الدولة تفترس العمال
تضامنًا مع النقابات المستقلة والقيادي العمالي سعيد شحاتة

عامان قد انقضيا على الجملة الشهيرة لعبد الفتاح السيسى قائد الثورة المضادة “هتاكلوا مصر يعني”، تلك العبارة التي كشفت نظرة النظام للعمال، فالدولة لا تخشى تزايد نفوذ أصحاب الشركات والمصانع ولا تراكم أعمالهم بل تراهم رجالًا “وطنيين” مشاريعهم “تنهض بالوطن”.
بينما ترى الدولة في العمال غولًا قد يلتهم ثروات البلاد. لكن عن أي ثروات يتحدثون؟ هل عن تلك المليارات التي هرَّبها رجال مبارك إلى خارج البلاد ولا تسعى الدولة لاستردادها حتى بل صدرت الأحكام القضائية، لتبرئ ساحة هؤلاء اللصوص وتعيد لهم حرية التصرف في أموالهم وأملاكهم المسروقة من ميزانية الدولة وعرق العمال؟ أم تلك الضرائب التي تُقدر بالمليارات التي يُعفى رجال الأعمال منها في حين ترفع الدولة الدعم عن السلع الأساسية وتطالب المواطنين البسطاء بالتقشف؟ أم تلك الناتجة عن خصخصة وبيع شركات ومصانع القطاع العام وتشريد العمال لأجل استرضاء المستثمرين؟
تشير أصابع السيسي بالاتهام إلى العمال والنقابيين وكل من ينادي بالعدالة الاجتماعية أو الحرية، إذ يعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا وصريحًا لمصالحه واستمراريته في السلطة.
الهجوم على النقابات المستقلة
لم يكن انقلاب السيسي على ثورة يناير فقط بالاستيلاء على الحكم والقمع والمجازر الدموية واعتقال النشطاء وسياسة الانتقام من كل الفصائل المشاركة في الثورة، بل أيضًا بالانقضاض على مكتسبات الثورة وأخص منها الحق في التنظيم والعمل النقابي وقانون الحريات النقابية والحق في إنشاء النقابات العمالية المستقلة.
لم تسلم النقابات المستقلة منذ الاعتراف بها من قبل الدولة من التشويه والهجوم عليها، لأنها تعد شوكة في حلق مستغلي العمال والحكومة المنحازة لرجال الأعمال، فتارة تُتهم بالتمويل الخارجي وتخرج دعوات مطالبة بفرض رقابة على تمويلها ونشاطها، وتارة أخرى تُتهم بتفتيت الحركة العمالية والوقوف ضد استقرارالوطن.
نجد الاتحاد العام للنقابات يطالب بحل النقابات العمالية المستقلة وعدم الاعتراف بها ويدعو لاعتبارها منظمة غير قانونية وليس لها الحق بتمثيل العمال، في حين أن الاتحاد منذ تأسيسه كان – ولا يزال – تابعًا للحكومات والأنظمة واحدة تلو الأخرى، ولطالما استُخدمَ في تقييد الحركة العمالية وتنفير العمال من المطالبة بحقوقهم تحت مسمى “إنكار الذات” و”تفضيل المصلحة العامة”.
خير مثال ذلك هو المبادرة التي كان الاتحاد العام الأصفر قد تقدم بها لوقف الإضرابات والاعتصامات لمدة عام ووصفها بالفئوية. كانت الأصوات تتعالى في تلك الفترة للهجوم على النقابات المستقلة وحق العمال في إنشاء كيانات تضمهم وتعبر عن مطالبهم باستقلال عن الدولة داخل الشركات والمصانع، بالتزامن مع الهجمة الشرسة على منظمات المجتمع المدنى والمراكز الحقوقية بالإغلاق حينًا، كمركز النديم للتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب، وباستدعاء المؤسسين حينًا آخر، كما حدث مع مركز نظرة للدراسات النسوية وغيرها من المراكز.
يعمد النظام أيضًا إلى تشويه المراكز الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، لأنه لا يريد، من أيٍ من كان، أن يحاسبه. أما عن البرلمان الصوري، فدوره هو التهليل للإنجازات الوهمية وتمرير القوانين المجحفة. والإعلام ينحصر دوره في إثارة الفزع من الإرهاب والمؤامرة الخارجية أو التخويف من السيناريو السوري والعراقي كلما ثارت ثائرة الشعب، فبالتالي يعادي وينتقم من كل من يحاول فضحه وتعريته أمام الجماهير.
عم سعيد شحاتة
في ظل سياسات تكميم الأفواه الحالية، لا يعد حبس القيادي العمالي سعيد شحاتة خارجًا عن المألوف. سعيد شحاتة هو عامل ثوري بشركة الغزل والنسيج بالإسكندرية (بوليفارا) حارب مع زملاءه العمال ضد خصخصة الشركة وضد الفساد، وتم فصله في عام 2010 قبل ثورة يناير لنشاطه في ملف حقوق العمال، ثم عاد إلى عمله مع قيام الثورة، ومع تقدم الثورة المضادة يُصنف عم سعيد خطرًا على مصالح الدولة وعلى تربحها غير المشروع من قوت العمال.
