الأطباء بين جمعيتين عموميتين

بعد جمعية عمومية حاشدة حضرها ما يزيد عن 10 آلاف طبيب في شهر فبراير الماضي، وسط تطلعات عالية للجميع، تسود اليوم حالة من الإحباط بين قطاعات كبيرة من الأطباء، إلى درجة التشكك في اكتمال نصاب الجمعية العمومية العادية المزمع انعقادها الشهر الجاري.
ماذا حدث في هذه الفترة الوجيزة، وكيف أدار مجلس النقابة المعركة حتى ينقلب الحال بهذا الشكل؟
أطباء بلا حقوق والوصول لمقاعد مجلس النقابة
على مدار أعوام طويلة، ناضلت حركة “أطباء بلا حقوق” دفاعًا عن حقوق الأطباء، لتخلق رصيدًا ضخمًا وسط قطاعات واسعة من الأطباء والعاملين بالمهنة ساهم في وصولهم لمقاعد مجلس النقابة في 2011، ثم سيطرتهم تمامًا بعد انتخابات 2013 و2015، وكان ذلك بالطبع على حساب تيار الإخوان المسلمين الذي كان مسيطرًا لسنوات طوال.
إلا أن السيطرة الكاملة لتلك الحركة النقابية على مجلس النقابة لم تتحقق إلا من خلال تحالفات انتخابية واسعة في انتخابات مقاعد النقابة العامة والنقابات الفرعية، بين الحركة وعناصر محسوبة على الدولة وداعمة صراحة لنظام دولة 30 يونيو، خلال انتخابات التجديد النصفي نهاية عام 2013، لتتمكن بذلك من إقصاء جماعة الإخوان المسلمين بصورة كاملة تقريبًا، وقامت الحركة بذلك بالتوازي مع فصل واستبعاد كوادرها الأكثر جذرية ممن وقفوا ضد عقد هذه التحالفات.
وبالفعل وكما فعل الإخوان في المجالس السابقة من اختطاف للنقابة، فقد اختطف مجلس النقابة الجديد المجلس في الاتجاه المضاد للإخوان، فغضوا الطرف عن مجازر المستشفيات الميدانية في رابعة والنهضة ومسجد الفتح، وتجاهلوا اعتقالات بالجملة للعديد من الأطباء، حتى بلغ الأمر عدم التضامن حتى مع أعضاء من مجلس النقابة العامة والنقابات الفرعية تم اعتقالهم. واستمرارًا لنفس المسار الذي فرضه السقف المنخفض والتحالفات القائمة، وقف المجلس ضد إضراب الأطباء في مارس 2014، ولم يقدم العون للجنة الإضراب التي شكلتها الجمعية العمومية من خارجه، بل تجاهل كذلك قرارات جمعية عمومية تالية أقرت ضم أعضاء المجلس للجنة الإضراب لإجبارهم على العمل وتقديم العون للإضراب، كما استضافوا وكرموا وزير الصحة المحوَّل للجنة آداب المهنة من قبل لجنة الإضراب في يوم الطبيب 18 مارس.
لا يمكن قراءة هذا بمعزل عن الوضع السياسي العام الذي كان فيه اليسار الإصلاحي جزءًا من حكومة الببلاوي التي أقرت قانون منع التظاهر وغضت الطرف عن مجازر العسكر ضد الإسلاميين، في تسييسٍ واضح لنقابة الأطباء لا يختلف عما قام به الإخوان ضد إضراب 2012 خلال حكم مرسي.
انتخابات 2015 وصعود البيروقراطية النقابية
مع صعود المجلس الجديد بعد انتخابات أكتوبر 2015 التي حقق فيها تيار “بلا حقوق” الأغلبية الساحقة، كان هناك في العمق تحالفٌ من نوع جديد يتشكل، فالقيادة القديمة صاحبة التاريخ النضالي الطويل رأت بعدما تخلصت من قواعدها الأكثر راديكالية في 2013 – الأمر الذي خلق حالة كبيرة من الفراغ – ضرورة ملئ الفراغ بتحالف جديد يضم قطاعات الأطباء التي تفتقد للتجربة النقابية الجذرية والخبرة النضالية الطويلة، والأهم الرؤية السياسية الشاملة، مما عزز من الجناح البيروقراطي والإصلاحي داخل المجلس، ليتصدر الدكتور حسين خيري، المعادي بوضوح لفكرة الإضراب، المشهد إلى جوار منى مينا وإيهاب الطاهر.
