بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

2007.. عودة الروح

صحوة المصريين كانت الحدث المميز لعام 2007، الذي انبثقت خلاله حركة لم تشهدها مصر منذ عقود. غير أن استمرار هذه الحركة ونموها يظل رهناً بالقدرة على توحيد النضالات المتفرقة لتصبح قوة دافعة في عملية التغيير.

الحدث الأهم العام الماضي لا شك كان الحركة الجماهيرية غير المسبوقة منذ عقود. فمنذ أحداث 18 و19 يناير 1977، لم يعبر الشارع المصري عن غضبه بمثل هذه القوة. وهو ما يفند المزاعم الشائعة بشأن تميز المصريين دون الشعوب الأخرى بالسلبية والاستكانة. ويمكن إدراك حجم التغير الذي حدث في 2007، بمقارنة بسيطة بين حجم الاحتجاجات في هذا العام وفي العام السابق. ففي خلال 2006 وقع 200 احتجاج جماهيري، بينما في النصف الأول فقط من 2007، وقع 286 احتجاجاً.

البداية.. العمال

جاء عام 2007 ليضع في المقدمة مجدداً نضال الطبقة العاملة، بعد أن سادت خلال عدة عقود المقولات التي تشكك في هذا الدور، بل تشكك في وجود هذه الطبقة ذاته. وكان إضراب عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى نقطة البداية لحركة عمالية يصفها الكثيرون بأنها الأهم في مصر منذ عام 1946. فقد تظاهر نحو 27 ألف عامل بالشركة لمدة خمسة أيام احتجاجاً على قرار رئيس مجلس إدارة الشركة ايقاف صرف الحوافز، رغم وعد الحكومة لهم بذلك. واحتل العمال العديد من العنابر منددين بالفساد وخطط تحسين أوضاع الشركة لجعلها أكثر جاذبية للمشترين في ظل برنامج الخصخصة، وأوقفوا العمل ليومين ونصف. وكان لانتصار العمال أثراً ملهماً شجع العمال في كثير من القطاعات على اتخاذ خطوات جسورة للمطالبة بحقوقهم.

ففي يناير من 2007 تجمهر 700 سائق من سائقي القطارات أمام القطار المتجه إلى الإسكندرية وعطلوا قيامه لمدة ربع ساعة مطالبين بإجراء تغييرات في لائحة العمل. واعتصم مئات العمال في مرفق النقل الثقيل بالمحلة ومثلهم في مشروع المحاجر بالزقازيق، للمطالبة بصرف الحوافز. وامتدت موجة الإضرابات في الشهر التالي لتشمل نحو 4200 عامل في شركة مصر للغزل والنسيج في شبين الكوم، احتجاجاً على تأخر صرف الحوافز لأكثر من ستة أشهر. وأضرب عمال غزل كفر الدوار عن الطعام مطالبين بصرف الحوافز. وكانت النتيجة أيضاً رضوخ الحكومة بصرف الحوافز للعمال. وخلال الشهور التالية وقعت عشرات الاحتجاجات، كان أبرزها اعتصام عمال هيئة النقل العام وجهاز تشغيل مترو الأنفاق في مايو، وإضراب عمال المنصورة إسبانيا الذي استمر أكثر من شهرين وانتهي في يونيو بتحقيق مطالب العمال، وإضراب أكثر من 20 ألف من مدرسي الأزهر عن تصحيح الامتحانات مطالبين بكادر خاص، وإضراب عمال النظافة احتجاجاً على ظلم الشركات الإيطالية والإسبانية والمصرية، وإضراب عمال غزل المحلة في سبتمبر والذي شارك فيه 27 ألف عامل وانتهى بالاستجابة لمطالب العمال وصرف 70 يوماً مكافأة. وقبل أيام من انتهاء العام، انتصر إضراب آلاف العاملين في الضرائب العقارية بصدور قرار يتضمن ضمهم إلى وزارة المالية.

