في أعقاب تكوين لجنة مشتركة لتنسيق العمل بين القطاعات المختلفة
وحدة العمال.. خطوة لقدام
في دعوة أطلقتها لجنة الحريات بنقابة الصحفيين وحركة الاشتراكيين الثوريين لانطلاق مؤتمر عمالي، يوم الأحد 2 مارس، تحت عنوان: “مطالب العمال من الحكومة الجديدة” تم الإعلان عن تكوين لجنة عمالية مشتركة في العديد من القطاعات والشركات للتنسيق والتحرك المشترك. انطلقت اللجنة من واقع تفجر الحركة العمالية على نحو غير مسبوق مقارنة بعدة شهور مضت، وفي ظل تشكيل حكومة جديدة / قديمة، تشغل منصب وزير القوى العاملة فيها ناهد العشري، مساعدة الوزيرة السابقة بحكومة مبارك عائشة عبد الهادي.
رفع العمال أبرز المطالب في: عودة المفصولين، وتفعيل قرارات عودة الشركات إلى الدولة، وتنفيذ الحد الأدنى للأجور الذي تنصلت منه حكومة الببلاوي، حيث يتقاضى أكثر من 35 ألف موظف بمحافظة الشرقية أقل من 100 جنيه شهريا!. ووفقا للبيان الصادر عن عمال اللجنة المشتركة: “إننا لن نستطيع تنفيذ مطالبنا، وتطهير شركاتنا من الفاسدين، وإعادة الشركات للقطاع العام وإعادة تشغيلها إلا إذا وضعنا أيدينا في أيدي بعضنا البعض، وتحركنا معاً بدلاً من أن يتحرك كل منا وحده، وذلك عبر لجنة لتنسيق حركتنا معا، حتى تحقيق مطالبنا جميعا”.
حضر المؤتمر ممثلون عن عمال شركات طنطا للكتان، وغزل المحلة وشبين، والمراجل البخارية، وشركة الزيوت والصابون بالإسكندرية، والبريد، وهيئة النقل العام، وشركة مساهمة البحيرة، والأطباء.
الإضراب مشروع مشروع.. ضد الفقر وضد الجوع
مع اقتراب موعد إضراب الأطباء، 8 مارس المقبل، استنكر عضو اللجنة العليا لإضراب الأطباء محمد شفيق أنه رغم مشروعية مطالب الإضراب في تحسين القطاع الصحي لصالح المواطن بزيادة موازنة الصحة إلى 15 % بدلا مما هي عليه الآن (أقل من 4 %)، فإن الحكومات المتتالية لا تستجيب في الوقت الذي تُنفق فيه ثلث الميزانية الصحية على النواحي الإدارية للوزارة. وفي الحكومة الجديدة تم تعيين عادل العدوي وزيرا للصحة، وهو معاون الوزير السابق حاتم الجبلي صاحب سياسات خصخصة القطاع، في الوقت الذي تتزايد فيه عدد الأسرَّة بالمستشفيات الخاصة 100 % وتنقص فيه بالمستشفيات الحكومية بنسبة 40 %. وأضاف أن الحكومة التي تبيع مسئوليتها تجاه المواطنين للقطاع الخاص هي أكبر مضرب عن العمل.
فيما تسائل طارق البحيري من النقابة المستقلة لعمال النقل العام عن قطاع السكة الحديد الذي أوقفته الحكومة لمدة 6 شهور، فلماذا لا يصارحونا بخسائر القطاع مثلما يتحدثون اليوم عن إضرابنا المشروع؟
خصخصوها خصخصوها.. العمال هيرجعوها
ومن شركة غزل المحلة تحدث كمال الفيومي بأن: “الشركة لم تسجل أي ديون مع صافي ربح 112 مليون جنيه عام 2007، لكننا فوجئنا العام الذي يليه بتعيين مفوض لتتجاوز الخسائر 120 مليون جنيه ثم 144 مليون جنيه ثم 243 مليون جنيه، حتى وصلت العام الحالي إلى مليار و300 مليون جنيه. عمال المحلة أسقطوا رجل مبارك، فؤاد حسان، من الشركة لكن تم ترقيته إلى نائب رئيس الشركة القابضة ثم رئيس الشركة. عمال المحلة هم مَن قدموا دورهم الوطني بين أعوام 1967 و1973 ساعتين إضافيتين كمجهود حربي، واليوم إسقاط كل مبارك من المصانع هو هدف الحركة العمالية. “الثورة مش هتتسرق، ولو اتسرقت يموتونا أحسن”.
وكان قد تم الاتفاق على تعليق إضراب العمال، بمنتصف فبراير الماضي، وعودة العمل بالشركة مقابل إقالة رئيس الشركة القابضة لحين انعقاد الجمعية العمومية، التي أَجَّلت للمرة الرابعة على التوالي، جلستها المخصصة لبحث إقالة حسان لأجل غير مسمى، رغم تصاعد الاحتجاجات العمالية، وفي تحدٍ واستفزاز واضح لإرادة العمال.