جرى هذا في الوقت الذي كانت فيه تحالفات 30 يونيو على المستوى السياسي العام قد تفككت، وتمت الإطاحة بالجناح الإصلاحي من المشهد السياسي والبرلمان، وبدأت التهديدات الصريحة والمبطنة للنقابيين، وأظهر النظام وجهه القبيح للإصلاحيين بكل وضوح، مما خلق جفوة شديدة مع نظام السيسي وركود كان يحتاج بعض من الضغط المحسوب لتحريكه.
كانت هذه هي الصورة لحظة أحداث مستشفى المطرية التعليمي: دار الحكمة يسيطر عليه تحالف نقابوي وإصلاحية بيروقراطية، ولحظة جفوة شديدة وانكشاف بين الإصلاحيين والنظام.
أما على مستوى قواعد الأطباء في المستشفيات، فقد كان لتراكم النضال لسنوات أثرًا كبيرًا في الارتفاع بمستوى وعي عموم الأطباء حول مفهوم العمل النقابي، وبجانب تزايد حدة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الطبيب كجزء من المجتمع ككل، فقد شكَّلَ توحش الداخلية حافزًا قويًا آخر خاصةً بعد تزايد حالات تعدي الداخلية على الأطباء في الشهور الأخيرة، بقتل طبيب الإسماعيلية البيطري ثم قتل طبيب الفيوم، واعتقال الطبيب أحمد سعيد والطبيب طاهر مختار.
كل هذا خلق حالة تراكمية من الغضب لدى عموم الأطباء وكانت أحداث مستشفى المطرية الشرارة التي فجرت هذا كله.
قبل الجمعية العمومية
أكدت النقابة وقوفها بكل قوة بجانب الأطباء وحقهم في الامتناع الاضطراري عن العمل لحين اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه بلطجة أمناء الشرطة وحماية المستشفى بشكل حقيقي، وأصرت على محاكمة أمناء الشرطة بتهمة البلطجة واستغلال النفوذ والترويع والتعدي على الأطباء أثناء تأدية عملهم، فأعلنوا الإضراب في مستشفى المطرية ودعوا لجمعية عمومية طارئة بعنوان “كرامة الطبيب” يوم 12 فبراير للتدارس حول سبل التصعيد ضد ما قام به أمناء الشرطة.
كما توجه وفدٌ من النقابة إلى مكتب النائب العام للمطالبة بفتح تحقيق فوري في القضية والاجتماع ببعض النواب البرلمانيين، وهو موقف نقابي صلب بلا شك. إلا أن معظم أعضاء المجلس كانوا، نتيجة للتركيبة السابقة، في حالة تردد حول كيفية التصعيد وطبيعة المطالب التي سوف يتم طرحها على الرأي العام في الجمعية العمومية القادمة، متأرجحين بين الفكرالنقابي البيروقراطي الذي يريد أن يبتعد عن السياسة حتى لو بلغت السياسة المستشفيات وداست على رؤوس الأطباء، وبين غضب الأطباء العارم والواقع الذي تتحطم عليه يوميًا أوهام الفصل بين العمل النقابي والعمل الديمقراطي العام.
يوم الجمعية
في جمعية تاريخية فاقت توقعات الجميع، حضر 10 آلاف طبيب، سبقتهم حملة تضامن ضخمة من كافة قوى المجتمع المدني، وارتفعت هتافات الأطباء ترج شارع القصر العيني “الداخلية بلطجية”، وظهرت لافتات الحرية للأطباء المعتقلين أمام النقابة لا تفرق بين طبيب إخواني وطبيب يساري وطبيب لا ينتمي لأي فصيل سياسي. ولكن مجلس النقابة كان له رأي أخر.
