سلسلة اضطهاد المرأة وتحررها:
من يضطهد المرأة.. الرجل أم الرأسمالية؟!

في الجزء الثاني من سلسلة مقالاتنا حول “اضطهاد وتحرر المرأة”، يوضح لنا “جو كاردويل” كيف أن رجال الطبقة العاملة ليس من مصلحتهم استمرار الممارسات القمعية والتمييز بحق المرأة. في المقال السابق، عرضت لجذور اضطهاد المرأة داخل الأسرة، وكيفية ظهور المجتمع الطبقي مما يتيح لنا فهم أعمق للأسباب التي تقف وراء وجود هذا التمييز.
إلى الآن لا يزال البعض يرى أن اضطهاد المرأة يرجع لبعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض الرجال. ويدافعون عن وجهة نظرهم تلك بقولهم: أن الرجل هو من يتفوه بالتعليقات المتحيزة ضد المرأة، الرجل هو من يقف وراء تجارة الجنس والإباحية، وهو أيضاً من يسئ معاملة المرأة وهو من يغتصبها. الرجل وليس النظام، وبهذا المنطق خلص الباحثون إلى أن المشكلة تكمن في سلوك الرجال أنفسهم، وأن النظام الطبقي برئ تماماً من تلك الإدعاءات. لكن الأمر يستحق منا أن نغوص لما هو أبعد من سطح المشكلة كي نثبر أغوار ما هو كامن بالأعماق.
من السهل للغاية القول بأن العنف هو سمة فطرية من سمات الذكور. ولكن، نحن نعلم أنه وعلى الرغم من المعدلات المرتفعة للعنف الموجه ضد المرأة، أن معظم الرجال لا يتصرفون بهذه الطريقة. عدد كبير من النساء يحظين بأصدقاء من الذكور، كما يحظين بآباء وأشقاء ممن يمقت وينبذ العنف ضد المرأة.
جميعنا يعلم أن “مارجريرت تاتشر”، عضو حزب المحافظين ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة، هي المسؤولة عن الحرب الدموية التي إندلعت في جزر “فوكلاند” في ثمانينيات القرن العشرين، كما أنها كانت من أشد المؤيدين والداعمين للإمبريالية الأمريكية. ورأينا كيف دعمت سياسيات أمريكيات من أمثال “هيلاري كلينتون” و”مادلين أولبرايت” الحروب الإستعمارية التي شنتها الإمبريالية العالمية في كل من العراق وأفغانستان.
لقد خاض ملايين الرجال حروباً وحشية ضد بعضهم البعض، وفي الواقع إن تلك الحروب هي سمة تاريخية من سمات الرأسمالية. ولكن لماذا يخوض الرجال الحروب؟ بالطبع ليس لأنهم يميلون “بالفطرة” للعنف، بل على العكس، نجد الحكومات الرأسمالية تشن حملات دعاية ضخمة جداً في سبيل إقناع رجال الطبقة العاملة بخوض الحرب. كما تحتاج إلى وقت طويل لتدريبهم على القتال، الأمر الذي يصيب عدد ضخم من الرجال بالصدمة جرّاء دفعهم لممارسة أو المشاركة في أعمال دموية وعنيفة بشكل قسري.
وواقع الأمر، حقيقة أن بعض الرجال يغتصب النساء أو أنهم لديهم أفكار تدعم التمييز الجنسي ضد المرأة، أمراً يعكس أنهم يعيشون في مجتمع يضطهد المرأة، ولا تعكس أبداً تكوينهم الذكوري الفطري، ليس هناك جذور للعنف في الشكل الفطري الذي حبت به الطبيعة الرجال دون النساء، فالطبعية ليست أكثر عنفاً من الأزمة الاقتصادية.
ومن هذا المنطلق، يرى البعض أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب العالم الآن، كان يمكن تجنبها إذا كن النساء هن من يملكن زمام الأمور. ولكن هل ستصبح الأمور أفضل إذا كان هناك المزيد من النساء مثل “كريستين لاجارد”، رئيسة صندوق النقد الدولي، على رأس النظام الرأسمالي؟ هل ستصبح الرأسمالية أقل شراسة إذا تمت إدراتها بواسطة عدد أكثر من النساء على شاكلة مستشارة ألمانيا “أنجيلا ميريكل”، المتسببة في تدمير وخفض المستوى المعيشي لملايين النساء في اليونان حالياً. بالطبع للمرأة الحق في رئاسة الدول وإدارة الشركات الكبرى، لكن ذلك لن يجعل النظام الرأسمالي أكثر لطفا وإنسانيةً.
لا شك أن حالة الركود الاقتصادي لها تأثير أكبر على عمل المرأة منها على الرجال. لكن هذا لا يمنع تأثر الرجال أيضاً بشكل حاد، فكثيراً ما يطردهم أصحاب الأعمال بكل جماعي، أو في أفضل الأحوال تخفض روابتهم، أو تسوء ظروف العمل وتتقلص الخدمات المقدمة لهم أو حتى تتلاشى تماماً. ولعل إرتفاع معدلات الإنتحار بين الذكور من شباب الطبقة العاملة أكبردليل على أنهم أيضاً ضحايا للرأسمالية. ولكن من المستفيد من تفاوت الإجور بين الرجال والنساء؟
رجال من الطبقة العاملة لا ترتفع أجورهم تلقائياً بمجرد تقليص أجور النساء. وبالنسبة لمعظم الأسر التي تعتمد على عائل وحيد لتدبير أمور المعيشة (وغالباً ما تكون أمرأة)، تدفع الأجور المنخفضة بمعظم النساء إلى الوقوع في براثن الفقر. أما بالنسبة للأسر التي تعتمد على شخصين للإعالة، فإن تدني الأجور يقلل من قوتها في الإنفاق الجماعي، وفي مثل هذه الحالات يعاني الجميع، الأطفال والرجال، وليست المرأة وحدها هي التي تعاني من عدم المساواة في الأجر بين الرجل والمرأة. وحدهم المستفيدون من هذا الوضع هم أصحاب الأعمال.
يمكننا أيضاً النظر إلى حالة التدهور والإنحطاط التي تعامل بها أجساد النساء بإعتبارها خطيئة الرجل وحده، رغم أنها نتيجة منطقية جداً في ظل نظام يحول كل شئ إلى سلعة تباع وتشترى. وربما الإنتشار الواسع للمجلات التي تهتم بحياة الرجل وأدق تفاصيلها تظهر إلى مدى تحرص وسائل الإعلام على الإستفادة من إحساس الرجال بالنقص وإنعدام ثقتهم بأنفسهم أيضاً. إن التمييز بالأساس لا يقوم على أساس النوع أو الجنس، بل يقوم على أساس الفئة أوالطبقة التي تنتمي إليها اجتماعياً. فاضطهاد المرأة يتفاوت وتختلف حدته وأشكاله باختلاف الطبقات في المجتمع الواحد.