في ندوة مركز الدراسات الاشتراكية: دعوة للتضامن مع عمال “الترسانة البحرية”

يسعى نظام السيسي لوأد احتجاجات العمال ضد سياسات الإفقار ورفع الأسعار إما بالفصل أو الهجوم على شرعية النقابات أو إغلاق المصانع وتشريد العمال. واليوم، يتم تحويل 26 عاملا من عمال الترسانة البحرية إلى المحاكمة العسكرية بعد أن طالت المحاكمات آلاف المعارضين وبناء سجون جديدة في ظل سياسات اقتصادية مفجعة.
وفي إطار الحملة الإعلامية للتضامن مع العمال بعد تأجيل النظر في الحكم إلى 18 سبتمبر القادم، عقد مركز الدراسات الاشتراكية ندوة بعنوان “قمع الاحتجاجات العمالية: محاكمة عمال الترسانة البحرية عسكريًا نموذجًا” لتوضيح ملابسات الأحداث وكيف يُدا الهجوم على الحركة العمالية. عُقدت الندوة بحضور هشام فؤاد الصحفي العمالي والاشتراكي الثوري، وجمال عثمان القيادي العمالي، وخالد علي المحامي العمالي ووكيل مؤسسي حزب العيش والحرية.
عمال الترسانة ضحايا الفساد
في البداية، سرد خالد علي وقائع قضية العمال، فالمحاضر قدمتهم بتهمتين هما التحريض على الإضراب والامتناع عن العمل، لكن النيابة رفضت التهمة الثانية وأثبتت أوراق القضية التهمة الأولى، وهو ما يدعو للتعجب، فوفقا للقانون هناك نصوص عن الحق في الإضراب وهو ما يعني أن كل المراحل التحضيرية والتمهيدية لهذا الفعل ليست جريمة، وإذا كان هناك بعض الإجراءات التي تزعم النيابة العسكرية أهمية اتخاذها من جانب العمال فالإضراب نفسه لم يتم، وبناء عليه، فأي فعل تحضيري مباح ولا يعد جريمة.
وإذا كان تقديم العمال للمحاكمة العسكرية يوم 25 مايو الماضي، فالشركة تم إغلاقها ومنعت باقي العمال من دخولها رغم توافدهم صباحا لآداء أعمالهم، وهناك 4 عمال أثبتوا تلك الحالة في محاضر أكدت صحتها تحريات الشرطة العسكرية. فكيف يتم محاكمة العمال بإدعاءات غير صحيحة في حين أقر المسئولون إغلاق الشركة تماما حتى الآن لما يزيد عن شهرين؟ مَن سيحاكم المسئولين عن تلك الخسائر؟ السلطة تحاكم عمال يطالبون بأبسط حقوقهم في حين تعفي الناهبين والحرامية ثم تدعي بعد ذلك محاربة الفساد!
القرارات السياسية والقوانين الصادرة ترعى حوت الفساد في مصر وتحاكم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فهم مَن يدفعون الثمن بالفصل والاعتقال والسجن والتعذيب. القانون في مصر يستخدم للتنكيل بكل من يعارض سياسات الظلم والإفقار.
واستنكر خالد علي تكالب السلطة على قمع الحركة العمالية، فالقروض التي استدانت بها الحكومة المصرية وارتفاع نسب العجز وتخفيف سياسات الدعم وغلاء الأسعار في نفس الوقت الذي تنسحب فيه الدولة من الخدمات، بل وبدلا من تخفيف الضغوط على الطبقات الشعبية العريضة نجد تصريحات وقوانين متوالية عن دعم المستثمر ورجال الأعمال في دولة لم تتبنى أي خطة لاستفادة خدمات المواطنين وأجورهم بذلك الاستثمار!
اللحظة تطرح الرهان على تكاتف الطبقة العاملة ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى السياسية المعارضة لسياسات النظام، لأهمية تقديم البدائل عن سياسات النظام وانحيازاته بدلا من إصدار القرارات الحكومية أحادية الجانب، هذا من شأنه طرح ند على الساحة المصرية.
