بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

إضرابات الصيادلة في مصر.. لماذا؟

كادر
هيئة عليا للدواء
تأمين.. ميزانية

بهذه المطالب بدأ الصيادلة الحكوميون إضرابهم الجزئي عن العمل متضامنين مع باقي الفريق الطبي من أطباء بشريين وأسنان منذ 8 من مارس الجاري.

وبالرغم من محاولات النظام المستميتة لوأد كل التحركات الاجتماعية عموما والتصدي لها من خلال التضييق الأمني، وإصدار قوانين لمنع التظاهر والإضراب والاعتصام، وفي ظل انسحاب الدولة المستمر من أداء دورها في مجالات الصحة والتعليم والخدمات المختلفة، وسياسات التقشف التي لم تمنع زيادة ميزانية الشرطة والقضاء، اتحد الفريق الطبي على مطالب موحدة ليقف بها في وجه النظام، محاولاً إنقاذ المنظومة الصحية في مصر وحماية المريض قبل الطبيب.

نظرة سريعة على حراك الصيادلة في مصر حتى 8 من مارس 2014
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُضرب فيها الصيادلة عموما أو الصيادلة الحكوميون خصوصا، فقد بدأ حراك الصيادلة في الظهور منذ عام 2009، وتحديدا في 16 فبراير، حين قامت الحكومة المصرية بإلغاء اتفاقية الضرائب المبرمة في 2005 بين وزير المالية وقتها ونقابة الصيادلة، والتي بمقتضاها كانت تُعامَل الصيدليات كمشروعات صغيرة تُحاسَب من المنبع وتكون غير مُلزَمة بتقديم كشوف مصروفات وإيرادات وإمساك دفاتر، وحمت تلك الاتفاقية الصيادلة لفترة كبيرة من التقديرات الجزافية للضرائب.

دعت وقتها نقابة الصيادلة لإضراب مفتوح للصيدليات الأهلية بدءا من 16 فبراير، واعتصام أعضاء مجالس النقابات العامة والفرعية أمام مقرات النقابة في جميع المحافظات، واستجابت الحكومة لمطلبهم في اليوم الأول من الإضراب حينذاك.

تلتها بعد ذلك دعوات متكررة للإضراب من قِبل الصيادلة الحكوميين لتحسين أوضاعهم المهنية والمالية وتحسين منظومة الصحة عموما عقب ثورة يناير 2011، وقام الصيادلة بالتضامن مع إضرابات الأطباء في 2011 و2012 على التوالي، وإن كان دون مشاركة فعلية مدعومة بقرارات من الجمعية العمومية.

حتى نقضت مصلحة الضرائب المصرية اتفاقية 2005 مرة أخرى في عام 2012، فتجددت الدعوات مرة أخرى لاتخاذ خطوات تصعيدية أمام تجاهل الحكومات المصرية المستمر لمطالب الصيادلة، وعُقدت جمعية عمومية غير عادية في 28 ديسمبر 2013، قضت بتشكيل لجنة عليا للإضراب لمتابعة سلسلة من الإضرابات في القطاعين الحكومي والخاص كل أربعاء بدءا من شهر فبراير لرفض مشروع الحوافز المقدم من وزارة المالية بديلا لمشروع الكادر الذي عُرض على مجلس الشورى المُنحل في 2013.

