حرفيو دمياط.. معاناة لا تنتهي

يعمل ما يقرب من نصف مليون عامل حرفي بورش ومصانع دمياط بمهن مختلفة تتبع صناعة الأثاث، في ظل انعدام لأي حقوق أو حماية من مخاطر العمل وساعات عمل طويلة تصل لـ ١٢ ساعة يوميا. وتعتمد الورش الصغيرة على بيع إنتاج العمال إلى كبار الرأسماليين من أصحاب المعارض الذين يشترون الإنتاج بأبخس الأسعار.
ويخضع الصنايعية وأصحاب الورش الصغيرة، الموجودة أسفل معظم منازل المدينة، تحت سيطرة كبار محتكري الخامة والتجار الذين يشترون المنتج الأخير دون سعره الحقيقي، فضلا عما يعانيه العمال الحرفيين من جهاز الدولة، خاصة بعد سياسات التجويع والإفقار والتقشف التي ينتهجها نظام السيسي مؤخرا حيث غلاء أسعار الكهرباء والغذاء والارتفاع الجنوني للخامات الخشبية والإسفنج ومواد الدهانات. فعلى سبيل المثال، هناك آلاف الحرفيين وأسرهم يعانون من انعدام أي رعاية صحية إلا طوابير الكشف في المستشفيات التي تنعدم فيها وسائل الرعاية الصحية أو ارتفاع أسعار الكشف في العيادات الخاصة لأن الدولة رفعت قيمة الضرائب “زي ما بيقول أصحاب العيادات”.
وقد يجد العامل نفسه مضطرا للاقتراض في حالة تعرضه للإصابات الخطرة على مكن تقطيع الخشب فضلا عن عجزه عن العمل، فلا حقوق صحية لما يتعرض له “الأسترجية” من أمراض صدرية خطيرة نتيجة استنشاق المواد الخطرة.
وجهاز الدولة لم يقدم أي شيء؛ فهو يدعم كبار محتكري الخامات وأصحاب المصانع. على سبيل المثال قدمت البنوك عرضا لإقراض كبار أصحاب المصانع وتجارة الخامة بفائدة تكاد تكون منعدمة – حسب مبادرة البنك المركزي أو مبادرة السيسي – على الجانب الآخر، هناك مزيد من سياسات التجويع والإفقار للعمال الحرفيين كباقي عمال مصر. جهاز الدولة يقدم معارض لكبار الرأسماليين لعرض ما يشترونه من عرق العمال بأبخس الأسعار.
على الجانب الآخر، تتعرض المرأة العاملة في بعض المصانع المرتبطة بصناعات ضمن أعمال التصنيع الحرفي، إلى الاضطهاد من أجور عمل رخيصة، فضلا عن بعض حالات التحرش والاستغلال.
في الخامس من نوفمبر الجاري، اُختتم معرض “صنع فى دمياط” أعماله بأرض المعارض، وحسب مصادر شبه رسمية وصلت مبيعات المعرض إلى ٥ مليون جنيه.
معارض لكبار الرأسماليين يقابلها مزيد من الإفقار والاستغلال للعمال – من ورش الموبيليا وآلاف العمال في مصانع دمياط الجديدة كعمالة غير منتظمة تتعرض للفصل التعسفي حسب متطلبات السوق أو أهواء الرأسماليين، ولا تحميهم أموال التأمينات الهزيلة التي يدفعها أصحاب المصانع كنوع من الإجراءات – بل وكثير من الأحيان يكون العمال ضحايا لرشاوي أموال يدفعها أصحاب العمل للموظفين والمفتشين على المنشآت الصناعية وحتى بعض أفراد الداخلية المسئولين عن ملف العمال في بعض المصانع.
جهاز الدولة، كمعبر عن مصالح الطبقة الحاكمة، أكبر المستغلين، حيث بدأ في العمل على إنشاء مدينة صناعية جديدة ستبنيها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتكلفة ٤مليون جنيه، حسب آخر تصريح لمحافظ دمياط في 10 أكتوبر، وإعلان البدء في إعداد كراسة الشروط التي ستخضع لحوار مجتمعي من الغرفة التجارية ونواب دمياط وممثلين عن صناع الأثاث. حوار مجتمع رأس المال والسلطة حسب اجتماعات تمت الفترة الماضية بين كبار تجار الأثاث والمستوردين والدولة. وحسب تصريح المحافظ الأخير، ففي حالة زيادة الإقبال على تملك المصانع والورش في المدينة الجديدة سيتم إجراء القرعة العلنية.
المدينة الجديدة ليست من أجل رفع معاناة الآلاف من العمال الحرفيين، فهي مدينة يُشرف على بنائها الجيش المنافس القوي والغير محاسب نهائيا عن عمله الاقتصادي والذي يقوم بتشغيل آلاف الجنود كعمال بالسخرة. مدينة جديدة ليست سوى إشباع للمزيد من الأرباح ومحاربة الورش الصغيرة.
بعد سنوات من ثورة يناير، لم تفلح محاولات الحرفيين في بناء تنظيم منهم يدافع عنهم، وإن كانت هناك بعض المحاولات لإنشاء نقابات مستقلة. الاحتجاجات التي تصاعدت ما بعد ثورة يناير أمام مبنى المحافظة والغرفة التجارية وميدان الساعة الشهير بدمياط – لم ينل للحرفيين أي مكاسب سوى التعلم وتراكم الخبرة في أهمية التنظيم وخطورة الانتهازيين والإصلاحيين.
في حين مثَّلت أحداث ٣٠ يونيو ووصول السيسي على رأس سلطة الثورة المضادة بداية تراجع لحركة الحرفيين التي كانت في البداية وسط أجواء التهديد والتوعد التي أتت بها الثورة المضادة وخطاب الكراهية ورفع شعارات الحرب على الإرهاب لسحق أي مكتسبات لثورة يناير. لم يجنِ الحرفيون حتى الاعتراف بحقوقهم أو وجود ممثلين ليهم في لجان كتابة الدستور أو تعديله سواء في حكم المجلس العسكري أو تحت حكم الإخوان المسلمين.
الدولة وكبار الرأسماليين الذين تمتلئ مخازنهم بالمواد الخام وقطع الموبيليا مرعوبين من شلّ حركة الطريق لمرور تجارتهم. فالسوق المضطربة من أزمات سعر الدولار تهرول للمزيد من الأرباح على حساب الحرفيين بما يتعرضون له من هجمة الثورة المضادة على أبسط سبل المعيشة من غذاء ومواصلات ودواء وعلاج.
أصوات الشكوى المرتفعة في مدينة دمياط لن تفيد إلا بتنظيم العمال لأنفسهم والتعلم من خبرات سابقة ومنع وصول الانتهازيين والإصلاحيين بالحفاظ على الحرفة التي تمحوها الآلات الحديثة – كمكن cnn ومكن الإويما الحديث – وضخ الملايين لجيوب الغرفة التجارية المستوردين وإجبار الآلاف من العمال للعمل بأقل الأسعار.