وبشكل عام تميزت حركة احتجاجات العمال في 2007 بعدة سمات، أهمها التصميم والانتقال من الدفاع إلى الهجوم كما حدث عند المطالبة بإقالة رئيس مجلس إدارة شركة المحلة، والتحركات لسحب الثقة من اللجنة النقابية كما حدث في المحلة وغيرها، والتأثر بخبرات الشعوب الأخيرة، كما حدث عند استخدام الطبول للتعبير عن سريان الإضراب، والدور البارز للنساء في تنظيم والمشاركة في الإضرابات. غير أن السمة الأهم التي تميزت بها حركات العمال الاحتجاجية في 2007 هي أن الكثير منها قد انتهى بانتصار العمال. وكان ذلك من جهة بسبب الإصرار الذي تميزت به معظم حركات الاحتجاج. ففي ظل الارتفاع الهائل في الأسعار وإسراع الحكومة في تنفيذ الخطوات الأخيرة من برنامج الخصخصة، أصبحت تلبية الحد الأدني من الاحتياجات الإنسانية غير متاحة، وأصبح بديل السكوت هو مزيد من المعاناة. من ناحية أخرى، فقد تعاملت الحكومة إلى حد كبير بطريقة مهادنة مع الاحتجاجات العمالية. ذلك أن تركيز النظام على المواجهة مع الإخوان المسلمين، جعل من غير المناسب الدخول في معركة أخرى مع العمال. لكن هذا النهج كان له نتائجه الخطيرة بالنسبة للنظام. فقد أدى تنازل الدولة وقبولها لمطالب العمال في عديد من الحالات، إلى التشجيع على مزيد من الاحتجاجات، وانتقالها إلى فئات تحمل مطالب أخرى.

احتجاجات الخدمات

الاحتجاج على سوء وانعدام الخدمات، التي من المفترض أن تقدمها الدولة، برز بطريقة غير مسبوقة خلال العام. وكان أبرز الاحتجاجات في قرى الدقهلية والبحيرة ودمياط لعدم وصول مياه الشرب إلى السكان منذ سنوات، وكذلك عدم وصول مياه الري الذي أدى إلى بوار آلاف الأفدنة. وقد وصل الاحتجاج إلى قطع الطرق كما حدث في دمياط وعزبة النصر بالمعادي حينما قطع آلاف المتظاهرون طريق الأوتستراد، حاملين جراكن المياه الفارغة. وعقب وقوع حريق في قلعة الكبش، تظاهر العشرات من المتضررين من سكان قلعة الكبش واشتبكوا مع الأمن مطالبين بتسلم منازل جديدة بدلاً من المنازل التي دمرها الحريق. واحتجاجاً على عدم توفر الخبز، اقتحم عدد من سكان مدينة الفشن بمحافظة بني سويف عدة مخابز واستولوا على الخبز وأتلفوا كميات كبيرة من الدقيق.

غير أن المفاجأة الأكبر كانت ما قام به المئات من حجاج القرعة في منى، حينما تظاهروا وأضربوا عن الطعام واحتجزوا بعثة الحج الرسمية التي تركتهم في خيام مكتظة محاطين بالقذارة من كل جانب، وفوتت على الكثيرين منهم استكمال أداء مناسك الحج.

مظاهرات ضد الشرطة

رغم أن التعذيب ظل تتم ممارسته بشكل منهجي ومستمر على مدى أكثر من ربع قرن، إلا أن رد الفعل على جرائم التعذيب التي ترتكبها الداخلية كان مختلفاً في العام الماضي. فعندما قتل ضابط شرطة اثنين من البدو في سيناء في مايو الماضي، اعتصم مئات من البدو بالقرب من العريش لمدة ستة أيام، وانتهى الاعتصام باتفاق بين زعماء البدو والشرطة يقضي بالإفراج عن المحتجزين بدون محاكمة منذ أحداث تفجيرات طابا. وفي ظل عدم وفاء الداخلية بالتزامها بالإفراج عن المعتقلين تجددت الاشتباكات بين الشرطة والبدو الذين هاجموا المكاتب الحكومية ومكاتب الحزب الوطني.