وبدأ أيضا بالتزامن معها اعتصام مفتوح لأعضاء مجالس النقابة العامة والنقابات الفرعية للصيادلة في حديقة مقر اتحاد المهن الطبية، وتنظيم مسيرات إلى مجلس الوزراء في 9 فبراير 2014 لرفع مطالب الصيادلة التي تتضمن إنشاء هيئة عليا للدواء في مصر، وتطبيق اتفاقية ضريبية عادلة خاصة بالصيادلة، وتطبيق القرار الوزاري الخاص بالتسعير 499، وتطبيق قرار كتابة الدواء بالإسم العلمي، وحل مشكلة مرتجعات الأدوية المنتهية الصلاحية مع شركات الأدوية، بالإضافة لمطالب الصيادلة في القطاع الحكومي والتي تشمل تطبيق كادر مهني طبي عادل، وعودة الصيادلة المضارين من إلغاء التكليف إلى العمل الحكومي، وتطبيق قرار إلغاء العهدة الخاص بالصيادلة الحكوميين الذي يعتبر من أهم المطالب المُدرجة لأنه يعيد للصيدلي الحكومي مهنته الأصيلة التي طالما اغترب عنها نتيجة إمساك دفاتر العهدة والأعمال الكتابية الخاصة بها، التي جعلته أقرب إلى الموظفين وساهمت بشكل أساسي في إبعاده عن دوره الفني في التعامل مع المريض والإشراف الدوائي عليه، وكذلك تطبيق نظام الصيدلة الإكلينيكة التي سوف تساهم بشكل كبير في تطوير مهنة الصيدلة في القطاع الحكومي وأيضا تطوير الخدمات المقدمة من مستشفيات وزارة الصحة وتجعلها في مستوى الكثير من المستشفيات الاستثمارية، وأخيرا المطالبة بأحقية الصيادلة في تولي المناصب الإدارية القيادية في وزارة الصحة ووحداتها، بما أن تلك الوظائف تتطلب كفاءات إدارية وعلمية يمكن توفرها في أي من الطبيب أو الصيدلي على حد سواء، ولا يوجد مايبرر أن تكون حكرا على فئة معينة دون الأخرى.

وبناءا عليه بدأ الصيادلة الحكوميون إضرابهم الجزئي الأول في 12فبراير 2014 الذي حقق نسبة تقارب الـ 80%، تلاه إضراب الصيادلة في القطاع الحكومي والصيدليات الأهلية جزئيا عن العمل في 26فبراير 2014 والذي وجد استجابة ضخمة من الصيادلة الحكوميين والأحرار على حد سواء، وشهد نسب مشاركة ضخمة، وشهد أيضا مشاركة من الأطباء البشريين بقرار الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء التي أعلنت الإضراب يوم 26 فبراير بالتزامن مع إضراب الصيادلة، كما شاركت أيضا نقابات أطباء الأسنان والبيطريين.

ونظرا لعدم استجابة الحكومة لتلك المطالب، تم عقد جمعية عمومية طارئة في 1 مارس 2014 قررت المشاركة مع باقي الفريق الطبي في تشكيل لجنة إضراب مشتركة لإدارة الإضراب المزمع بدءه في 8 مارس بمطالب موحدة وهي كادر، وهيئة عليا للدواء، ورفع ميزانية الصحة، وتأمين المستشفيات، تلاها إضرابا جزئيا مفتوحا عن العمل في القطاع الحكومي، بمشاركة الأطباء من بشريين وأسنان، بإغلاق العيادات الخارجية وصيدلياتها عدا الطوارئ والحالات الحرجة، ومازال هذا الإضراب مستمرا حتى الآن رغم الكثير من التعسف من قِبل بعض مديري المستشفيات ومديري الإدارات في بعض المحافظات، محققا نسب مشاركة ضخمة تخطت ال90% في الكثير من المحافظات.

وبعكس ما تروجه الآلة الإعلامية عن مساوئ تلك الإضرابات وإضرارها بالمرضى والحالة الاقتصادية للبلاد، نجد أن مطالب الصيادلة والفريق الطبي عموما تصب في مصلحة المواطن والمريض واقتصاد الوطن، وهنا يجدر إلقاء الضوء سريعا على تلك المطالب، وأولها إنشاء هيئة عليا للدواء تقوم بضبط وتوحيد القطاع الدوائي في مصر بمختلف هيئاته، لتتحكم في ظاهرة نواقص الدواء وإنتاج المواد الخام وبذلك تحد من الاحتكارات في سوق الدواء والتي تتجلى بوضوح في ممارسات وزارة الصحة، تلك الاحتكارات التي ساهمت في تردي مستوى الأدوية التي توزَّع على الوحدات التابعة للوزارة من مستشفيات وغيرها، والتي تسمَّى مجازاً بين الصيادلة بـ “أدوية الفرز الثالث”.

