بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

تنوع التكتيك أم وحدة الفعل؟

* تم نشر المقال لأول مرة في 26 مارس 2012 بجريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية، تصدرها منظمة الاشتراكيين الأمميين بالولايات المتحدة. وفي المقال يتناول الكاتب الاشتراكي بول داماتو جدالا هاما يدور بين الناشطين في نضالات اليوم.

أحد المفاهيم التي يتناولها النشطاء في حركة احتلال الميادين هو مفهوم "تنوع التكتيك”.

ماذا يعني هذا المصطلح؟ في غياب معرفة تاريخية لظهور هذا المصطلح قد نعتقد أنه يشير الى أمر بديهي – أن لحركتنا ترسانة من التكتيكات التي يمكن تطبيقها بمرونة مع تغير الظروف بهدف تحقيق أهدافنا. لكن المصطلح لا يستخدم في هذا السياق.

لقد ظهرت فكرة "التنوع في التكتيك" في حركة العدالة العالمية بعد معركة سياتل عام 1999 ضد منظمة التجارة الدولية. وقد برزت الفكرة لتعبر الفجوة ما بين "الكتلة السوداء" (الملابس السوداء والأناركيين المقنعين الذين أرادوا تحطيم النوافذ والسيارات وفي بعض الأحيان الاشتباك في معارك شوارع مع الشرطة)، وهؤلاء الذين أرادوا أن يسلكوا سبيل اللاعنف مثل التجمهر في مداخل البنايات وأخيرا هؤلاء الذين أرادوا الاقتصار على الاحتجاجات والمسيرات السلمية. الفكرة وراء المصطلح هي أنه على الجميع أن "يحترم" تكتيك الآخر وأن يحتفظوا بنشاطهم منفصلا عن "الأجنحة" الأخرى في الحركة. بل أن بعض المظاهرات المناهضة للعولمة عقدت اتفاقات بتحديد مناطق متعددة للاحتجاج تسمح لك طرف باستخدام تكتيكات متنوعة دون تهديد الأنشطة الأخرى. هكذا كانت النظرية.

في هذا الصدد صدر منشور عن الكتلة المناهضة للرأسمالية، وهي مجموعة من الأناركيين والاشتراكيين التحرريين المنظمين لاحتجاج ضد اجتماع البنك والصندوق الدوليين في واشنطن يوم 6 أبريل 2000، جاء فيه:

إننا نعتقد أن أن أكثر الاحتجاجات تأثيرا هي تلك التي تشارك فيها كل مجموعة بشكل مستقل وتستخدم تكتيكات يشعرون بأنها الفضل لوضعهم. نحن لا ندعو إلى تكتيك معين دون الآخر، وإنما نؤمن بأن أعلى تنوع في التكتيك هو الشكل الأفضل في استخدام التكتيك. نحن نرفض الحجج الأيديولوجية التي تعارض ذلك. لذلك فإننا لا نؤمن أنه من المبدئي تنظيميا أن تنفرد أي مجموعة بوضع الإرشادات للاحتجاجات الأخرى أو أن تدعي ملكية الحركة.

"تنوع التكتيك" هو إذا طريقة لتجنب مناقشة التكتيك، فالجميع "مستقل" ومن ثم يستطيع أن يختار التكتيك الخاص به. وبالتالي فإن أي محاولة لمحاسبة المجموعات المختلفة على أدائها في إطار الحركة ككل يعتبر "انتهاكا" للاستقلال.

كذلك يحول مبدأ "التنوع في التكتيك" دون مناقشة الأهداف الاستراتيجية الأوسع التي قد تكون مرتبطة بتلك التكتيكات. أحد النشطاء المخضرمين في حركات العدالة العالمية، ستارهوك، لخص الحالة أخيرا كالتالي، "لا أشعر بارتياح في قبول إطار التنوع في التكتيك، ذلك أننا بقبول التنوع في التكتيك نكون فعليا توقفنا عن مناقشة كل من التكتيك والاستراتيجية."

التكتيك دون استراتيجية، بل والأسوأ من ذلك، رفع التكتيك الى مصاف المبدأ يؤدي الى تقديسه.

التكتيك لا معنى له دون ارتباط بالاستراتيجية. في هذا المجال قال كارل فون كلاوسفيتس، أحد منظري الحرب المشهورين، "التكتيك هو نظرية استخدام القوة العسكرية في المعارك. أما الاستراتيجية فهي استخدام المعارك لتحقيق الهدف من الحرب". إذا ترجمنا ذلك في المجال غير العسكري فإن التكتيك يصف الأساليب المستخدمة لإنجاح فعل بعينه، والاستراتيجية تصف استخدام تلك الأفعال لتحقيق هدف بعينه.