أُلقيَ القبض على عم سعيد في 14 يناير الماضي من منزله بمنطقة أبي سليمان (شرق الإسكندرية)، واقتيد لقسم الدخيلة (غرب الإسكندرية) وذلك قبل يوم واحد من موعد المزاد العلني المقرر لبيع أراضي تابعة للشركة وخصخصتها. كان عمال الشركة قد قرروا تنظيم وقفة احتجاجية في نفس يوم المزاد العلني اعتراضًا على البيع والخصخصة.
أُسندت إلى عم سعيد اتهامات بالمشاركة في مظاهرة يوم 3 يناير الماضي في أبي يوسف بمنطقة العجمي (غرب الإسكندرية)، والاعتداء على نقطة شرطة، بناءً على تحريات الأمن الوطني، باشتراكه هو وآخرين في المظاهرة التي على إثرها صدر أمر من النيابة العامة بضبط، كما اتُهمَ أيضًا بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. حُقق معه من قبل نيابة الدخيلة بناءً على الاتهامات الموجهة إليه من محضر الضبط (37 أحوال/ 49 إدارى الدخيلة لسنة 2016) وتقرر حبسه 15 يوم على ذمة القضية.
منذ تاريخ ضبطه وإحضاره، يبقى عم سعيد حتى الآن في الحبس الاحتياطي باستمرار التجديدات، رغم أن باقي المتهمين في القضية، والذين أُلقيَ القبض عليهم يوم الواقعة (عددهم 3 أُخلى سبيلهم بكفالة 3000 جنيه). لكن النظام لا يريد الإفراج عن عم سعيد حتى يتمكن من خصخصة الشركة دون مقاومة عمالية تذكر.
نُقلَ عم سعيد إلى سجن برج العرب في آخر شهر فبراير الماضي بعد قضائه حوالي 40 يوم في قسم الدخيلة. وبتاريخ 7 مارس، تقدم محامي عم سعيد بطلب استئناف على القرار الصادر بحبسه نظرًا لسوء حالته الصحية وتدهورها المستمر منذ اعتقاله، فهو يعاني من من أمراض في الصدر والقلب وقرنية العين، بالإضافة إلى ضعف بصره. تدهورت الحالة الصحية لسعيد شحاتة في السجن ونُقلَ إلى مستشفى السجن التي تقدم له علاجًا غير مناسب طبيًا لحالته مما كاد يؤدي إلى الوفاة.
عم سعيد ضحية من ضمن كثيرين من المعتقلين الذين يعانون من جريمة الإهمال الطبي في السجون، كالصحفي يوسف شعبان الذي مُنِعَ عنه الدواء لفترة طويلة رغم إصابته بفيروس الكبد سى مما أدى إلى تدهور حالته ودخوله في إغماءات متكررة. وكذلك الصحفي محمود أبو زيد (شوكان)، المصاب أيضًا بفيروس سي. ونقلا عن الحقوقية البارزة في مركز الندين، تم رصد 307 حالات إهمال طبي منذ بداية 2015 حتى نهاية نوفمبر، إضافةً إلى وفاة 77 شخصًا بأماكن الاحتجاز بسبب الإهمال الطبي.
أبلغ عم سعيد أسرته والمحامي بذلك في ميعاد التجديد الأخير، 15 مارس، وبناءً عليه تم تقديم طلب لعلاجه خارج السجن على نفقة أسرته، ولكن رئيس النيابة الجزئية رفض استلام الطلب وقال أن الطلب يُقدم إلى النيابة الكلية، فتم تقديم الطلب ولم يتم الرد عليه حتى الآن، وسوف يُقدم طلب آخر مع استمرار تدهور صحته وزيادة احتمالية تعرضه للخطر، فرجل في الخامسة والأربعين من عمره يبدو كمن تعدى الستين من الشقاء والمعاناة والذبول.
يرقد عم سعيد مريضًا وحيدًا في عتمة الزنزانة، بينما تستعد شركة بوليفارا للبيع، وما زال قرار خصخصتها وعرضها في المزاد قائمًا. ويزداد حال عمال الشركة بؤسًا؛ فالشركة متوقفة عن العمل منذ ثلاثة أشهر، ولم تُصرف مرتبات العمال حتى هذه اللحظة رغم احتجاجهم. وجاء اعتقال عم سعيد لترويعهم ولتفكيك العمال وتخويفهم من بطش النظام إن حاولوا منع بيع الشركة أو المطالبة بحرية عم سعيد شحاتة أو بصرف رواتبهم.
كفوا أيديكم عن سعيد شحاتة وعن عمال مصر، فالنظام بتلك السياسات النيوليبرالية المتوحشة التي يتخذها يعجل بحفر قبره.