بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مازال في المعركة بضع جولات أخرى

450 جنيه هو الراتب الأساسي الذي يتقاضاه أحد معتقلي الترسانة البحرية الأربعة عشر، من ضمن 26 متهمًا يواجهون القضاء العسكري، جراء تجرؤهم على تنظيم وقفة احتجاجية تحرض زملائهم على الإضراب، وفقًا لتحقيقات النيابة العسكرية. والنيابة تُعتبر الخصم والحكم في هذه القضية التي كان رد مدير جهاز الصناعات والخدمات البحرية على المتهمين فيها بأن “الجيش مبيتلويش دراعه”. وما يثير العجب أن سيادة اللواء شعر بتهديد “لدراع” الجيش من خلال وقفة احتجاجية قام بها عدد لا يتعدى الـ10% من إجمالي العاملين بالهيئة الممتنعة عن سداد مستحقات العمال المؤجلة منذ 2010 لحين “تطوير الهيئة” علاوة على التهديد بإمكانية إغلاق الشركة إذا لم ينصاع العمال للأوامر!

الوقفة الاحتجاجية التي نظمها عمال الهيئة في مايو الماضي، والتي رفعوا فيها عدة مطالب، من بينها صرف المستحقات المتأخرة، وتوفير وسائل الأمان للعمال، انتهت بمحاكمة قيادات العمال عسكريًا ثم سقوط العامل محمد عبد الله شهيدًا نتيجة لظروف العمل السيئة داخل الشركة والتي لم تتغير بالتأكيد لأن “الجيش مبيتلويش دراعه” كما يصر سيادة اللواء، يبدو أن حياة البشر في مصر تهون في مقابل سلامة ذراع جيش مصر المهيب في رأيه.

وفي 16 سبتمبر استعد عمال هيئة النقل العام لتنظيم إضراب مع بداية العام الدراسي مطالبين بزيادة مكافأة عائد إنتاج السائقين والمحصلين إلى 17% بدلاً من 13% إسوة بنقل عام الإسكندرية، وإصدار قرار بصرف علاوة دورية 7% وعلاوة سنوية 10% تُضاف على العلاوات الخاصة مثل العام السابق، ليقوم النظام بالقبض على 6 من قيادات العمال في محاولة لكسر الإضراب مع الموافقة على اقتراح مجدي حسن رئيس النقابة المستقلة – الذي رفض الإضراب منذ البداية – بمساواتهم بهيئة النقل العام في الإسكندرية بعد زيادة حوافزهم بنسبة 20% من الأجر الأساسي.

الصورة واضحة؛ دولة عسكرية لا تتخذ عن القمع بديلًا لتنفيذ سياساتها، فمن قتل شهداء رابعة واعتقال أكثر من 60 ألف معتقل سياسي سيُعتقل بلا ريب القيادات العمالية لأي إضراب عمالي، ولترفع الدولة دائمًا شعار الإخوان، وأن نظام تحيا مصر هو الذي “حرَّر” البلاد من رجعية النظام الإخواني ويحارب “الإرهاب بكل شجاعة”، وليصبح الخارجين من أجل إثبات مصرية تيران وصنافير “إخوان”، وكذلك العمال المضربين وغيرهم. يبدو أن تهمة الانتماء للإخوان أصبحت هي شفرة معاداة النظام الحاكم وسياساته.

في الليلة السابقة كانت النوايا واضحة، لا تراجع عن الإضراب من أجل زملائنا المعتقلين، أما اليوم فالأمن يملأ جراجات هيئة النقل العام، ويتوعد كل من تسوِّل له نفسه خوض أي محاولة للتضامن. من منا قد يرفع شعار تحدي النظام ! كاذب من يقول صدري مفتوح للرصاص، أو ربما وحيد بلا أطفال ينتظرون رب البيت من أجل العشاء، أو ربما فيه من الصلابة والشجاعة ما يكفي، لا ندري، فما نتساءل عنه لم يحدث، على الأقل حتى وقت كتابة هذه الكلمات.

