بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال مصر في محاكمات العسكر

48 يوما قد مضت على اعتقال 13 عاملا من عمال شركة الترسانة البحرية تعسفيا ومحاكمتهم أمام القضاء العسكري ومطاردة 12 آخرين.

بدأت القصة وقت تقدم عدد من عمال الشركة، نيابة عن زملائهم، بمذكرة تضم مطالب مشروعة إلى إدارة الشركة أولها زيادة منحة رمضان وعيد الفطر وتعديل الحافز، وإجراء حركة الترقيات المتوقفة، كذلك تشغيل الورش المتوقفة عن العمل، وبعض التحسينات لدواعى الأمن الصناعي الخاصة بعملهم كالخوذة والأفرول والقفازات، وإمكانية قيام بعض العاملين بتتغير وظائفهم حسب القدرة من وظائف شاقة إلى وظائف أقل مشقة، كما طالبوا بإيقاف الخصومات في المعاشات للمتقاعدين من العمال حيث أن البعض انخفضت معاشاتهم من 3500 جنيه إلى 1200 جنيه، وتسديد مديونية صندوق الزمالة الذي تُدفع اشتراكاته من مرتبات العمال، ودفع علاوة الحد الأدنى للأجور التي طُبقت بالشركة لمدة 6 أشهر وتوقف العمل بها.

كل هذه المطالب تعد مطالب اقتصادية مشروعة، وقد تم الاتفاق مع العمال حين انتقلت ملكية الشركة للجيش في 2007 أنهم لن يضاروا في الأرباح أو الحوافز السنوية. لكن العكس هو ما حدث، فقد قام مجلس إدراة الشركة الجديد المعين من قبل وزارة الدفاع، بالاستغناء عن خدمات 1200 عامل فور توليه الشركة بالإضافة لتخفيض الأرباح من مرتب 11 شهر إلى 8 أشهر فقط.

توجه وفد من العمال إلى مكتب رئيس إدارة الشركة اللواء/ عبد الحميد عصمت للسؤال عن القرار بشأن مطالبهم ورفض مقابلتهم، لينظم العمال وقفة احتجاجية سلمية يومي 22 و23 مايو للمطالبة بحقوقهم.

ونقلا عن العمال “مش عاوزين يحسنوا إجراءات السلامة الخاصة بشغلنا بسبب عدم الاهتمام بأماننا أثناء شغلنا. توفى إثنين من زملائنا هم حسني معبد وحسن محمد حسن، دة غير إصابات كتير بحروق من الشغل في اللحام وجنب الأفران”.

ونقلا عن عامل آخر “قبضنا مرتب شهر 5 ولم نأخذ مرتب شهر 6 وزملائنا المعتقلين لم يقبضوا سوى نصف مرتب شهر 5 لإنهم على ذمة القضية “، وعن عامل آخر “معندناش خامات أو مواد أولية للصناعة والإدارة مهملة جدا في توفير مستلزمات العمل ورافضة أي تحسين أو أي تكلفة تدفعها ومش عارفين نشتغل”، وأضاف آخر “صندوق الزمالة ده بنجمع فيه فلوس من مرتباتنا من ساعة إنشاء الشركة وحاليا فيه 25 مليون جنيه، وقانونا مش من حقنا نستخدم الفلوس دي لإجراء أي تحسينات إلا بعد ما إدارة الشركة تسدد مديونيتها للصندوق وهي 3 مليون جنيه ومش بيتم تسديدها “، بينما سخر عامل من قيمة منحة رمضان “الـ 75 جنيه دي أقل من كيلو لحمة واحد”.

سابقا، قابل عدة عمال من اللجنة العمالية السيد محمد أحمد قائد القاعدة البحرية وآخرين من الشرطة العسكرية، وتم تهديدهم بغلق الشركة إن استمروا على احتجاجهم السلمي ،”الجيش مش بيتلوي دراعه” كما قالها قائد القاعدة وطلب العمال نظر مطالبهم .
وبالرغم من ذلك، فوجئ العمال، يوم الثلاثاء 24 مايو، بعد إخطارهم الشركة بنيتهم للاعتصام حتى تلبية مطالبهم أو التفاوض معهم بشأنها، بتحول الشركة لثكنة عسكرية ومحاصرة الشرطة العسكرية لها ومنعهم من الدخول، ولم تُفتح الشركة حتى الآن. قام العمال بعمل محاضر بإغلاق الشركة ومنعهم من مزاولة عملهم بها بقسم مينا البصل.