وفي قرية تلبانة التابعة للمنصورة تم الاعتداء بالضرب والسحل حتى الموت على عامل حاول إنقاذ ابنة شقيقه من رجال الشرطة. وعندما علم الأهالي بما حدث تظاهروا وأغلقوا الطريق بالإطارات المحترقة وحاولوا إحراق مركز الشرطة، مما أدى إلى نزول قوة من الأمن المركزي لمحاصرة القرية.

ولا يمكن إنكار أثر هذه الاحتجاجات، حيث اضطرت الداخلية نفسها لوقف مرتكبي جرائم التعذيب عن العمل، وتم تحويلهم إلى المحاكمة وفي غضون أشهر قليلة، حصل مرتكب جريمة قتل عامل تلبانة على حكم بالسجن سبع سنوات في سابقة هي الأولى من نوعها.

مستقبل حركة الاحتجاج

تشير كافة الدلائل إلى أن العام الجديد سوف يشهد استمراراً وربما تصعيداً في حركة الاحتجاج. ذلك أن رفع الأسعار، واستكمال برنامج الخصخصة، وسوء الخدمات، والسياسات الحكومية المضادة لمصالح الفقراء، وممارسة القمع والتعذيب المنهجي، هي توجهات ثابتة بالنسبة للنظام. وربما يمثل القرار الذي صدر في الأيام الأولى للعام برفع سعر المازوت مؤشراً على نوايا الحكومة بالنسبة للعام الجديد. والجماهير، من جانبها، لم يعد لديها شيئا لتخسره.

لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو هل يمكن لهذه الاحتجاجات أن تكون القوة الدافعة في عملية تحقيق تغيير حقيقي لغالبية الفقراء والمضطهدين في هذا البلد؟ وهنا يمكن القول أن استمرار انعزال وتفرق هذه النضالات يمثل عائقاً أساسياً أمام تحولها إلى قوة دافعة من أجل التغيير. وقد شهدنا بالفعل بعض حالات التضامن، كما حدث حينما قام سائقو المترو بإبطاء الحركة تضامناً مع عمال السكة الحديد، وتضامن عمال كفر الدوار مع عمال المحلة، ووجود موظفين من الضرائب العقارية وفلاحين من كمشيش وبرج العرب مع سكان القرصاية في وقفتهم الاحتجاجية. لكن مستوى التضامن الحالي ظل في حدود ضيقة، تبعد كثيراً عن المطلوب من أجل تحول الحركة إلى قوة للتغيير. من ناحية أخرى، فقد كان الوجه الآخر لانعزال النضالات عن بعضها البعض هو افتقارها إلى التسييس، وهو ما برز في دعوة الكثير من المضربين مبارك للتدخل من أجل نيل حقوقهم، كما لو أن مبارك ليس هو من يقف على قمة النظام المتسبب في معاناة وإفقار الملايين. ومن هنا فإن العمل على توحيد هذه النضالات، وتسييسها عبر التأكيد على الصلة بين معاناة الجماهير وبين طبيعة ومصالح الطبقة الحاكمة، هو مسألة حاسمة إذا أُريد لهذه النضالات أن تتطور وتصبح أكثر قدرة على الفعل. ذلك أن استمرار النضالات العمالية والمطلبية على حالتها الراهنة من التفرق والعزلة، لا يعوق قدرتها على التغيير فحسب، ولكنه يسمح للنظام في اللحظة التي يراها المناسبة، أن يتدخل بآلته القمعية لوضع نهاية لهذه الحركة الجماهيرية، أياً كانت جسارة وإصرار القائمين بها.