المعارضون والعمال في مرمى السيسي
قارن هشام فؤاد بوقت تحديد جلسة النطق بالحكم على عمال الترسانة، 16 أغسطس، التي تتزامن مع الذكرى الـ 64 للمذبحة التي نفذها نظام الضباط الأحرار بإعدام العاملين خميس والبقري بغزل كفر الدوار. هذا التزامن يعكس دلالة أن الأنظمة التي تستولى على السلطة بالانقلابات العسكرية تلجأ دائما إلى إرهاب المعارضين لدحر كافة أشكال المقاومة السياسية والاجتماعية. هذه الأنظمة تسعى في نفس الوقت إلى تمرير سياسات معادية لمصالح الشعب، ويكون القمع وسيلتها في ذلك.
الحكم أيضا على عمال الترسانة يتزامن مع مرور 3 سنوات على أكبر مذبحة في التاريخ المصري بعد فض الجيش والشرطة لاعتصامي رابعة والنهضة، وهو استعادة نظام مبارك والدولة الأمنية كواجهة للانقضاض على كل القوى الثورية وليس على جماعة الإخوان المسلمين فقط.
تم إدانة عمال الترسانة بتهمتين رئيسيتين، الأولى هو الامتناع عن العمل، والثانية هي التحريض على الإضراب، حيث أكد هشام أن “هذه التهم هي انتهاك صريح للمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة، وانتهاك للدستور المصري الذي ينص على حق الإضراب، وانتهاك صريح لكل الأحكام القانونية التي صدرت منذ عام 1986 التي تنص على حق الإضراب. في الحقيقة، لا توجد تهمة حقيقية تدين العمال، لكن النظام، الذي استولى على السلطة بانقلاب دموي، عودنا على القمع العنيف للمعارضة مما يفسر كيف يتم محاكمة العمال اليوم عسكريا. فشركة الترسانة البحرية تأسست عام 1960، وهي شركة مدنية استمرت في العمل وفقا لقانون قطاع الأعمال 12/2003، ثم آلت تبعيتها إلى جهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع عام 2007. لم يتحول العمال إلى مجندين لكن من حقهم إتباع كل الإجراءات التي يتبعها عمال الشركات الأخرى، فمنذ شهري أبريل ومايو الماضيين تصاعدت مطالب العمال في الحصول على حقوقهم الوظيفية المهدرة، فما كان من رئيس الشركة العسكري إلا بتحدي العمال قائلا: “الجيش محدش يقدر يلوي دراعه” وعلى إثر ذلك تم تحويل 26 عاملا إلى النيابة العسكرية وتم إغلاق الشركة تماما منذ 25 مايو الماضي وحتى الآن، في سياسة عقاب جماعي ضد 1500 أسرة مشردين لمجرد إنهم طالبوا بحقوقهم المنهوبة!
ووفقا لهشام فإنه: “بعد ثورة يناير، نصت كل الدساتير التي صدرت خلال عهدي مرسي والسيسي على محاكمة المدنيين عسكريا، وعلى إثر ذلك تم تحويل آلاف المعارضين إلى أحكام نافذة رغم المطالب الشعبية بإلغاء تلك المحاكمات. هذا يعبر بوضوح على انحيازات كلا من الإخوان المسلمين والسيسي ضد مصالح الطبقات الشعبية. لكنه، في الفترة الأخيرة استطاعت قوى سياسية مختلفة ومنظمات مجتمع مدني مواجهة العسف الذي يتعرض له العمال بتشكيل لجنة التضامن مع عمال الترسانة البحرية حيث قامت بعمل عريضة تضامن وجمع توقيعات وعقد مؤتمرات وترتيب زيارة الصحفيين بأهالي العمال لتحقيق تغطية إعلامية تضامنية أوسع. ستواصل اللجنة عملها لحين الإفراج عن العمال وما بعد تلك القضية. ليس ذلك فقط، فمن المتوقع مع زيادة الأسعار وتصاعد التعسف والظلم أن تزداد حدة الغضب الاحتجاجي”.