تم اعتقال 13 عاملا ذلك اليوم وأُخلى سبيل عاملة على ذمة القضية، بينما يتم مطاردة 12 عامل آخرين هاربين من بيوتهم ومشردين خائفين من الاعتقال والمحاكمة أمام القضاء العسكري، حيث وُجه لهم تهم تحريض العاملين بقطاعات الشركة المختلفة على الامتناع عن العمل بأن قاموا بالدعوة للتجمع وتنظيم وقفة احتجاجية داخل الشركة بقصد عرقلة سير العمل والإخلال بانتظامه، وكان من شأن ذلك إحداث اضطراباً بجميع قطاعات الشركة والإضرار بالمصلحة العامة.

قررت نيابة الإسكندرية العسكرية الكلية إحالة المتهمين في القضية رقم 2759 لسنة 2016 جنح عسكرية الإسكندرية إلى المحاكمة العسكرية، وهم: محمد توفيق علي موسى، وعبد الرازق مرسي عبد الرازق، وسامر إبراهيم السيد محمد، وإسماعيل محمد إسماعيل محمد، وإسلام ظريف عبد العزيز، ومؤمن محمد ميمى محمد، وكريم حميدة سلطان حمودة، وإيهاب سامي زكي محمد، ومحمد جودة محمد إبراهيم، ومحمد محمود السيد محمود، وفاروق السيد إبراهيم محمد، ومحمد بسيوني علي فراج، وعلي إبراهيم علي عبد الرحمن، وسمر حنفي عبده حنفي، ومحمد مرسي رمضان إسماعيل، وعمرو حمدي الشاذلى أحمد، وشعبان جمال حسين محمود، وعصام عبد الرحمن علي، وأحمد رسمي فرج شلبي، ومحمد عادل محمد أحمد، والسيد ياسين جبريل محمد، ومحمد حسن أحمد عوض، وأحمد مرسي عبد الرازق، وإسلام السيد محمود ياقوت، وأشرف حمدي جاد محمد. 6 منهم في سجن كرموز موزعين، وواحد في قسم اللبان وعاملين في قسم باب شرق وعامل في سيدي جابر و3 في قسم الرمل أحدهم حالته الصحية السيئة وأصيب بغيبوبة سكر.

إذا نظرنا من الناحية القانونية، سنرى أن قانون 47 لسنة 1978 يُطبق على العاملين بالقوات المسلحة بينما ما زال عمال الترسانة يتبعون قانون 12 حيث أن قانون الأعمال الخاص بالمدنيين غير مفعل، وبناء على ذلك لا تتم محاكمتهم عسكريا.

طبقا للعهد الدولى لحقوق الإنسان، الموقعة عليه مصر والملزمة به، فالإضراب والاحتجاج السلمي حق مشروع لانتزاع الحقوق الاقتصادية وليست تهمة تعرضهم لمحاكمة عسكرية أو حتى مدنية.

ونقلا عن محاميي العمال “طبقا للدستور، لا توجد سوى حالات معينة لمحاكمة المدنيين عسكريا، منها الاعتداء على المنشآت العسكرية، لكن احتجاج العمال كان سلميا، فالسلطة تخرق القانون باعتقالهم ومحاكمتهم عسكريا بلا جريمة”.

نقلا عن والدة أحد المعتقلين “ابني بيدفع 50 جنيه كل أسبوع عشان يدخل مروحة في الحجز اللي مساحته متر في متر وبها 70 شخص بيتناوبوا على النوم والوقوف دة غير إنه يعول 7 أشخاص منهم أنا وأبوه المريض وزوجته وولاده وبيشتغل أكتر من شغلانة عشان يكفينا”. وعن زوجة معتقل آخر “مبقتش عارفة أقول لبنتى أبوكى بقاله 48 يوم فين وماخدتيش منه العيدية ليه”، وأضافت “جوزى بيشتغل على فرن لحام واتحرق أكثر من مرة بسبب ضعف إجراءات السلامة الخاصة بالعمال”.

وعن زوجة عامل آخر “لما العمال بيتساووا بالعسكريين في المحاكمات العسكرية ليه مش بيتساووا بيهم في الامتيازات والمرتبات والأرباح!”، وأضافت “كل العمال عاوزين مسئول يجاوبهم عن السؤال ده”، وتسائل عامل “كل اللي بيحصل لينا ولزملائنا والتهديدات بإنهم مش هيخرجوا زمايلنا لو اتكلمنا وإن روحهم في إيدهم لإننا وقفنا الشغل يومين لإنهم واخدين حقوقنا، مين يحاسبهم على إغلاق الشركة وإنهم وقفوا وعطلوا الشغل 48 يوم ؟!”.

