يتطور وعيها بشكل خطي وإنما بشكل جدلي. ويقاس نجاحنا بمدى تفانينا في النضالات، وباتساع رقعة الأفكار الثورية وانتشارها بين العمال، كذلك بمدى بنمو الحزب الثوري، وفي نهاية المطاف بتوهج سلطة البروليتاريا البديلة.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية بموقع منظمة البديل الاشتراكي بأستراليا