مسلسل طويل من الانتهاكات ضد العمال
لا يتوقف الانتهاك ضد العمال عند عمال الترسانة فقط، فالمحاكمات العسكرية للعمال هي إيصال رسائل واضحة لكل الحركة العمالية الهدف منها إسكات وقمع وفصل ونقل والتشهير بالقيادات، وكل ذنبهم أنهم طالبوا بحقوقهم في تحسين ظروف العمل.
وأكد عثمان أن تلك المحاكمات لها دلالة، فـ “هناك رعب واضح من السلطة الحاكمة تجاه تقدم أي حراك عمالي، لنجد عقبات أمام تشريع قانون الحريات النقابية الذي طرحه العمال كبديل لقانون 35 للنقابات الذي على ضوءه تستمر الدورة النقابية بعد انتهاءها منذ 7 سنوات بل ويتم التجديد لها دوريا. الدولة التي تتدعي أهمية “الاستقرار” ببعض المظاهر الشكلية كالانتخابات البرلمانية والرئاسية ووضع الدستور، ترتعد من “استقرار” الحركة العمالية ونهوضها من جديد، فقانون الحريات النقابية تعرض لمحاولات تضبيب متوالية، وعندما قررت الدولة خروجه للنور، تحت ضغوط منظمة العمل الدولية، كان خاليا من أي حقوق نقابية بدون أي مبرر واضح. ورغم صدور قرار إبان عهد مرسي بانتهاء العمل النقابي للأعضاء فوق 60 عاما، وحل الاتحاد وتشكيل لجنة إدارية، أعادت السلطة الحالية الكرة من جديد بتجهيز قانون تمت مناقشته صوريا في مجلس النواب، فرئيس اتحاد عمال مصر والأمين العام لرئيس الاتحاد على وشك تخطي السن المصرح به وفقا للقرار القديم. كل هذا حدث في ظل تعمد تغييب عمال مصر”.
حيث أكد أن “هناك انتهاكات صريحة ضد عمال مصر كافة، وليس عمال الترسانة فقط، فعمال حليج الأقطان حصلوا على حكم عودة شركتهم بعد خصخصتها، وحتى الآن لم يتم تنفيذ الحكم لخوف الحكومة من فتح باب رجوع 300 ألف عامل آخر. رئيس مجلس إدارة الشركة، سيد الصيفي، الذي يستحوذ على أكبر نسبة أسهم، اتفق مع العمال في حضور الجبالي بصرف مرتبات العمال المتبقية المقدرة بـ 7 شهور، ليفاجأ العمال بصرف 5 شهور فقط مقابل التنازل عن كل القضايا المرفوعة ضد الشركة، فيما ضغطت الحكومة عليهم لصرف باقي مرتباتهم من صندو الطوارئ ما يعني صرف نصف مستحقاتهم!
شركة وبريات سمنود أيضا شهدت خروج 500 عامل على المعاش المبكر العام الماضي، فيما يمارس الضغط والتعسف ضد باقي العمال ليصبح المصنع الذي يمتلك 120 نول لا يعمل منهم سوى 5 أنوال فقط!
واستنكر خالد سعي الحكومة لربط الأجر بالإنتاج، في الوقت الذي ترفض فيه تشغيل المصانع والعودة لملكيتها مدللا بقرار عدم الطعن على عقود الحكومة في عهد عادلي منصور الذي أعقبه بعدم التنفيذ في عدة شركات، وحتى الشركات التي امتثلت لقرار العودة بدا التنفيذ فيها أعرجا لتبرير تسريح أكبر للعمال على المعاش المبكر. فيما تم تأجير الأراضي التابعة لبعض المصانع إلى صغار التجار دون استغلالها لصالح المصنع. فهناك سياسة ممنهجة ضد العمال ولن تنكسر تلك السياسات إلا باستمرار المقاومة والتنظيم رغم ما يبدو صعبا.