بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

قانون المستشفيات الجامعية الجديد.. السيسي على خطى مبارك ولا علاج للفقراء

يصل عدد المستشفيات الجامعية في مصر 81 مستشفى جامعي وفقا لإحصاءات عام 2013، وتقدم خدمة تعليمية لحوالي 11 ألف خريج من كلية الطب وخدمة صحية لحوالي 16 مليون مواطن بنسبة 30% من إجمالي الخدمة الصحية المقدمة. كما إنها تقدم حوالي 70% من الخدمة الصحية في الحالات المرضية المعقدة، ويأتي مشروع قانون تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية الجديد الذي قدمته لجنة يترأسها وزير التعليم العالي سيد عبد الخالق لتضرب منظومة التعليم الطبي في مقتل وتتخلى بشكل صريح عن مسئولية الدولة في الإنفاق على هذا القطاع وتحوله إلى مجموعة من الوحدات الاقتصادية ذاتية التمويل تمهيدا لخصخصتها.

تنص المادة الأولى من مشروع القانون أن تكون المستشفيات الجامعية مستقلة ماليا وتعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الجامعة، كما تنص المادة 14 من المشروع على أن يكون لكل مستشفى جامعي حساب خاص بالبنك يحدده مجلس الأمناء بالجامعة بالعملتين المحلية والأجنبية، وتتكون موارده من مقابل الخدمات التي تُؤدى للغير والتبرعات التي يقبلها مجلس الأمناء وعائد استثمار الأموال الخاصة بالمستشفى، ومقابل العلاج بأجر وفقا لما يحدده المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، والمصروفات الإدارية المقررة ويصدر المجلس الأعلى لائحة تنظيم كيفية الصرف من هذين الحسابين.

وبالتالي فميزانيات المستشفيات وفقا للمشروع ستكون من الموارد الذاتية والاستثمارات من القطاع الخاص والعلاج بأجر بدون أي دور للدولة في دعمها ودون أدنى ذكر للعلاج المجاني، مما يعني أن تتحول هذه المستشفيات إلى شركات قطاع أعمال هادفة للربح وستتحول الخدمة الطبية تدريجيا إلى علاج بأجر حتى يمكن الإنفاق على التعاقدات وشراء المستلزمات والأجهزة الطبية والأدوية، كما أن المشروع سيوقف العلاج على نفقة الدولة لأنه يتم بسعر التكلفة فقط ويصل إجمالي عدد المرضى الذين تم علاجهم على نفقة الدولة بالخارج والداخل 1.6 مليون مريض بتكلفة 3 مليار جنيه عام 2013.

فالدولة تسعى وفقا لهذا القانون إلى إعادة إنتاج رؤية حاتم الجبلي، وزير صحة مبارك، بسحب ذراعها التمويلية من هذا القطاع الذي يقدم الخدمة لـ 16 مليون مواطن من محدودي الدخل، والاكتفاء بالدور الرقابي عبر مجلس الأمناء المعين بالكامل من وزير التعليم العالي، وبالتالي تحويل هذه المستشفيات إلى وحدات اقتصادية ذاتية التمويل فاتحا الباب للاستثمار بهذا القطاع وإيجاد شكل من أشكال الشراكة مع القطاع الخاص، وبالتالي رفع عبء تكلفة الخدمة عن كاهل الدولة وتحميلها على المواطن محدود الدخل بحجة تحسين الخدمة، ويعد هذا أحد أشكال تصدير الأزمة لأسفل، وتحويل الصراع من صراع ما بين الدولة والمنتفعين، إلى صراع بين مقدمي الخدمة والمنتفع مباشرةً.

كما نصت المادة الأولى من مشروع القانون أيضا على أن تكون المستشفيات الجامعية وحدات مستقلة إداريا وفنيا وتعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الجامعة، ونصت المادة الرابعة من القانون على تشكيل مجلس أعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي وعضوية كلا من ممثلين عن وزارات الصحة والتخطيط والمالية، و7 من رؤساء الجامعات يصدر بعضويتهم قرار من وزير التعليم العالى لمدة 3 سنوات بالتناوب بين الجامعات، وأمين المجلس الأعلى للجامعات، و3 ممثلين عن القطاع الطبي يصدر بتعيينهم قرار من وزير التعليم العالى لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، و5 من المديرين التنفيذيين للمستشفيات الجامعية يصدر بشأنهم قرار من وزير التعليم العالى لمدة 3 سنوات، مما يهدر تماما مبدأ استقلال الجامعات بإعطاء صلاحيات مطلقة للسلطة التنفيذية، متمثلة في وزير التعليم العالي، في اختيار المجلس كاملا وسلطات واسعة لرئيس الجامعة في اختيار مجلس أمناء كل مستشفى جامعي.