يا حرامية بنعاهدكوا.. عمال مصر مش هتسيبكوا
أما الشركة العقارية فقد تسائل ممثل العمال، محمد المصري، عن أن “الشركة التي أُنشئت عام 1889 كشركة قومية قامت بتطهير المجرى المائي بشرق العوينات وخط بارليف خُصخصت أوائل عام 1994 رغم عدم تسجيلها أي ديون، والآن تقدر الخسائر ب 5 مليار جنيه. فبماذا أفادت الخصخصة؟. ما يحدث هو تصفية شاملة بفعل فاعل للشركات رغم القرار الصادر في يناير 2012 بعودتها وعشرات البلاغات للنائب العام لمحاسبة الفاسدين دون أدنى اهتمام، ولم نجد سوى رد رئيس الشركة المهندس سعيد طه على تفاوض العمال بعد انقطاع مرتباتهم لمدة 3 أشهر ليقول: “اقعدوا في البيت أنا مش مسئول”.
قضية عودة الشركات تفضح الخصخصة ومن ورائها الفساد، كذلك تفضح القيادات المزيفة التي اعتلت أكتاف العمال أمثال كمال أبو عيطة ورده عند مقابلة عمال الشركة العقارية بمطالبهم: “وأنا أعمل إيه؟ أنا جاي الوزارة أقعد يومين”!
ومن شركة مساهمة البحيرة تحدث ممثل العمال عن مطلب الحد الأدنى للأجور وتضاؤله في ظل التجاهل الحكومي ليصبح الحد “المتدني” للأجور، في حين تتراوح مرتبات رئيس وأعضاء مجلس الشركة القابضة بين 15 إلى 20 ألف جنيه شهريا وترقيات وظيفية متلاحقة مع ارتفاع خسائر الشركة حتى 30 يونيو الماضي إلى 227 مليون جنيه، في الوقت الذي لم يتقاضى فيه 19 ألف عامل رواتبهم منذ 6 أشهر ويبيتون على الرصيف. وبرغم القرار الصادر منذ يناير عام 2012 بتأسيس الشركة القابضة لاستصلاح الأراضي وضمها إلى وزارة الزراعة للنهوض بمستوى عملها، إلا أنه حتى الآن لم يجد طريقه إلى النور. “نريد أن نعمل.. نريد أن نتقاضى مرتباتنا”.
واستنكر ممثل العمال عن غزل شبين، محمد فتحي، إصدار المحكمة الإدارية العليا تحصينات للرئيس ومجلس الشعب والدستور، فلماذا إذن لا تحصن قرارات عودة الشركات من جديد؟. رغم الحكم القضائي الصادر عن الدولة باستعادة الشركة وعدم تنفيذه. لن يقبل العمال بالتفاوض حول عدم تنفيذ الحكم، ومَن يتهم العمال بالأجندات الخارجية يجهل أننا نمتلك أجندات اقتصادية وقادرون على إدارة الشركات وتشغيلها.
تشغيل عجلة الإنتاج أم عجلة النهب؟
تساءل المحامي العمالي وعضو حركة الاشتراكيين الثوريين هيثم محمدين عن حصول 7 مصانع على قرارات المحكمة بالعودة إلى القطاع العام، فأين الحكومات من عودة العمال إلى عملهم ومباشرة الإنتاج؟ العجلة الوحيدة التي تديرها الحكومات المتعاقبة هي عجلة الخصخصة والنهب وتشريد العمال ورشاوى الصفقات. العمال يحققون أرباحا في القطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء فأين حقوقهم؟ وأين الحكومة والسلطة التنفيذية من سرقات رجال الأعمال المقترضين الهاربين؟
مطلب الحد الأدنى للأجور المطروح منذ عام 2008 لم يتحقق رغم سقوط مبارك وحكومته وبرلمانه ثم سقوط الإخوان والببلاوي. فمن يحكم مصر إذن؟ السلطة الحقيقية الموجودة في البلد هي سلطة رجال الأعمال الذين يطرحون المليارات من الدولارات في البورصة لكن يظل العمال على الرصيف. إنهم مَن يحكمون البلاد والمتسببين في فشل المؤسسات الخدمية والصناعات كافة. إننا لا نحتاج ممثل عن العمال بالحكومة لكن نحتاج حكومة عمالية في سلطة جديدة تنحاز للأغلبية الشعبية.
