بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

معركة عمال “توزيع الخبز بالبحيرة” انتصار عمالي مهم في عهد السيسي

بعد معركة طويلة شديدة استمرت أكثر من شهرين ونصف، انتصر عمال “توزيع الخبز بالبحيرة” وألزموا الحكومة بتوزيعهم على مشروعات وجهات تابعة لها داخل محافظة البحيرة، واستلم كل العمال (3600 عامل) خطابات توزيعهم على وظائفهم الجديدة، وبدأوا العمل في بداية شهر أبريل الحالي.

بداية المعركة، وطرفين التعارك
في يوم 11 يناير 2015 تم العمل بمنظومة الخبز الجديدة بمحافظة البحيرة (نظام التموين الجديد)، تقوم هذه المنظومة على أن المواطن سيذهب إلى المخبز بنفسه ويحصل على الخبز المقرر لأسرته باستخدام بطاقة ممغنطة، وبالتالي معنى هذا هو إلغاء “مشروع الخبز” أو منظومة الخبز القديمة بالمحافظة، والتي كانت قائمة على قيام عمال (مندوبون تابعون للمحافظة، أو عقود عملهم تابعة للمحافظة، وعددهم 3600 عامل) بتعبئة وتوزيع حصة كل مواطن وأسرته من الخبز إلى منزله مقابل رسوم اشتراك شهري يدفعها المواطن أو الأسرة، هؤلاء العمال متعاقدون مع الإدارة المحلية في مراكزهم بعقود عمل مؤقتة تتبع قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الذي ينظم العمل بالقطاع الخاص وقطاع الأعمال العام.

وبالتالي أصبح المصير الواضح والحتمي أمام هؤلاء العمال هو أن الحكومة (صاحبة العمل) ستحاول تصفيتهم والتخلص منهم، وبالتالي ضياع فرص هؤلاء العمال في التثبيت داخل القطاع الحكومي وما يساويه من ضياع كل سنوات العمل داخل هذه الوظيفة (بمتوسط أجور هزيل 400 – 500 جنيه وفي أعلى مستوياته 900 جنيه لأصحاب سنوات العمل الطويلة التي تقترب من 15 سنة، ودون أجازات) التي كانت ستُمهِّد لهؤلاء العمال الوصول للتثبيت في وظيفة حكومية، وبالتالي أصبح طرفين التعارك هما: طرف عمال توزيع الخبز (العمالة المؤقتة) الذين يرغبون في استمرار عملهم داخل الجهاز الحكومي وبالتالي توزيعهم على وظائف في مشروعات أخرى تابعة للحكومة داخل المحافظة وصولاً للتثبيت داخل هذه الوظائف، والطرف الأخر هو الحكومة (صاحبة العمل) التي تريد التخلص من أي التزام تجاه هؤلاء العمال ورميهم في الشارع دون أي التزام من ناحيتها تجاههم بعد أن استخدمتهم لسنوات طويلة وحققت من ورائهم أرباح، حيث بدأ مشروع توزيع الخبز في محافظة البحيرة في عام 1996 -1997.

أول اعتصام أمام مجلس الوزراء في عهد السيسي
توجه العمال صباح يوم الأحد 18 يناير من البحيرة إلى مجلس الوزراء عاقدين العزم الشديد على الحصول على حل لمشكلتهم – وذلك بعد محاولاتهم التي لم تحقق لهم شيء والتي تمثلت في وقفة احتجاجية أمام مبنى المحافظة في دمنهور والتي قام بها العمال يوم الخميس 15 يناير، وما سبقها من وقفة احتجاجية لعمال كفر الدوار أمام مجلس مدينتهم يوم الثلاثاء 13 يناير – وتوافد مايقرب من 500 عامل من مخلتف مراكز البحيرة إلى مبنى مجلس الوزراء، وصعد وفد مكون من ثلاثة عمال إلى مجلس الوزراء للتفاوض، ولم تثمر المفاوضات أي مكسب ملموس للعمال، وفي أثناء هذا أنذر أمن مجلس الوزراء العمال أنهم إذا لم ينصرفوا بحلول الساعة 4 سيتم التعامل معهم أمنيا من قبل الشرطة، وهو ما واجههوا العمال بالهتاف “ليه بتقولي الساعة 4.. هتموت فينا بالـ 4”.

ومع حلول موعد الإنذار انصرف بعض العمال وقرر البعض الآخر الاعتصام على رصيف مجلس الوزراء، وبالفعل افترش ما يقرب من 200 عامل منهم الرصيف المقابل لمبنى مجلس الوزراء وأقاموا اعتصامهم، مما أجبر رئيس الوزراء إبراهيم محلب على التوجه لمقابلة هؤلاء العمال بشخصه في مكان اعتصامهم على الرصيف (بعد ما تأكدت له نية العمال في الاعتصام والمبيت على الرصيف أمام مجلس الوزراء)، وطلب منهم وفد مكون من 3 أفراد للتفاوض معهم، وانتهى اللقاء إلى قيام محلب بمهاتفة محافظ البحيرة وشدد عليه أن يقوم بتوزيع العمال على المشروعات المختلفة الخاصة بالمحافظة، وأبلغ محلب العمال أن يتجهوا اليوم التالي للمحافظ لمتابعة تطور وضعهم، وعلى أثر هذا الاتفاق فض العمال اعتصامهم وانصرفوا إلى بيوتهم في محافظة البحيرة.

