أ ب اشتراكية: إصلاح الرأسمالية مستحيل
في سياق المنافسة التي لا تنتهي بين الرأسماليين، تتولد الأزمات الاقتصادية. هناك من يزعم أن السوق يحكمه “نظام العرض والطلب”، لكن “العرض” يتوقف على إنتاج الشركات، والتي تتهافت على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التي تحقق أعلى أرباح، و”الطلب” بالنسبة للمستثمرين ليس ما يحتاجه المجتمع، ولكن “طلب” من يملكون المال للشراء. فنجد الاستثمار في العقارات السياحية والفاخرة، مقابل النقص الشديد في الإسكان الشعبي. وصناعة مستحضرات التجميل، وليس في أدوية الكبد مثلا. وبالضرورة أيضا لا يعنيهم حقوق العمال والموظفين.
يؤدي إلى زيادة العرض عن الطلب في مثل تلك القطاعات بشكل كبير، ومن ثم تكدس البضاعة في الأسواق دون أن تجد من يشتريها نتيجة تدني الأجور، ثم إفلاس الرأسماليين وانهيار الاقتصاد بأكمله. وهذا بالضبط ما نطلق عليه “فوضى السوق” حينما تتحكم مصالح حفنة من الأغنياء في توجيه ثروة المجتمع وموارده وقراراته الاقتصادية.
وصحيح أنه في كل وحدة إنتاجية (مصنع أو شركة) توجد درجة عالية من التنظيم والتنسيق بين أقسام الإنتاج المختلفة. ففي شركة تويوتا لإنتاج السيارات مثلاً، يوجد تنسيق وتكامل عالي المستوى بين قسم إنتاج الإطارات وقسم إنتاج الهياكل، إلخ، لكن في الوقت نفسه ليس هناك أدنى درجة من التنسيق بين شركة تويوتا وشركة فورد أو بي إم دابليو مثلاً . وهذا ما يؤدي إلى تراكم مئات الآلاف من السيارات المنتجة في السوق دون أن تجد من يشتريها، فيتوقف الإنتاج وتُغلق المصانع ويتم تسريح العمال. وهذه هي الفوضى التي تؤدي بالنظام الرأسمالي العالمي إلى أزمات دورية من فيض الإنتاج ثم الركود والإفلاس.
لكن مصر تعد من البلدان المتأخرة اقتصادياً، أي التي لم تصل بعد إلى مستوى تطور اقتصادي تستطيع معه أن تدخل حلبة المنافسة في السوق العالمي. وهذا ما يضاعف المشكلة. فالمشكلة لدينا ليست في الأزمات الدورية والركود الاقتصادي فقط، بل أيضاً في الانخفاض المزمن لمستوى الاقتصاد.
هذا بالضبط ما يدفع السلطة والرأسماليين في مصر إلى اتباع سياسات اقتصادية أكثر توحشاً، حيث خصخصة المصانع ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، ورفع الدعم على السلع والخدمات، ومضاعفة معدلات الاستغلال. وكل ذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من تراكم رأس المال للوصول إلى الأسواق العالمية.
وهذا ما يفسر العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الديكتاتور مبارك بكبار رجال الأعمال في مصر. فهو الذي سن لهم القوانين التي سهلت لهم النهب والاستغلال، وفي عهده تم توجيه دعماً هائلاً إليهم في نقل البضائع وفي قيمة الضرائب على الأرباح وقيمة الجمارك على نقل المعدات والآلات من الخارج، إلخ.
لذا فقد كان مبارك هو الممثل الأفضل لمصالح الرأسماليين في مصر الذي كان يخدم تطلعاتهم في تضخيم أرباحهم واندماجهم في السوق العالمي. ولكن مع سقوط مبارك أصبح الذعر سائداً في صفوفهم حيث يشعرون بقلق بالغ حول مستقبل السلطة في مصر؛ هل ستعمل في خدمة مصالحهم كما كان يفعل مبارك أم لا؟!. أما إذا استقرت السلطة بين يدي من يحافظ على مصالح الرأسمالية المصرية، فستتحول تلك السلطة سريعاً إلى نظام مبارك آخر بنفس جوهر الاستغلال والاستبداد لكن بوجوه جديدة.
وهذا بالضبط ما نطلق عليه “إصلاح الرأسمالية”، حيث يتم استبدال نظام ديكتاتوري يقف إلى جانب رجال الأعمال ضد مصالح الفقراء، بنظام أكثر ديمقراطية (أو أقل ديكتاتورية) يقف إلى جانب نفس رجال الأعمال، وقد يمنح الفقراء بعض الفتات من الثروة الاجتماعية التي ينتجونها بأنفسهم، لكن دون القضاء على أسس الاستغلال التي تقوم عليها الرأسمالية.. والتغيير الجذري لمشكلات المجتمع لا يكمن بالتأكيد في إصلاح الرأسمالية، لكن في القضاء عليها بالثورة الاجتماعية وبناء المجتمع الجديد.