كما همًش تماما المشروع دور عمداء كلية طب، مما قلب الهرم التعليمي والبحثي، فبدلا من أن تكون المستشفيات الجامعية هي الذراع التعليمي والبحثي والتدريبي لكليات الطب، تحولت إلى مجرد تابع، وهذا الفصل بين كليات الطب وبين المستشفيات الجامعية سيؤدى إلى تقلص الأبحاث العلمية، وبالتالي تقليص فرص تدريب وتعليم طلاب كليات الطب وأطباء الامتياز والأطباء المقيمين بالمستشفيات الجامعية، وبالتالي مزيد من التدهور في مستوى الخريجين، وقد كشف رئيس القطاع الطبي بالمجلس الأعلى للجامعات الدكتور رشاد برسوم عن أن 30% من خريجي كليات الطب في مصر لا يعملون في تخصصاتهم بل في مهن أخرى من بينها العمل بالفنادق، وأن 10% منهم يحصلون على شهادات عليا، في حين يكتفى 90% بالبكالوريوس فقط، وهناك 24 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن، من بينهم 8 لا يمارسون مهنة الطب وهي نسبة اعتبرتها منظمة الصحة العالمية عقبة أمام تحقيق معدلات التغطية الوافية بالخدمات الرئيسية للرعاية الصحية الأولية حسب أولويات الاستراتيجية الإنمائية للألفية الجديدة، مما انعكس وسيرتد بالسلب على مستوى الخدمة المقدمة للمرضى الفقراء.

كما أن المشروع يطيح بفكرة العقود الدائمة مرسخا لفكرة العقود المؤقتة، فينص على فض التعاقدات القديمة مع الأساتذة والبدأ في تعاقدات جديدة مع بعض الأساتذة للعمل بالمستشفيات الجامعية، وبالتالي ستفقد المنظومة التعليمية بعض الكفاءات الهامة التي لن يتم التعاقد معها، مما سيؤثر على مستوى التعليم الطبي في مصر، كما يضع هذا المشروع الأساتذة المتعاقدين تحت رحمة السلطة التنفيذية وسلطة رأس المال ويفتح الباب لتدخل المجاملات والمحسوبية وتحريات الأمن الوطني والمخابرات.

فيما نصت المادة الثالثة عشر على ترسيخ فكر التعاقد مرة ثانية مع صغار الأطباء بتعيين الطبيب المقيم من أوائل الخريجين بكليات الطب ومعاوني أعضاء هيئة التدريس بالكلية أو المعهد لمدة 5 سنوات، ويتم التعاقد مع جميعهم لاستكمال تدريبهم وتعليمهم وفقا للضوابط المبنية بـ “اللائحة التنفيذية” وطبقا “للاحتياج الفعلي للمستشفيات بما يضمن تواجدهم على مدار الساعة”، مما يفتح الباب لسياسات الاستغلال والتطفيش لهم.

يأتي هذا المشروع ضمن توجه عام من نظام السيسي / مبارك لفتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجال الخدمات، التي قدمت سابقاً بشكل مجاني أو شبه مجاني بعد خصخصة نظم الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية وفتح الباب للاستثمار في الخدمات التي تقدم على أساس التعريفة مثل الماء والاتصالات والنقل والكهرباء وغيرها في محاولة تمرير مشروع قانون الشراكة بین القطاعین العام والخاص في البنية التحتية. هذا المشروع الذي حاول يوسف بطرس غالي وزير مالية مبارك تمريره قبل ثورة 25 يناير التي قطعت الطريق أمامه بأيام قليلة.

نرفض مشروع هذا القانون ونطالب بزيادة موازنة الصحة إلي المعايير العالمية 15% من موازنة الدولة، والنص على حق العلاج المجاني للمريض المصري ضمن منظومة واحدة للعلاج المجاني علي مستوى الجمهورية، كما نؤكد على مطالبنا بتفرغ أساتذة كليات الطب للعمل في مهامهم التعليمية والتدريبية والبحثية مقابل رواتب محترمة ضمن هيكل عادل للأجور على مستوى مصر ومنعهم من ممارسة المهنة خارج إطار المستشفيات الجامعية.