النقاشات التي تتناول التكتيك بين عناصر الحركة لا تتعرض للأسف لكيفية تكامل التكتيكات المختلفة بهدف بناء الحركة وتحقيق الأهداف (بعض النشطاء يعتقدون أن الحركة لا يجوز أن يكون لديها أهداف من الأساس)، بل أن هذه النقاشات تميل الى التحول الى جدال أخلاقي بشأن مزايا النضال السلمي في مواجهة استخدام العنف.

هذه الطريقة الحلقية في مناقشة التكتيك تعكس في واقع الأمر ان السلميين والكتل السوداء ما هم الا وجهين لعملة واحدة.

فالسلميون من حيث المبدأ ضد أي تكتيك يتضمن العنف ويرفعون تكتيك اللاعنف الى مصاف المبدأ. ذلك ان الموقف السلمي المنسجم يرى ان الحركة أو الثورة لا يحق لها استخدام الأساليب العنيفة في حماية نفسها في مواجهة العنف الذي تمارسه الدولة بهدف تدميرها. صاحب هذا الرأي سوف يدين الثوار المصريين المدافعين عن ميدان التحرير بالعصي والحجارة ضد بلطجية مبارك المسلحين في معركة الجمل في فبراير 2011 على سبيل المثال، ذلك ان أي استخدام للعنف هو أمر مرفوض أخلاقيا من وجهة نظرهم.

الأناركيون في الكتلة السوداء، من ناحية أخرى، يرفعون أيضا التكتيك الى مصاف المبدأ. إنهم يفتقدون الى الفهم الاستراتيجي لدور التكتيك، وذلك بالتحديد لأنهم يعتقدون أن التكتيك – حرب الشوارع (أو تكسير النوافذ، الذي قد لا يعتبر عنفا في حد ذاته بالمعنى الدقيق للكلمة)- هو في حد ذاته الهدف. إنهم يميزون أنفسهم باستخدام عددا محددا من التكتيكات (وطريقة في الملبس) ولا يرون في التكتيك جزءا من الرؤية الاستراتيجية لأن التكتيك هو نفسه الهدف.

الكتلة السوداء لا تشترك في شيء مع معارك الشوارع في ميدان التحرير أو في الاسكندرية في الأسابيع السابقة على سقوط مبارك. لقد كان الثوار المصريون يشاركون في تكتيك ضروري للدفاع عن الثورة ضد الثورة المضادة، وقد نجح هذا التكتيك في حشد الملايين في الشوارع.

أما الأناركيون المشتبكون في حرب الشوارع فيرون في كل مظاهرة "فرصة لمعركة شوارع. وهم من حيث المبدأ لا يرون سببا للربط ما بين تكتيكهم والشروط التي تنبع عضويا من الصراع الطبقي ذاته.

الكتلة السوداء تتصف بالعصبوية والنخبوية وتفصل نفسها عن الحركة بنمط ملبسها وأقنعتها وموقفها تجاه المحتجين الآخرين، الذين عادة ما يلفظهم اعضاء الكتلة السوداء على أساس أنهم كتلة غير مميزة من "الليبراليين".

الأناركيون في الكتلة السوداء لا يهتمون بالمشاركة في الحركات ولا يعملون على بناءها بالتضامن مع الآخرين،وإنما يعتبرون الحركة فرصة لتطبيق "تكتيكاتهم". فنجد على سبيل المثال مقالا منشورا على موقع احتلال بورتلاند بعنوان "احتلوا الكتلة السوداء" بقلم أرلو ستون، حيث يصف حركات احتلال الميادين بأنها "فرص تحمل إمكانيات تكوين الكتل السوداء وتدمير الملكية".

إذا استخدمنا لغة الأناركيين التقليدية يمكننا القول أن ما تشتبك معه الكتلة السوداء هو نوع من "الدعاية عن طريق الفعل". ذلك ان تحطيم النوافذ للشركات الكبرى وتحدي رجال الشرطة يستهدف "فضح" العنف الأصيل الكامن في الدولة. وقد ورد في إحدى المقالات المدافعة عن الكتلة السوداء إبان معركة سياتل: إننا نستهدف تدمير هذه القشرة الضعيفة من الشرعية المحيطة بحقوق الملكية الخاصة".