لحظة الصدام
في صباح اليوم التالي 19 يناير، توجه مئات من العمال إلى محافظة البحيرة متوقعين قيام المحافظ بالبدء في إجراءات توزعيهم على وظائف أخرى تابعة للحكومة، ولكن فوجئ العمال بأن ردود المحافظ عليهم “بأن المحافظة لن توظف أحد، وكل ما ستستطيع توفيره هي فرص عمل في شركات قطاع خاص” وكأن شيء لم يكن، فقرر العمال تنظيم وقفة حاشدة أمام مجلس الوزراء في القاهرة في اليوم التالي وعقدوا العزم الشديد على الاعتصام أمام مبنى مجلس الوزراء حتى يحصلوا على حلول ملموسة وليس مجرد وعود.

وفي صباح اليوم التالي 20 يناير، تجمهر مئات من العمال (مايقرب من 400 عامل) أمام مبنى مجلس الوزراء واستمروا في الهتاف بشدة:
“اضرب فينا ومش هنخاف.. مش لاقيين العيش الحاف”
“احنا جايين مستبياعين.. مش راجعين من غير تعيين”
“يلا ادينا قرار تعيين.. من قدامك مش ماشيين”
“إزاي بتقولي نور عينيك.. سايبهم كده يضحوا بينا”
“لو صحيح نور عينيك.. حس بينا الله يخليك”
“يلا ياسيسي قرارك فين.. أنت رئيسي قرارك فين”

ثم لاحظ العمال تجمع قيادات من الشرطة وتحركها نحوهم، فتجمع العمال في كتلة واحدة ليستمعوا لما ستقوله قيادات الشرطة، فقامت الشرطة بإخبارهم عبر مكبر صوت أن وقفتهم غير قانونية لأنهم لم يحصولوا على تصريح بالتظاهر أو التجمهر، وأنذرتهم “إذا لم تفضوا هذه الوقفة وهذا الحشد خلال 5 دقائق سنتعامل معكم أمنياً” وهو ما واجهه العمال بالهتاف، وبدأوا في تنظيم صفوفهم، وجلست أول ثلاثة صفوف منهم على الأرض بصلابة واستماتة واستمروا جميعا في الهتاف.

وفي أثناء هذه الدقائق كانت قوات الشرطة تستعد للهجوم، ومع مرور المُهلة المحددة، بدأت قوات الشرطة في التحرك ببطء ناحية العمال المتكتلين مع بعضهم والجالسين على الأرض، وظل العمال في ثبات شديد واستماتة على حقوقهم وحقوق أسرهم، إلى أن أطلقت الشرطة أفرادها وأطلقت المدرعة لتفرق العمال وأخذت في إطلاق خرطوش الصوت لإرهاب العمال وتفريقهم، ونتج عن هذا الصدام اعتقال 37 عامل بقسم شرطة السيدة زينب بالقاهرة، وحاولت شرطة القسم التأثير على العمال وترهيبهم أثناء التحقيق وقامت باحتجازهم لعدة ساعات ثم أفرجت عنهم جميعا، ونجحت فعلا الشرطة في ترهيب بعض العمال إلا أنها في المقابل زادت مقاومة وإصرار البعض الآخر.

الفخ الحكومي الأمني
اكتشف النظام صلابة وقوة هذا الجمع من العمال فهم يتحركون بأعداد كبيرة، ويصرّون على الاعتصام أمام مجلس الوزراء، وأغلب قيادات العمال حريصة بشدة على ألا تبتعد عن قواعدها ويخبرون العمال بكل تفاصيل التفاوض وينتظرون رأي العمال الجماعي.

فقررت الحكومة التصعيد ضدهم وترهيبهم بشدة، فقامت بنصب فخ لهم، ففي يوم 21 يناير قام موظف من مجلس الوزراء بمهاتفة أحد العمال وقال له “أخبر العمال أن يتحركوا غدا للمحافظة لاستلام وظائفهم الجديدة، فقد أرسل مجلس الوزراء فاكس للمحافظة يفيد بتوزعيكم”.

وبالفعل في صباح اليوم التالي 22 بناير، تجمع المئات من العمال وتوجهوا إلى مبنى المحافظة، وقام أمن مبنى المحافظة بطلب وفد من العمال، ثم قام الأمن باحتجاز الوفد داخل مبنى المحافظة، وانطلقت قوات الشرطة في مطاردة العمال لمدة طويلة ولمسافات بعيدة عن مبنى الوزارة، لكي يرهبوا العمال، ونتج عن ذلك اعتقال 18 عامل، وعرضهم على نيابة دمنهور، والتي أفرجت عنهم في صباح اليوم التالي بدون كفالة.