شركة الترسانة البحرية من أكبر الشركات الرائدة بالإسكندرية وتضم عدد كبير من الورش أغلبها مغلق حاليا، وهم الازء الرئيسي والازء الجنوبي وورشة الخراطة وورشة التصنيع وورشة الإصلاح والمسبك. جدير بالذكر أن أحد شكاوي العمال بخصوص المسبك توقفه عن العمل من 6 سنين ويعمل على فترات بسيطة ومتباعد رغم ما يدره من دخل يومي يصل إلى 30 ألف جنيه حيث أكد العمال أن إغلاق الشركة تسبب في تكبدها خسائر مادية رهيبة حيث أنهم مرتبطين بعمل خط إنتاج لشركة نوران للسكر ويوجد برجين جاهزين للتدشين.

ووفقا لتصريح أحد العمال فإن عددهم 2400 عاملا بالشركة من أصل 3500 من العاملين بالشركة، وأن من بين المعتقلين مهندسين ومحاسب، وأضاف “منهم مهندس اخترع وطوًر ماكينة توفر ملايين، لكن أصبح جزاؤه الاعتقال والصفع من مأمور قسم الرمل عندما طلب توسيع الكلابشات”، أما باقى زملائهم يواجهون حجوزات غير آدمية في الأقسام، وبالتالي لا يوجد أى تريض سوى حصارهم بحوائط الزنازين، بالإضافة لطفح المجاري على الأرض التي ينامون عليها لإنهم يطالبون بحقوقهم المنهوبة!

بكاء وتباين في مواقف الأهالي ما بين طلب الدعم من المؤسسات الحقوقية والنقابات العمالية والمهنية وما بين الخوف من تهديد السلطات لهم بشأن ذويهم بعد تأجيل الجلسة ليوم 17 من الشهر الجاري . والعمال “مش عاوزين أي حقوق بس زملائنا يخرجوا وقدمنا التماس بالعفو عنهم وفتح الشركة وسنتنازل عن مطالبنا ومحدش بيرد علينا!”.

يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يُحاكم فيها عمال الشركة عسكريا، ففي عام 2011 حدث حريق في مركب، وتم اتهام أثنين من العمال بالإهمال وحكم القضاء العسكري عليهم بسنة واحدة قضوها بالفعل.

وبما أن العمال متهمين بالتحريض على الامتناع عن العمل والإضرار بالمصلحة العامة، فإن العقوبة المتوقعة لهم طبقا للقانون، عامين من الحبس باللإضافة لتهديدهم بالفصل عن العمل. فالقاضي العسكري يعد رجلا عسكريا يقوم بإطاعة الأوامر والالتزام بها ويتبع وزارة الدفاع، فمن العبث أن نقتنع بأنه سيكون في صف العمال أو محايدا على الأقل.

تتشابه هذه التهم الملفقة للعمال والتعامل الأمني معهم بسلاح القمع والتهديد بالاعتقال مع ظروف إضراب سائقي السكة الحديد في 1986 أثناء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بنظام مبارك وجعلته يسعى لمزيد من الإصلاحات الاقتصادية والتسهيلات لرجال الأعمال واتباع سياسات النيوليبرالية والسوق الحر التي تستوجب سحق الطبقة العاملة وحقوقها، كما تشابهت مطالبهم إلى حد كبير بمطالب عمال الترسانة التي شملت زيادة الحوافز وعودة الكادر والحصول على نسبة من الأرباح والتأمينات الصحية عليهم ورفع معاشاتهم، وقد قوبلت مطالبهم بالتجاهل ثم التعنت ثم التأجيلات والتسويف إلى أن اعتصم ما يزيد عن ألف سائق بمقر الرابطة الخاصة بهم، وقاموا بالإضراب وإيقاف القطارات حتى الاستجابة لمطالبهم، فكان رد قوات الأمن محاصرة السائقين المعتصمين حول مقر الرابطة وضربهم ضرب مبرح وشن حملات اعتقال موسعة أدت إلى تشتتهم نتيجة اعتقال القيادات وشن حملة تشويه وتم الاستجابة لبعض المطالب من أجل إسكات السائقين. فيما تم تحويل 37 من أصحاب الدور البارز في الإضراب إلى محكمة أمن الدولة العليا وحل الرابطة تماما، وصدرت الكثير من الأحكام التعسفية. فالسيناريو لا يختلف عن عمال الترسانة في 2016 إلا إنه يزداد فظاعة وقمعا.

القضية تعد اعتداءا صريحا على حقوق عمال مصر ومساومتهم على حقوقهم الأساسية والمستحقات المادية التي تكفي فقط لسد الرمق في حين أن رفع الضرائب عن رجال الأعمال مستمر والتسهيلات وتوفير كافة سبل الرفاهية لهم في ازدياد مستمر. فى حين أن العمال “هياكلوا مصر” ولابد من سجنهم إن طالبوا بحقوقهم المشروعة وحقهم في الإضراب والاحتجاج.