3 أكاذيب حكومية مستمرة.. والعمال على الرصيف
ووفقا للصحفي الاقتصادي الاشتراكي وائل جمال فإن تصريحات رئيس الوزراء الجديد بشأن دعوة العمال إلى وقف الإضرابات لتمهيد الفرصة أمام الحكومة تحت دعوى عدم وجود موارد، هي “أكبر أكذوبة”. فرغم المليارات التي انهالت على مصر منذ الإطاحة بمرسي وفك وديعة حرب الخليج، لكن لم تستطع سياسات الدولة الاقتصادية من كل هذه المليارات تحديث الماكينات بالمصانع المختلفة لتنفيذ قرارات عودة الشركات أو استحداث فرص عمل جديدة، فالعدالة الاجتماعية ليست من أولويات النظام.
الأكذوبة الثانية تكمن في مجمل الأرقام التي تصدرها الحكومة “فرئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج يصرح أن متوسط الأجور يُقدر بـ 30 مليون جنيه سنويا، لكن الحقيقة أن القيادات العليا تستحوذ على قدر كبير مقارنة بأجور العمال، وهي نفس الأكذوبة التي تسوقها الحكومات على التتابع بالإبقاء على الفاسدين المتسببين في تخسير الشركات في نفس الوقت الذي تطالب فيه العمال بالتخلي عن حقوقهم المشروعة في أجر عادل وتأمينات اجتماعية”.
أما الأكذوبة الثالثة فهي وصف الاحتجاجات العمالية بالفئوية كما في مشروع الموازنة. “هل تطهير المؤسسات والقضاء على الفساد مطلب فئوي؟ هل تحسين قطاع الصحة والنهوض بالمنظومة الصحية هي مطالب فئوية أم لخدمة جموع الشعب؟ الحكومة التي تخدم فئة المستثمرين وتعفيهم من الضرائب كما تطلق يدهم في جني الأرباح المضاعفة هي الفئوية بعينها”.
معارك العمال.. وقود الثورة
ووفقا للمحامي الاشتراكي خالد علي فإن قضية الحد الأدنى للأجور ليست في قيمة الأجر، لكنها معركة أعم تفرض تعديل هيكلة الأجور في مصر، وعلى وزراء الحكومة أن ينتهوا من الحنجورية ويسارعوا بتطبيق الحد الأقصى وربطه بالحد الأدنى في كل الشركات والهيئات أو المؤسسات، لأن العدالة الاجتماعية هي نظام حكم وليس من ضمن الأولويات. النقابات العمالية المستقلة وقانون الحريات النقابية هو رهان إعادة التوازن في المجتمع وفك ارتباط الحكومة بالحفاظ على البناء الهرمي وتجريد العمال من أحقية اتخاذ القرار.
وكشف خالد علي نهب الحكومة لأموال التأمينات وحقوق العمال، فالهيئة القومية للتأمين الاجتماعي أصدرت أرقاما حول صافي المديونية حتى 30 يونيو 2013 بما يزيد عن 249 مليار جنيه مُثبتة بالصكوك، وغير المُثبتة تقدر بما يزيد عن 281 مليار، أما المديونية لدى بنك الاستثمار القومي فتزيد عن 77 مليار جنيه، واستثمارات الهيئة نفسها ما يزيد عن 73 مليار جنيه، والإجمالي ما يزيد عن 682 مليار، في حين صناديق التأمينات لا تمتلك سوى 73 مليون فقط، بما يعني أن أكثر من 95 % من اشتراكات العمال في التأمينات يتم استغلالها لصالح دعم رجال الأعمال واستثماراتهم ولا يستفيد منها العمال بتأمينات أو معاشات أو حد أدنى للأجور تحت ادعاءات “مفيش فلوس في البلد”!.
حركة عمالية واحدة.. ضد السلطة اللي بتدبحنا
أجمع ممثلو العمال على أن وزارة محلب لن تختلف عن وزارات الببلاوي وقنديل ونظيف، فحتى هذه اللحظة لم يسقط نظام مبارك، وما يحدث هو تغيير للوجوه لم ينعكس بأي تغيير في وضع العمال وسط تهديدهم بالأمن الوطني والإبقاء على القيادات الفاسدة، أما من يتحدثون باسم العمال ويمثلوهم في التفاوض على دستور السلطة فلا يتمتعون بأي شرعية، كذلك النقابات العامة التي تتجاهل مطالب العمال وتنتهك حقوقهم في تقاضي رواتبهم. الإضرابات هي بالأساس لتحسين إنتاج الشركات والمصانع. المطالب العمالية هي مطالب المواطنين المصريين ككل، والأمان هو أمن المواطن المصري وتحقيق العدالة الاجتماعية له. وأخيرا وجهت اللجنة دعوة للعمال في كل المواقع المختلفة بالانضمام والتوحد في مواجهة الثورة المضادة.
المؤتمر يطرح المطالب العمالية بمنتهى الوضوح على طاولة الحكومة الجديدة / القديمة وينذر بتحديات قائمة قد تطيح بها، فإما الاستجابة أو الرحيل.