إنها دعاية شديدة الضعف بكل المقاييس، ذلك أنها تعزل الكتلةالسوداء عن الحركة الأوسع، وإذا بحثنا في كيفية استخدام الاعلام لصور التدمير التي تحدث في المظاهرات لتشويه صورة المتظاهرين لأدركنا أن هذاالنوع من الدعاية يصب في النهاية في مصلحة الجانب الآخر أكثر منه في مصلحتنا. لقد كتب أحد الأناركيين المتعاطفين مع الكتلة السوداء تعليقا على تحطيم النوافذ:

الضرر الاقتصادي قليل للغاية. في كثيرمن الأحيان نحطم النوافذ لأننا نريدأن نشعر "أن شيئا ما يحدث". نحن لانريد أن نبقى واقفين مكاننا نهتف ونرفع اليفط في حين يحترق عالمنا ويصبح رمادا. لكن فيما يتعلق بتأثير ذلك على الرأسمالية يجب ان نعترف ان جل ما قمنا به هو خلق سوق لصناعة المزيد من النوافذ… أما اغلاق ميناء بورتلاند فيكلف على الأقل 8 مليون دولارا من البضاعة…

من الطريف أن نتصور أن الذين جلسوا على الأرض يدقون الطبول أمام الميناء تسببوا في ضرر أكبر للوحش الرأسمالي عن أي شخص عاد الى منزله بعد الانتهاء من تحطيم النوافذ.

– – – – – – – – – – – – – – – –

الماركسيون لا يرفعون تكتيكات بعينها إلى مستوى المبدأ، وإنما يعتبرون أن أي تكتيك، عند استخدامه بالشكل الصحيح، هو عبارة عن حلقة في سلسلة من الأفعال والأنشطة تقود النضال في اتجاه النجاح. بالنسبة لنا لا يجوز الفصل بين الاستخدام الصحيح للتكتيك وبين إدراكنا لكيفية انتصار الحركة، أو الثورة في نهاية الأمر.

لا يمكن أن ينجح النضال في تحقيق أهدافه بدون المشاركة الفعالة لأعداد كبيرة من البشر. لقد كتب كارل ماركس: إن تحرر الطبقة العاملة يجب أن يكون نتيجة نضال الطبقة العاملة وليس نتيجة نضال عدد محدود من القادة المختارين ذاتيا ليناضلوا باسم الطبقة أو نيابة عنها.. وبالقطع ليس نتيجة نضال مجموعات صغيرة من الشباب يرتدون الأقنعة ويلقون الحجارة على نوافذ الشركات الكبرى.

تعليقا على مظاهرات عام 2001 الحاشدة ضد اجتماع الثمانية الكبار في جنوه، ايطاليا، كتب أحمد شوقي:

إن حسم مسألة التكتيك، العنف واللا عنف، يجب أن ينبع من أهداف الحركة. في أحد المرات قال الثوري الروسي ليون تروتسكي: إذا كان جل ما يحتاجه الأمر هو أن يهتف أحدهم "هجوم" في كل معركة، بغض النظر عن توازن القوى أو السياق أو طبيعة العدو أو طبيعة الحلفاء، فإن أي معتوه يمكن أن يصبح قائدا ثوريا. القائمون على النظام أثبتوا أنهم سوف يواجهون حركتنا بالعنف. ولا يمكن أن نتحدث ببساطة عن أننا سوف نفعل ما نريد دون أن نتوقع أن يكون هناك ثمنا ندفعه.

الماركسيون لا يساوون بين عنف الطرف الذي يمارس القمع وبين عنف المقموع؛ فالأول ساحق ومنتشر ومنهجي. إن توقع ثورة اجتماعية سلمية تماما – خاصة في الولايات المتحدة التي وصفها مارتن لوثر كينج بأنها أكبر متعهد للعنف في العالم – هو بمثابة التحليق في عالم خيالي.

لكننا مع ذلك لا نقدس العنف أو معارك الشوارع. القضية الأهم بالنسبة لنا هو كيفية بناء حركة تجذب جماهير العمال والمقهورين.

لذلك لا يمكننا القبول بفكرة أن يفعل كل طرف ما يشاء في حركاتنا بإسم "اللامركزية" أو "تنوع التكتيك". هذا الأمر صحيح دائما على مستوى ما. بالطبع لا يستطيع كائن من كان أن يمنع الحمقى من التصرف بحماقة. لكن أي صراع اجتماعي، سواء كان إضرابا أو احتلالا للميادين أو حملة مناهضة للإخلاء أو مظاهرة جماهيرية، لا يجوز أن يقبل "بتنوع التكتيك" باعتباره الإجابة على سؤال ما العمل.