ما يزيد الطين بلة هو محاكمتهم عسكريا، تلك المحاكمات التي تسلب المتهمين كافة حقوقهم المدنية وتمنعهم من الاستئناف أو النقض على أى حكم صادر ضدهم، وتجعل من الأحكام الاستثنائية قاعدة بل تفتح الباب على مصراعيه للأحكام المستبدة والعنف الممنهج من قبل السلطة ضد العمال وضد الثوار.

دشنت كثير من المنظمات الحقوقية والكيانات السياسية حملات ضد محاكمات المدنيين عسكريا وطالبوا بإلغاء المادة 204 التي تجيز محاكمة المدنيين عسكريا وتُستخدم كثغرة قانونية لتبرير اعتقال المدنيين ومحاكمتهم عسكريا.

بعد ثورة يناير، ومنذ بداية حكم المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي وحتى الآن، تمت محاكمة ما يقارب الـ 11 ألفا أو يزيد عسكريا، وإدانة 93% منهم، منهم بالطبع الصحفيين والحقوقيين والشخصيات العامة المعنية بالحقوق والحريات.

ما يثير الذعر هو القلق العام بشأن توسع الجيش كمؤسسة اقتصادية تسعى للتملك والربح والسيطرة على أغلب المؤسسات والشركات. لطالما صرخ الإعلاميون في قنوات التلفزيون المصري الرسمية محذرين من شبح أخونة الدولة في عهد الرئيس السابق محمد مرسي ورغبة الإخوان في التوسع والسيطرة على مفاصل الدولة، واليوم يسمعوننا الصمت، بل والتأييد، عندما يتعلق الأمر بعسكرة الدولة.

مؤسسة الجيش تمتلك حوالى 25% أو يزيد من الاقتصاد المصري، وتصبح بذلك منافسا لأعتى الرأسماليين في السعي للتوسع وصناعة إمبراطورية من النفوذ والمال، لكن المفزع هو تلك الرأسمالية التي يتبناها الجيش هو كونها رأسمالية عسكرية تتوسع وتدافع عن نفسها بالسلاح وبالقتل، كما تم في إضراب عمال الأسمنت، وبالاعتقال وتلفيق التهم والعنف والتعرض للعمال بالانتهاكات، كما تم في إضراب الحديد والصلب ومن بعده عمال الترسانة البحرية. هي رأسمالية قادرة على ىإضفاء الشرعية القانونية على نفسها ومحاكمة وتلفيق التهم لكل مَن يعارضها. قد تم افتضاح وتعرية جملة “الجيش يحمي الثورة” من الصحة، فقيادات الجيش حاليا تُعد من أبناء الطبقة الحاكمة التي لا تتردد بالفتك بكل معارضيها من العمال الجوعى لحياة أفضل أو الثوار من أجل الحفاظ على مصالحها.

المؤسسة العسكرية لا تتورع عن إجبار المجندين على العمل بالسخرة في مصانعها وشركاتها لكي تتمكن من المنافسة اقتصاديا وتقليل التكاليف في العملية الإنتاجية مما يضمن زيادة الربح والمزيد من التوسع. فنرى الكثير من المجندين يعملون بالسخرة في صنع الكعك والمكرونات وغيرها من الأصناف التي لاقت سخرية في الشارع المصري أن تكون هذه هى مهام رجال الجيش!

لكن الآن يبدو الأمر منطقيا بعض الشيء، أن يتخلوا عن مهمتهم الأساسية وهي التدرب لحفظ الوطن والأرض والدفاع عنه وتهميشها، فعن أي أرض سيدافعون وقد بيعت جزيرتي تيران وصنافير المصريتان للسلطة للسعودية واعتقال كل مَن عارض الحكم، وتم التحايل على القانون بشكل سافر، بل والطعن على أحكام القضاء الشامخ للوصول للهدف وهو التفريط في الأرض وتذيل دول الجوار. المحاكم أفلتت عبد الفتاح السيسي دون أي محاكمة رغم أنه أقسم على حماية تراب الوطن كأي رئيس! إنه وزمرته يحمون الكيان الصهيوني الذي تربطنا به حالة سلام دافئ ونسعى لتوسيع كامب ديفيد لتشمل جميع الدول العربية وأخيرا زيارة وزير الخارجية المصري لنتنياهو فلم يعد يصنف عدوا الآن. فهنيئا لنا كعك الجيش ومنتجاته المدعمة في منافذ بيع القوات المسلحة وعمال برتبة مجندين دون أجور عادلة.

لم يعد السكوت ممكنا في ظل التنكيل بالعمال من المصير المظلم الذي ينتظرهم.. أفرجوا عن العمال وأوقفوا المحاكمات العسكرية للمدنيين واعترفوا أن الإضراب حق مشروع طبقا للدستور. أعيدوا العمال لعملهم، وافتحوا المصانع.