بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أسس الاقتصاد الماركسي (4- نظرية العمل في القيمة)

إن العمل ليس هو المصدر الوحيد للقيمة الاستعمالية. فالطبيعة توفر المادة الخام التي يستخدمها العمل. ولكن القيمة التبادلية (أو الأسعار) معبرًا عنها بالنقود هي من ابتكار البشر. وتبادل المنتجات يعبر عن تبادل العمل ضمنيًا. لذا فإن ماركس يرى ضرورة النظر وراء القيمة التبادلية إلى القيمة الأساسية (هكذا فإن القيمة والقيمة التبادلية لا تعبران عن نفس الشيء في رأس المال على الرغم من أنهما في كثير من الحالات عند مناقشة الموضوع قد اختلطا أو توحدا). وهذه القيمة الأساسية لا يمكن قياسها إلا ككميات من العمل المجرد. فكل سلعة تحتوي على قسم محدد من إجمالي عمل المجتمع الذي يتم المنتجات داخله. ويرى ماركس أن هذه القيمة (التي تقاس بالساعات من وقت العمل) تميل إلى تحديد السعر الذي تباع به المنتجات على المدى الطويل. فالسلعة التي تحتاج في إنتاجها إلى عمل كثير (بما في ذلك العمر الضروري لإنتاج الآلات أو أدوات العمل) تزيد تكلفتها عن السلعة التي تحتاج لعمل أقل. والحذاء المصنوع يدويًا بواسطة الحرفي يكلف أكثر من الحذاء المصنوع بطريقة الإنتاج الكبير على خط إنتاج.

ولكن العلاقة بين ما يسمى القيمة الأساسية والسعر الذي تباع به السلعة فعليًا ليست علاقة أوتوماتيكية. فما من أحد يقيس القيمة مباشرة ثم يضع سعرًا. والرأسماليون يحسبون التكلفة تقديريًا ثم يضيفون أكبر هامش ربح ممكن من الربح يعتقدون أنهم سيحصلون عليه.

وفي ظروف معينة، إذا استطاع الرأسماليون في صناعة معينة تكوين احتكار، يمكن أن تصبح لديهم القدرة على زيادة أسعار منتجاتهم فوق قيمتها (وعندما تمثل قيمة النقود التي يحصلون عليها مقابل سلعتهم حصة أكبر في عمل المجتمع من العمل المتضمن فعلاً في إنتاج سلعتهم). وهكذا إذا عدنا للمثال السابق، فإن احتكار جميع صناع الأحذية في مدينة ما وتكتلهم يمكن أن يزيد من سعر الحذاء على الأقل مؤقتًا. والمثال الحديث على ذلك هو منظمة الدول المنتجة للبترول “أوبك” خلال السبعينات (رغم أن شركات البترول أيضًا جنت أرباحًا هائلة).

وفي ظروف أخرى يمكن أن نجد فائضًا ضخمًا من سلعة ما. وقد رأينا ذلك مؤخرًا بالنسبة للقصدير (وإلى حد ما بالنسبة للبترول). فقد تم إنتاج كمية كبيرة من القصدير حتى انهارت أسعاره في عدة بلاد مثل بوليفيا.

ولكن ماركس أشار إلى نقطتين هامتين في هذا السياق:

الأولى: أنه إذا بيعت سلعة ما بسعر أعلى من قيمتها الحقيقية، فإن هذا يعني أن سلعة أخرى تباع بأسعار أقل من قيمتها. فإذا نحينا جانبًا التضخم الناتج من زيادة طبع النقود – والذي يعني أن أسعار جميع السلع تتجه إلى الزيادة – فإذا أنفقت كمية من نقود أكثر على سلعة ما، فإن النقود المتوافرة لإنفاقها على سلع أخرى ستنخفض، ولكن في المجمل يمثل مجموع الأسعار مجموع قيمة السلع (حتى وإن اختلفت الأسعار والقيم في حالات معينة).

وبناء عليه، يمكن لأحد الرأسماليين أو مجموعة منهم، أحيانًا أن يحققوا مكاسب على حساب الآخرين بزيادة أسعارهم أو بشراء المواد الخام بأسعار أقل من قيمتها. وهكذا فإن الأرباح الإضافية التي حصلت عليها أوبك جاءت على حساب الرأسماليين الآخرين الذين يستخدمون البترول. وجاءت خسائر منتجي المعادن لصالح صناع العلب المعدنية. مرة أخرى، هذه المكاسب وتلك الخسائر تتعادل. ولا يمكن تفسير مصدر الأرباح على أساسها.

ثانيًا: رأى ماركس أنه في معظم، إن لم يكن كل الأحوال تؤدي ضغوط المنافسة إلى عملية ضبط الأسعار، بإعادتها لتقترب من قيمتها الأساسية. فإذا كان هناك احتكار يحقق أرباحًا إضافية، فسوف يدخل منتجون جدد هذا السوق في النهاية. وتكون نتيجة ذلك الإنتاج الإضافي هي تخفيض السعر (كما حدث في حقول البترول الجديدة في السبعينيات في بحر الشمال ومناطق أخرى).

وإذا كان السعر أقل من قيمة السلعة، فإن الأقل كفاءة والأقل نجاحًا من المنتجين سيضطر لتلك المجال. وهكذا فإن انخفاض سعر القصدير سيؤدي في النهاية إلى توقف المناجم. ويقضي ذلك على الفائض وترتفع الأسعار مرة أخرى.

في النظرية الاقتصادية البرجوازية، يتم تفسير هذه العملية في ضوء لالتقاء العرض والطلب. ولكن هذه الطريقة في فهم المسألة شديدة السطحية. فعند التقاء العرض والطلب فما الذي يحدد لماذا تباع سلعة معينة مثل سيارة “رولزروس” بمبلغ ضخم، وسيارة أخرى تباع أرخص منها بكثير؟ أوضح ماركس أن السبب الرئيسي هنا هو كمية وقت العمل الضروري اجتماعيًا لإنتاج السلعة.

إن وقت العمل الضروري اجتماعيًا يفسر تأثير المنافسة بين المنتجين الذين يعملون في نفس الصناعة. فقيمة أي سلعة ما مثل زوج من الأحذية أو سيارة، لا يحكمها الوقت الذي يستغرقه عمال الصناعة في صناعتها. بل ويحكمها كمية العمل الضرورية اجتماعيًا في ضوء التقنية والآلات المتاحة. فإذا كان العمل بطيئًا أو قليل الكفاءة فلا يعتد به كمنتج للقيمة.

رأى ماركس أن التغيرات في قيمة السلع (وتقاس بالساعات من وقت العمل الضروري اجتماعيًا) تكون الضابط الأساسي في تغيرات الأسعار على المدى الطويل. وتوجد أمثلة واضحة على ذلك في الوقت الحالي. فالانخفاض الهائل في أسعار الآلات الحاسبة والمنتجات الالكترونية الأخرى في أساسه نتيجة للانخفاض السريع في كمية وقت العمل الضروري لإنتاج هذه المنتجات.