وحدة الفعل ضرورية لدفع النضال للأمام

تم نشر المقال لأول مرة في 14 يونيو 2011 بالموقع الإلكتروني لمجموعة الاشتراكيين الأمميين بأسكتلندا
إن الحزب الثوري الذي يضم أكثر العمال وعياً طبقياً هو فقط من يستطيع تطبيق الاستراتيجية والتاكتيكات وتطويرهما، بالرغم من أن ذلك يفتح الباب أمام مشكلة هامة. لقد جادل كارل ماركس في “البيان الشيوعي” بأن “الشيوعيين ليسوا حزباً منفصلاً في مواجهة الأحزاب العمالية الأخرى، وليست لهم مصالح منفصلة عن مصالح عموم البروليتاريا”.
كتب ماركس ذلك قبل صعود الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الجماهيرية، والتي لم تكن سوى أحزاب إصلاحية حاولت إخفاء تصالحها مع الرأسمالية ببعض من الخطاب الاشتراكي. وعلى الرغم من ذلك، يظل ما كتبه ماركس سارياً إلى اليوم، فعلى الثوريين دائماً أن يدافعوا عن المصالح الكلية للطبقة العاملة. لكن كيف لهم أن يفعلوا ذلك إذا تم تنظيم العمال الأكثر وعياً طبقياً بمعزل عن بقية طبقتهم؟
هناك منظوران للتعامل مع هذه المعضلة. أولاً، أن السبب الأساسي لضرورة تنظيم الثوريين في حزب هو أن تلك هي الطريقة الأكثر كفاءة وجدية لتنظيم الطبقة العاملة. ومن الناحية المبدئية، يستطيع الثوريون تطبيق سياساتهم بشكل متماسك موجهين طاقاتهم لمحاولة كسب بقية الطبقة العاملة للاشتراكية. والحزب الثوري لا يسعى لانتزاع السلطة لنفسه، بل يحاول على الدوام إقناع الجماهير بأنهم في حاجة لأخذ زمام السيطرة على مجتمعهم، بواسطة مؤسسات السلطة القاعدية للطبقة العاملة.
إلا أن توازن القوى الطبقية لا يسير دائماً وفق ما يتمناه الثوريون، وفي مثل هذه الظروف ينبغي على الثوريين بناء الوحدة مع أولئك الذين يدافعون عن المصالح المباشرة الراهنة للطبقة العاملة، ومن أجل ذلك فإن “الجبهة المتحدة” أمراً ضرورياً؛ حيث يتم الاتفاق مع الإصلاحيين على حد أدنى من المطالب المشتركة، وخلال ذلك يجب على الثوريين أن يحافظوا على استقلالية تنظيمهم وسياساتهم. ومن الناحية التاكتيكية، فإن “الجبهة المتحدة” يمكن أن تأخذ العديد من الأشكال المختلفة وذلك وفقاً لما تتطلبه الظروف القائمة.
أما من الناحية الاستراتيجية، فالجبهة المتحدة هي محاولة لزيادة نضالية العمال وثقتهم بأنفسهم، وبالتالي المساهمة في تحويل الطبقة العاملة من موضع الدفاع إلى الهجوم. وخلال هذه العملية يستطيع الحزب الثوري كسب العمال بعيداً عن القادة الإصلاحيين للحركة باتجاه الثورة. ولقد كانت قضية الحزب الثوري والجبهة المتحدة مثار جدل واسع داخل الحركة الشيوعية في أوائل العشرينيات من القرن الماضي.
كان “الكومنترن” – الأممية الشيوعية الثالثة – يمثل تحالفاً بين الأحزاب الثورية والتي قد تجمعت من أنحاء العالم إثر الانتصار الملهم للثورة الروسية 1917. تأسس الكومنترن مناهضاً لإصلاحية الأممية الثانية، وقد طبق 21 شرطاً لقبول عضوية الأحزاب فيه. أما النقطة الأكثر أهمية هنا فهي أن على الماركسيين بناء أحزابهم الثورية، لكن حالة المد الثوري للطبقة العاملة والتي اجتاحت ربوع أوروبا خلال الفترة من 1918 حتى 1920، كانت قد بدأت في الجزر والانحسار. وفي بداية العشرينيات، كان الحزب الشيوعي الألماني قد أصبح حزباً جماهيرياً واسعاً، لكنه كان في نفس الوقت معزولاً عن الطبقة العاملة بشكل عام، في حين كان القادة الشيوعيون يشجعون أعضاء الحزب كي يصبحوا أكثر قتالية بقدر الإمكان لتعويض غياب حركة ثورية حقيقية.
ذلك التطرف اليساري هو ما أدى إلى “أحداث مارس”، حين حاول الشيوعيون تحويل معركة محلية في منجم نحاس إلى انتفاضة قومية، الأمر الذي أدى إلى هبوط كارثي في عضوية الحزب علاوة على اعتقال الآلاف منهم.
أما الحزب الشيوعي الإيطالي، فقد انشق عن الحزب الاشتراكي في الوقت الذي بدأت فيه الحركة الثورية بإيطاليا في التراجع. كان الانشقاق ضرورياً لتوكيد استقلالية الثوريين في الحركة، إلا أن ذلك كان لابد أن يُتبع بالتوحد مع الاشتراكيين في مواجهة الفاشيين تحت قيادة بينيتو موسوليني. ولسوء الحظ، كان أماديو بورديجا، المتطرف يسارياً إلى النخاع، يمثل القوة المهيمنة داخل الحزب الشيوعي والتي قادت الحزب لمعارضة نهج الجبهة المتحدة مع الاشتراكيين، الأمر الذي أدى في النهاية إلى استحواذ الفاشيين على السلطة.
في كل من إيطاليا وألمانيا فشل الثوريين في تطبيق تاكتيك الجبهة المتحدة لأنهم لم يستوعبوا استراتيجياً الحاجة إلى التراجع. على الماركسيين دائماً أن يحاولوا بناء أحزاباً ثورية مستقلة عن أولئك الذين لا يؤمنون بقدرة الطبقة العاملة على تحرير نفسها. إلا أن ذلك يجب أن يندمج مع النظر في متطلبات الظروف القائمة، إذ أن محاولات التوحد في الحركة هي في الأغلب أمراً حيوياً للغاية لدفع الحزب الثوري والطبقة العاملة إلى الأمام.