رياح الخصخصة تهب مجددًا

بينما نجح نضال العمال، الذي مهَّدَ لثورة يناير وتواصل بعدها حتى انتصار الثورة المضادة في صيف 2013، في وقف موجة الخصخصة وتشريد العمال، يعود اليوم نظام الرأسمالية المتوحشة، مستفيدًا من حالة القمع البوليسي غير المسبوق وسياسات تكميم الأفواه والإجهاز على النقابات المستقلة، ليطرح سياسات الخصخصة من جديد.
فقد أطلق خالد بدوي، وزير قطاع الأعمال الجديد، تصريحاتٍ عديدة، متطابقة مع روشتة صندوق النقد الدولي، تفيد بأن موجةً جديدة من الخصخصة تستهدف ما تبقى من شركات قطاع الأعمال ونحو ربع مليون عامل يعملون بها باتت على الأبواب.
والبداية كانت من قرار بوقف تشغيل شركة القومية للأسمنت، وتخفيض حوافز العمال، وطرح المعاش المبكر (الموت المبكر) تمهيدًا لتصفية الشركة، وهو ما دفع العمال إلى الاعتصام لمدة سبعة أيام للمطالبة بالتشغيل، وصرف المرتبات، خلال الشهر الجاري.
ولكن تدميرالقومية للأسمنت، والتي تعد شركة الأسمنت الوحيدة التي تمتلكها الدولة، يستهدف أيضًا أن يخضع سوق الأسمنت قريبًا لاحتكار شركة واحدة في بني سويف تابعة للقوات المسلحة، خاصةً إذا علمنا أنه حتى الشركات التي تمَّت خصخصتها ويملكها الأجانب متعثرةٌ إنتاجيًا وماليًا.
وبالطبع إذا كان العمال المدنيون يواجهون صعوباتٍ أمنية بالغة عندما يُقرِّرون مواجهة الهجوم على أوضاعهم، فلنا أن نتخيَّل حجم المعاناة والمخاطر التي يواجهها العاملون في القطاع العسكري عندما ينتفضون للمطالبة بحقوقهم من الإدارة العسكرية.
وعلاوة على ذلك، تحدَّث الوزير عن إعادة الهيكلة العمالية، وقد اعتاد عمال وشعب مصر الإحساس بالخطر كلما تحدَّثت الحكومة عن “إعادة هيكلة” تليها مباشرةً صفقة خصخصة أو تصفية لإحدى الشركات الإنتاجية أو الخدمية العامة والتابعة للدولة، في سلسلةٍ من صفقات الفساد التي زكمت رائحتها الأنوف وأبطلتها عشرات الأحكام القضائية، وهو ما تحسَّبَت له الدولة بإصدار مرسوم بقانون في 2014 يُحصِّن العقود التي تبرمها الدولة من الملاحقة القضائية، ويقصر الحق في الطعن عليها على أطرافها فقط، حتى تعطي الفرصة كاملة للفساد في عقد صفقات البيع والخصخصة.
وأعلن مسؤولٌ حكومي بوضوح أن كافة التسويات الخاصة بعددٍ من الشركات العامة التي عادت للدولة عقب نضال عشرات الآلاف من العمال لسنوات، متوقفة، ومنها مشكلة المراجل البخارية المنتهية تقريبًا، ومشكلة طنطا للكتان التي تنتظر سداد مستحقات المستثمر، ومشكلة سيمو للورق.
وأخيرًا وليس آخرًا هناك القرار الصادر من وزير قطاع الأعمال بوقف مناقصات تطوير الشركات الخاسرة التابعة لقطاع الأعمال العام، مع إعلان الاتجاه لطرح أسهم عشرين من الشركات العامة، التي تعمل في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات، فى البورصة خلال العام الجارى.
باختصار، دولة رجال الأعمال تعد العدة لموجةٍ جديدة من الخصخصة، التي ستحيل حياة عشرات الألوف من العاملين إلى جحيم، ولكن الشيء المُؤكَّد أيضًا هو أن هذه السياسات لن تمر دون مقاومة، ولعل نضال عمال القومية للأسمنت الشهر الجاري دليلٌ على ذلك، وهو ما يستدعي كذلك أن تضغط القوى السياسية على الحكومة لضخ استثمارات لتشغيل وتطوير مواقع الإنتاج العامة بدلًا من إنفاقها في مشاريع لا تلبي سوى احتياجات كبار رجال الأعمال.