ماهي الهيئة العليا للدواء؟
هي هيئة مستقلة تابعة لمجلس الوزراء، تكون المسئولة عن حماية صحة الناس من خلال تنظيم سلامة وجودة الأدوية (البشرية والبيطرية)، والمستحضرات الحيوية، والأجهزة الطبية ومستحضرات التجميل والمكملات الغذائية، والمبيدات الحشرية، وهي تضم جميع الهيئات المصرية المختصة بالدواء والتي تعمل معا لضمان تحقيق مهمة الهيئة.

وتتلخص اختصاصات تلك الهيئة في:
حماية صحة المواطنين من خلال تنظيم سلامة وجودة المنتجات الصيدلانية، والتنظيم والتشريع لممارسة مهنة الصيدلة، بالإضافة إلى توفير أدوية ذات جودة عالية وبأسعار معقولة عن طريق التخطيط الاستراتيجي، ووضع سياسات قطاع الدواء في مصر، وتحديد معايير الخدمات الصيدلانية في المستشفيات وخارجها.

كما تقوم تلك الهيئة برصد السوق، وتعزيز الوعي العام للآثار السلبية المحتملة للأدوية، ومخاطر سوء استخدام الدواء، والتحذير من الأدوية المغشوشة، وتعمل أيضاً على إحكام الرقابة على جميع مراحل تصنيع الدواء وتخزينه وتوزيعه وضمان وصوله إلى المريض بصورة صحيحة، كما تقوم بدعم البحث العلمي لاكتشاف أدوية جديدة من أجل صحة المواطن.

وتساهم تلك الهيئة بذلك في زيادة صادرات الدواء، وترشيد استهلاك الدواء الذي يتم هدره في غير موضعه، وهو مايخدم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر.

وبالعودة إلى باقي المطالب، فهي تتضمن رفع مخصصات الصحة إلى 15% من ميزانية الدولة، وذلك لتحسين الإنفاق على الخدمات المقدمة في الوحدات التابعة لوزارة الصحة من أدوية ومستلزمات طبية وأجهزة وخلافه، وتدريب الصيادلة المستمر على أحدث الأساليب العلاجية والإشراف عليها، وإمكانية تطبيق الصيدلة الإكلينيكة في جميع مستشفيات الوزارة، بعد أن أصبحت من ضرورات العصر، لمتابعة حالات المرضى والأدوية التي يتعاطونها وتفاعلاتها المحتملة وآثارها الجانبية متابعة دقيقة تضمن رعاية أفضل بكثير للمرضى.

ويرتبط برفع ميزانية الصحة تطبيق كادر مهني طبي عادل يضمن حياة كريمة لأعضاء الفريق الطبي تمكنهم من الاهتمام بالمريض ورعايته رعاية كاملة، والنهوض بالمنظومة الصحية في مصر، ويمكن تمويله عن طريق إعادة هيكلة أجور العاملين بالوزارة من مستشارين ولواءات ووظائف أخرى شرفية، وتخفيض الإنفاق على ديوان الوزارة، الذي يُهدر وحده حوالي ثلث الميزانية المخصصة لوزارة الصحة.

وأخيراً تأمين المستشفيات لحماية الفريق الطبي والمرضى من البلطجية وضمان تقديم خدمة طبية لائقة وآمنة.

وحتى تلبية هذه المطالب يستمر الفريق الطبي في إضرابه المشروع من أجل منظومة صحية أفضل وحياة أفضل لكل مواطن.

لذلك عزيزي القارئ.. إذا كنت لا تنتمي لأي من الفئات التالية: شرطة، أو قضاء، أو جيش، أو كبار موظفي الدولة، وهي الفئات التي مُنِحت صك الإعفاء من التضحية من أجل من مصر وحال البلد الذي طال انتظار إصلاحه، فعليك الوقوف إلى جانب الفريق الطبي ودعمه في مطالبه المشروعة.