فمنذ البداية، وقبل انعقاد الجمعية، توجه نقيب الأطباء إلى عناصر الداخلية عابرًا الطريق ليصافحهم باعتبار أن ما حدث من أمناء الشرطة أحداث فردية لا تمثل الداخلية، وهو الموقف الذي أشادت به صفحات الفيسبوك الخاصة بالأمن، وتكررت تلك الرسالة في الداخل عندما أعلن الدكتور إيهاب الطاهر عن منع الداخلية لتركيب المولد الكهربائي الاحتياطي، مما كان يعني وجود النية لقطع التيار الكهربائي عن الجمعية، مما زاد من غضب الأطباء وهتفوا “الداخلية بلطجية”، فارتفع صوت المنصة بالهتاف “مهنية، مهنية” لإسكات من في القاعة.
كما جاء الموقف من المعتقلين كذلك في غاية السوء، فقد قام المجلس بإنزال لافتة “الحرية للأطباء” بحجة عدم تسييس الجمعية، كما رفضت منى مينا وكيلة المجلس الطلب الذي تقدم به أطباء لضم قضية الأطباء المعتقلين دون وجه حق لمناقشات الجمعية، متعللة بأنها تحدثت عنهم في مؤتمر سابق في نقابة الصحفيين.
ومع استمرار فاعليات الجمعية، ظهر بوضوح أن المجلس لم يُعِد أي شكل من أشكال التصعيد، وجاء اقتراح من أحد أعضاء النقابات الفرعية بتقديم العلاج المجاني ليُطرح بشكل عشوائي ودون آليات لتنفيذه كما قال صاحب الاقتراح نفسه. لكن هذا الاقتراح كان فيما يبدو طوق نجاة للمجلس، فدفع أعضاء المجلس بكل قوتهم للتصويت عليه، بدءًا من تأكيدهم مرارًا على صعوبة تنفيذ إضراب ناجح دون إعداد وتجهيزولجان، إلخ، وانتهاءً بتهديد نقيب الأطباء بالاستقالة إذا أقرت الجمعية قرار الإضراب، لينتهي الأمر باتخاذ قرار تقديم العلاج المجاني بالكامل، دون العمل على وضع آليات أو لجان أو خطة حقيقية لتنفيذه.
لماذا انتهى قرار تقديم العلاج بالمجان إلى لا شيء؟
ربما يبدو للوهلة الأولى أن تقديم جميع الخدمات الطبية بالمجان للمواطنين هو إجراء أضعف من تنفيذ إضراب عن العمل في المستشفيات وأقل تحديًا للدولة، أو ربما هذا ما تصوره أعضاء مجلس النقابة أثناء الجمعية العمومية فتلقفوا الاقتراح هربًا من التورط في تنظيم إضراب مشابه لإضرابات الأعوام السابقة. لكن في حقيقة الأمر، فإن تفعيل مثل هذا القرار يعني ما هو أكثر بكثير من الإضراب الذي هو في جوهره (الامتناع عن العمل) ويتجاوزه إلى العمل وفق السياسة والأهداف التي يضعها العاملون أنفسهم، بمعنى الإدارة الذاتية للمنشأة أو المؤسسة من العاملين فيها رغمًا عن الدولة، وهو في ذلك يمثل تحديًا أشد وطأة من الإضراب وأكثر قوة وأعظم تأثيرًا.
لكنه في المقابل يتطلب لتنفيذه على أرض الواقع أكثر من مجرد قرار يكتفي مجلس النقابة بإعلانه، أو وضع “بروتوكول” على الورق للاسترشاد كما حدث.
ولفهم صعوبة تفعيل مثل هذا القرار، علينا تسليط الضوء على الأشكال الرئيسية للخدمات العلاجية التي تقدمها المستشفيات الحكومية. بشكل عام ومختصر، تقدم المستشفيات الحكومية 3 أنواع رئيسية من الخدمة: النوع الأول هو “خدمة العلاج المجاني للحالات غير الطارئة”، والمقصود بهذه الحالات هي الأمراض التي لا تشكل تهديدًا للحياة أو يُحتمل حدوث مضاعفات شديدة بسببها، ولا تتطلب التدخل الطبي الفوري. وهذه الخدمة تُقدم في ساعات العمل الرسمية نهارًا، ويتلقى فيها المريض الفحوصات والعلاج مقابل تذكرة بقيمة جنيه أو اثنين في أغلب المستشفيات، وإذا استدعت الحالة فقد يتم حجزها بالقسم الداخلي بالمستشفى تمهيدًا لإجراء تدخل جراحي أو لتلقي المزيد من العلاج.
