هذه هي جريمة القيادي العمالي سعيد شحاتة
يتواصل احتواء نظام الثورة المضادة للقيادات الاجتماعية، ويتواكب مع حملته المسعورة المتواصلة يوميًا على الشباب الثوري، والتي كان أخرها أمس الخميس بالقبض على الطبيب الثوري وعضو لجنة الحريات بنقابة الأطباء طاهر مختار من منزله.
فالأمس أيضًا، والأمر ليس مصادفة بالتأكيد، أُلقيَ القبض على سعيد شحاتة القيادي العمالي بالشركة العربية للغزل والنسيج “بوليفارا” بالإسكندرية، وقررت النيابة حبسه لمدة 15 يومًا بتهمة اشتراكه في مظاهرة منذ شهر.
وكما كان مختار مناضلًا شرسًا، شارك بقوة في ثورة يناير متصديًا للثورة المضادة منحازًا للكادحين والمضطهدين، ومدافعًا صلبًا عن حقوق العاملين بالصحة، كان سعيد أيضًا مشاركًا في ثورة 25 يناير بالإسكندرية، وعقب الثورة التي مهَّد لها مع قطاعات عريضة من الطبقة العاملة بإضراباتهم الطويلة، سعى سعيد إلى إنشاء حزب للطبقة العاملة.
فانضم إلى حزب العمال الديمقراطي تحت التأسيس بغية أن يكون للعمال صوتًا سياسيًا مؤثرًا، بعد أن باعت الأحزاب الإسلامية والليبرالية مصالح العاملين بأجر وبدأت اسطوانة “الاضرابات الفئوية”. وبرغم أن تجربة حزب العمال، التي كان سعيد واحدًا من أهم المتحمسين لها بالإسكندرية، لم تُكلَّل بالنجاح، إلا أنه لم يُحبط، فانخرط في تجارب سياسية وعمالية كثيرة وكان موجودًا في كل مبادرة لتوحيد عمال الغزل والنسيج، وتَحَرَك مدافعًا، وسط عماله، عن مستقبل شركته من التخسير المتعمد، فكان جزاؤه الفصل من العمل بتهمة التحريض على الإضراب.
ورغم الظروف الصعبة، وهو الأب والعائل لأسرة كل دخلها يعتمد عليه، لم يرفع الراية البيضاء، فعندما عاد شحاته إلى عمله مرة أخرى بحكم المحكمة بعد 3 سنوات من المعاناة، واصل مشواره رغم إحباطه، في توعية العمال وتوصيل مشاكل شركته، وحتى اليوم أذكر آخر اتصال تليفوني بيننا، وهو يطلب مني المساعدة في الظهور إعلاميًا ليكشف الفساد في زمن كَممت فيه الثورة المضادة الإعلام والصحافة أو كادت.
كما رفع سعيد قضية في مجلس الدولة، ضد قرار مجلس الوزراء بتخصيص شركة بوليفارا وبيعها للقطاع الخاص.
ولأن سلطة رأس المال الحاكمة ترفع شعار الليبرالية المتوحشة، وتهجم بشدة على حقوق العمال وتصادر حقهم في التنظيم، فقد شهدت الشركة احتجاجات وإضرابات عمالية واسعة خلال الفترة الماضية، اعتراضًا على استمرار قيادات بالشركة في مناصبهم، وأيضًا للمطالبة بحقوق مالية ولمواجهة قرارات إغلاق الشركة المتكررة.
وفي إطار هذه الاحتجاجات، أُلقيَ القبض على سعيد الشهر الماضي من وقفة احتجاجية لعمال الشركة، وتم احتجازه لمدة 24 ساعة قبل أن يُخلى سبيله.
وسعيد، العامل الشهم والجدع، لم يكن أول قائمة المُستهدَفين من القيادات العمالية ولن يكون آخرها، فمن قبل اعتُقل القيادي العمالي محمد زكي بشركة بتروتريد لمدة خمسة شهور، ومن قبله اعتُقل القيادي العمالي بالمطار محمود ريحان لمدة 3 شهور وكلها كانت تهمًا ملفقة هدفها ترويع العمال وقياداتهم.
وعلى الرغم من ذلك، فإن تقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2015 يشير إلى أن مصر شهدت في ظل هذه القبضة الأمنية الشرسة نحو 1117 احتجاجًا ضد سياسات التجويع والفساد.
والمعنى أن تدهور الأوضاع المعيشية والسياسات المنحازة لكبار الضباط ورجال الأعمال أدت إلى تزايد الاحتجاجات وبدء تغيير المزاج الشعبي، بعد أن تكشف للعمال أن النظام العسكري لا يعبر عنهم، ولن يحقق طموحاتهم، بل أنه سيصل بهم إلى الحضيض فخرجوا للمقاومة، التي مازال أمامها الكثير لكي تكون مؤثرة.
ويبدو أن النظام أراد أن يستغل أجواء الفزع التي أطلقها من ذكرى 25 يناير لكي يرهب العمال ويفرمل نضالهم المتزايد، فضرب ضربته، ولكننا نبشره أن آماله ستتبدد من جديد، لأسباب عديدة من أهمها أن القمع، حتى لو أثر مؤقتًا فلن يدوم تأثيره طويلًا، أمام طفل يهفو لكوب لبن، وتلميذ لا يستطيع دفع مصاريف الدروس الخصوصية، وشاب يتطلع لعمل.
غير أن عمال بوليفارا والغزل والنسيج، الذين يعد سعيد واحدًا من قياداتهم، عليهم الآن إلى جانب القوى السياسية والحقوقية المنحازة للعمال، واجب التضامن الفعال مع شحاتة، بكل الطرق للضغط من أجل إخراجه، عقب عودتهم للعمل.
وكذلك توجد أهمية لإعاشة أسرته، عبر جنيه من كل عامل بالشركة، ومتابعته في زنزانته، تمامًا كما تعلمنا من العمال المناضلين في الأربعينيات والسبعينيات وغيرها، هكذا يتولد التضامن ويشعر العمال بقوتهم كطبقة اجتماعية لها دور وقادرة على التأثير في المشهد السياسي خصوصًا لو استكملت تنظيمها النقابي والسياسي.
وأخيرًا، آن الأوان، انطلاقًا من خبرة مواجهة الثورات المضادة في دول شتى، من أن تعمل القوى السياسية والاجتماعية على حملة مقاومة لمناصرة المعتقلين من عمال ومثقفين ثوريين وطلاب.. حملة تقاوم وتفضح توحش السلطة ونظامها، حملة تُمهِّد الطريق لكسر سلطة الثورة المضادة وتستعيد ثورة يناير من جديد.