على الرغم من السخرية الواجبة من كلمات رأس الدولة عبد الفتاح السيسي بانتشار الجيش في ست ساعات في أرجاء مصر في حال حدوث انتفاضة شعبية، إلا أن التهديد واضحٌ تمامًا، لا حدود لاستخدام النظام للقوة لقمع أي تحرك قادم. سياسة الدولة واضحة، سنحوِّل كل من يجرؤ على فتح فمه إلى مَثَل وعِبرة لكلِ من قد تسوِّل له نفسه التفكير في رفض سياساتنا، في نفس الوقت الذي تعاني فيه مقاومة الجماهير للنظام من تفرق في خنادق مختلفة ترفع شعارات ومطالب ذات أسقف منخفضة، أسقف يخفضها الإحباط ويسيطر عليها خوفٌ منطقي من نظام لن يتهاون في قمع أي تحرك قادم.

دعونا نتخيل تطور مختلف لما حدث، ماذا سيحدث لو أصر عمال النقل العام على الإضراب ليكون على رأس مطالبهم الإفراج عن قيادات الإضراب، ماذا إذا كان من بين مطالب إضراب عمال هيئة النقل العام الإفراج عن عمال الترسانة؟ ماذا سيحدث إذا قرر عمال هيئة النقل العام الإضراب بعد فترة؟ هل سيكون العمال خصمًا لا يستهان به أمام النظام؟

المؤكد أن مع تصاعد سياسات الإفقار التي ينتهجها النظام ستصبح الزيادة الـ20% التي حصل عليها عمال هيئة النقل العام غير كافية على الإطلاق، ولكن وقتها ستكون ذاكرة محاولة الإضراب السابقة تخيم آثارها على أذهان كل الأطراف، قيادات الإضراب والعمال والنظام، ولذلك فإن الدرس الذي يحاول النظام تلقينه لنا بتحويل قيادات الإضرابات إلى عبرة لمن يفكر في الإضراب يجب أن تتحول إلى درسٍ آخر تدرك من خلاله الطبقة العاملة قدرتها على كسر شوكة نظام شعر بالتهديد الذي يتعرض له ذراع الجيش بوقفة احتجاجية صغيرة في الترسانة البحرية في الإسكندرية. دعونا نخبر النظام بأن لا مجال للمساس بزملائنا ورفاقنا أبدًا، إذا كنتم تتخيلون أنكم تحولونهم إلى عبرة فلتعلموا أنكم تحولونهم إلى وقود غضب من هذا النظام، وقود لتحرك يدرك تمامًا أن من حول عمال الترسانة البحرية للمحاكمة العسكرية هو نفسه الذي اعتقل عم سوكس ورفاقه في النقل العام، هو نفسه الذي هدد بانتشار الجيش في خلال ست ساعات في حالة حدوث أي تحرك شعبي ضد النظام.

يجب أن ندرك أن ما يحدث الآن ما هو إلا مقدمات لسياسات اقتصادية أكثر قسوة وأكثر إصرارًا على إفقار هذا الشعب من أجل خدمة حفنة ضئيلة من اللصوص في مصر. هذه السياسات تتطلب بكل تأكيد خوض معارك قوية ضد هذا النظام، معارك على رأسها مناضلون يدركون أبعاد المعركة، هذه المعركة التي لا تحدث فقط داخل هيئة النقل العام، بل حدثت في الترسانة البحرية وفي هيئة السكك الحديدية وفي المترو، ولكن النظام الذي فرق بين قيادات الإضراب وبين باقي عمال هيئة النقل العام حتى ينجح يرغب بالتأكيد في خوض نفس المعركة مع عمال هيئة السكك الحديدية وعمال المتر بشكل منفصل مثلما خاضها مع عمال الترسانة وعمال هيئة النقل العام كل على حدا.

يا عمال هيئة النقل العام تضامنوا مع رفاقكم الستة المعتقلين داخل سجون العسكر ومع عمال الترسانة البحرية المحالين للمحاكمة العسكرية، ولتكن هذه المعركة درسًا جديدًا غير ما يحاول النظام تلقينه لنا، فلنصرخ في وجه سيادة المشير “الشعب ميتلويش دراعه”، فلتكونوا أنتم اللبنة الأولى في دروس ترجح كفة الجماهير في مواجهة نظام الإفقار وتخبر باقي المضطهدين والفقراء بأننا يد واحدة في مواجهة هذا النظام المستبد.يد واحدة قادرة على انتزاع رفاقنا من داخل سجون العسكر.