النوع الثاني من الخدمة العلاجية هي خدمة “استقبال الحالات الطارئة والحوادث”، وهي خدمة يتم تقديمها على مدار الـ 24 ساعة طوال الأسبوع ولا تتأثر بالعطلات الرسمية، وهي تختص بالحالات التي تتطلب التدخل الطبي الفوري، وهذه الخدمة مجانية بالكامل.
أما النوع الثالث فهو الخدمة الطبية بمقابل أو “العلاج الاقتصادي”، وهي خدمة تُقدم بمقابل مادي يدفعه المريض بشكل مباشر، أو بصورة غير مباشرة من خلال التأمين الصحي أو بعد الحصول على قرار بالعلاج على نفقة الدولة.
لكن بالرغم من وجود الخدمة الطبية المجانية بشكل عام، فإن المريض قد يضطر إلى اللجوء لتلقي الخدمة بمقابل، نتيجة أسباب لا حصر لها، منها على سبيل المثال عدم توفر أنواع معينة من الأدوية أو الفحوصات في القسم المجاني، أو نفاد أنواع أخرى وعدم كفايتها، أو تكدس الأقسام الداخلية المجانية في المستشفيات وعدم وجود أَسرَّة، وغيرها من الأسباب.
من هنا يتبين بسهولة أن مجرد اتخاذ قرار بتقديم الخدمات الطبية بالمجان لا يعني أكثر من مجرد الإعلان عن الالتزام بتنفيذ القرارات الوزارية المنظمة لعمل المستشفيات الحكومية، أي لا يضيف جديدًا، إلا إذا تمت تغطية القصور في الخدمة المجانية من خلال الاعتماد على الموارد المتوفرة في الأقسام “الاقتصادية”، وهنا تكمن الصعوبات الجمة، فالقواعد المنظمة للعمل داخل المستشفيات تفصل فصلًا تامًا ماليًا وإداريًا ودفتريًا في تقديم الأنواع السابقة الذكر من الخدمات الطبية، بمعنى أن في كل مستشفى تتواجد صيدليات ومخازن مستقلة ومنفصلة تماما للأدوية والمستلزمات المخصصة لكل نوع من تلك الخدمات الثلاث، وهي عهدة منفصلة يوقع باستلامها صيادلة وفنيون أو تمريض مختلفون لكل نوع، وبناءً على ذلك فلا يمكن لصيدلي في القسم الاقتصادي مثلًا أن يقوم بصرف دواء ما مقيد في دفاتر القسم الاقتصادي دون أن يتلقى إيصالًا أو ما يفيد بدفع المقابل المادي له، وإلا وقع تحت طائلة القانون بتهمة التبديد أو الاختلاس.
يتضح بذلك إلى أي مدى يمثل قرار (ذو معنى) بتقديم كامل الخدمة الطبية مجانًا تحديًا سافرًا للدولة وقوانينها ولوائحها، وكيف يتطلب تطبيقه سيطرة كاملة على المستشفيات، وتنحيةً تامةً لإداراتها، وهو ما يستحيل تنفيذه دون لجان إدارة بديلة قوية وثورية في كل مستشفى، وتنسيق كامل مع كل الفريق الطبي وممثليه من صيادلة وتمريض وفنيين، وحتى الموظفين، ودعاية ضارية تكسب المرضى لصالح تلك الإدارات البديلة وتحث المواطنين والرأي العام على حمايتها وعدم السماح بالتنكيل بها.