بداية المكسب (التفاوض من موقع قوة): عمال كفر الدوار والاعتصام داخل مبنى ومكاتب مجلس المدينة
بعد فشل المحاولات مع المسؤولين من المحافظة ومن مجلس الوزراء، قام عمال توزيع الخبز التابعين لمركز كفر الدوار بمحافظة البحيرة بتحرك مفاجئ في بداية شهر مارس، حيث قام أكثر من 50 عامل منهم في سلمية تامة بالدخول صباحا لمبنى مجلس مدينة كفر الدوار واعتصموا بداخل مكاتب وأماكن عمل الموظفين، مما أربك الموظفين وجعلهم يتركون المكاتب والمبنى، وأعلن العمال اعتصامهم وطلبوا حضور المحافظ إلى مكان الاعتصام ليتفاوض معهم بخصوص حقوقهم ومطالبهم.

حضر مسؤول من مجلس مدينة كفر الدوار، للتفاوض مع العمال المعتصمين بعد تواصله مع المحافظ، وأخبرهم أن المحافظ خارج المحافظة، وأنه سيستقبلهم غدا بمقر المحافظة ليتفاوض معهم ويبحث سبل تحقيق مطالبهم.

وفي اليوم التالي توجه عشرات من عمال مركز كفر الدوار إلى مبنى المحافظة وصعد منهم وفد لمقابلة المحافظ، وفي أثناء المقابلة أقر المحافظ بوجود أماكن عمل شاغرة داخل إدارات ومشروعات المحافظة المختلفة، ووعد العمال شفهيا بتوزيعهم على هذه الإدارات والمشروعات خلال شهر مارس، ولكن المحافظ كان حريص على تقسيم وتفتيت جمع العمال فأصر على أن هذا الوعد هو فقط لعمال كفر الدوار (والبالغ عددهم أكثر من 400 عامل) وليس لباقي العمال في المراكز الأخرى بالمحافظة.

المزيد من الضغط وطول النفس حقق المكسب
وبعد انتزاع عمال مركز كفر الدوار من المحافظ إقراره بوجود وظائف شاغرة تابعة للمحافظة، وبعد انتزاعهم لوعده بتوزيعهم على هذه الوظائف خلال شهر مارس، إلا أن المحافظ لم ينفذ هذا الوعد، ولكن عمال كفر الدوار أصبحوا أقرب للمكسب بعد انتزاعهم كل ماسبق ذكره، وأصبحت المحافظة والنظام في حالة تهديد دائم بقيام تحركات مفاجأة للعمال في أي مركز من مراكز المحافظة.
واستمرت القطاعات المثابرة من عمال المراكز المختلفة مجتمعين، وفي مقدمتهم عمال مركز كفر الدوار في تنظيم وقفات احتجاجية بشكل دائم أمام مبنى المحافظة لإجبار المحافظ على تنفيذ وعده، وبالفعل رضخت الحكومة لضغوط العمال ولنفسهم الطويل ووعدتهم في آخر 10 أيام في شهر مارس أن سيتم توزيعهم جميعا على وظائف تابعة لجهات مختلفة تابعة للمحافظة، وبالفعل استلم كل الـ 3600 عامل وظائفهم الجديدة في بداية أبريل.

انتصار عمالي مهم في عهد السيسي
تمثل تجربة وانتصار عمال “توزيع الخبز بالبحيرة” تجربة مهمة في هذا التوقيت السياسي، فهؤلاء العمال استطاعوا أن ينتزعوا حقوقهم في ظل هجمة شرسة منظمة من جانب النظام والحكومة على حقوق العمال والحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العموم.
فالعمال استطاعت تخطي كل عقبات النظام، فلم يرهبهم التخويف الأمني والحبس، ولم يرهبهم قانون التظاهر، ولم يرضخوا لأصوات النظام الخادعة المضللة التي تدعوا إلى دفن كل حقوقنا ومطالبنا في حياة كريمة بحجة خطر الأرهاب.

واكتشفوا من تجربتهم طبيعة السلطة والنظام وموقفها المضاد لمصالح العمال، واكتشفوا قوة التنظيم والوعي والتحرك في مجموعات والاستفادة من قدراتهم وتفكيرهم الجماعي، واكتشفوا أن حقوقهم لن تعطى لهم ولكن سينتزعونها بسواعدهم فكما يقول أحد العمال الذين شاركوا في هذه المعركة “أخدنا حقنا من بُؤ الأسد”.

المعركة القادمة هي معركة التثبيت
تمثل هذه المعركة مرحلة أولى بالنسبة لعمال توزيع الخبز بالبحيرة، وينتظر هؤلاء العمال هم وزملائهم الجدد في أماكن عملهم الجديدة وكل العمالة المؤقتة في مصر، معركة جديدة أقوى وأوسع هي معركة الحق في التثبيت والحصول على عقد عمل حكومي دائم، والتي ستنفجر بعد شهور قليلة أي مع بداية السنة المالية الجديدة، وعلى العمال الاستفادة من الخبرات النضالية لأنفسهم ولزملائهم، وبالتالي ستمثل تجربة وانتصار عمال “توزيع الخبز بالبحيرة” في هذا التوقيت السياسي تجربة ثرية بالدروس والتفاؤل.