باختصار، فإن تنفيذ هذا القرار بشكل واقعي يتطلب جهدًا وإعدادًا يفوق بكثير ما يتطلبه تنفيذ إضراب على مستوى الجمهورية، وهو ما لم يلتفت له مجلس النقابة في حينه، ولم يحاول القيام به بعد ذلك، واكتفى بمجرد توجيه مكاتبات تنصح ببعض الحيل التافهة غير العملية للأطباء للإفلات من المساءلة القانونية عند تقديم العلاج المجاني للمواطنين من خلال صيدليات قسم “الاستقبال والطوارئ” الفقيرة أصلًا، دون الاقتراب من موارد الأقسام الاقتصادية، لينتهي الأمر إلى شكل دعائي مفرغ من أي مضمون، ودون أي فارق محسوس لدى المرضى أو حتى الأطباء الذين كانوا على استعداد كبير لتحدي الحكومة قبل جمعيتهم العمومية وخلالها، ثم فوجئوا بقرارات لا تعني أكثر من تنفيذ القواعد الحكومية والوزارية للعمل، ومع قيادات نقابية لم تجهد نفسها فيما هو أكثر من إرسال فاكسات بـ”بروتوكول” مكتوب للمستشفيات، وحتى هذا الأخير فطن الأطباء سريعًا إلى أنه لا يقدم شيئًا غير إيهام المرضى بأن الأطباء “يفعلون شيئًا مختلفًا” من خلال إجبار المرضى على التوجه لقسم الاستقبال للحصول على تذكرة مجانية بدلًا من دفع جنيهًا واحدًا قيمة تذكرة العيادات الخارجية، لينتهي الأمر بالأطباء بتجاهل كل ذلك بعد أيام قليلة جدًا، كما فعلت الدولة تمامًا، تاركًا لديهم قدرًا كبيرًا من الإحباط، وقدرًا آخر من الدهشة تجاه التصريحات والنسب التي كان ينشرها مجلس النقابة عن “شيء مبهم” يتم تنفيذه بشكل ممتاز في المستشفيات تحقيقًا لقرارات الجمعية العمومية.
النتائج
كان صدى الجمعية واسعًا وقويًا للغاية، ورجّ الحكومة بشدة مما دفعها في البداية إلى تحديد موعد للقاء أعضاء مجلس النقابة مع رئيس الوزراء، وهو ما تم التراجع عنه لاحقًا واستبداله بلقاءٍ مع وزير الصحة، وهو ما تم التراجع عنه أيضًا بعدما تكشَّف للحكومة يومًا بعد يوم مدى ضعف القرارات الصادرة عن الجمعية واقعيًا، وتردد المجلس وعدم جديته في تنفيذها، ومن ثم تجاهلت الحكومة الأمر بشكل واضح، كما جاء أخيرًا قرار عبد الفتاح السيسي بالتجديد لوزير الصحة الذي حولته الجمعية العمومية للجنة آداب المهنة تتويجًا لهذه الاستهانة.
كانت الجمعية العمومية الأخيرة فرصة كبيرة لخلق جبهة تنسيقية بين مقدمي الخدمة الصحية، وجبهة مجتمعية مع باقي النقابات وقوى المجتمع المدني والقوى السياسية المتضررة من عسف الداخلية وبلطجتها، مما كان قد يساهم في فتح أفق كبير أمام تشكيل قوة ضغط جماهيرية حقيقية تستطيع الوقوف ضد الاستبداد العسكري النيوليبرالي الذي يحاول إحكام قبضته على المجتمع، والذي ستكون الحريات النقابية وحقوق الأطباء في مقدمة المتضررين منه، وهي الفرصة التي أضاعها النهج البيروقراطي المنغلق منخفض السقف الذي اتخذه المجلس في التعامل مع الأزمة.
كما أن ما حدث يهدد بشكل خطير دور نقابة الأطباء في الوقوف ضد مشاريع القوانين الهادفة إلى خصخصة القطاع الصحي، مثل قانون التأمين الصحي الجديد، والقانون الجديد لتنظيم العمل في المستشفيات الجامعية، وهي القوانين التي تسعى الليبرالية الجديدة لتمريرها، وهذا الدور كانت تقوم به النقابة عبر خلق جبهة مجتمعية للوقوف ضد مثل هذه المشاريع، مستندة على الوزن الجماهيري النسبي للنقابة النابع من تراث نضالي طويل كان للقواعد الراديكالية دور كبير في إرسائه.