بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

اعتبر مشروع قانون العمل "منحازًا" للعمال

فرج عامر.. حكاية رأس المال والسلطة

محمد فرج عامر - صورة أرشيفية

خرج علينا فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، منذ أيام قائلًا إن “الإفراط الزائد في المكتسبات العمالية يقتل فرص العمل الجديدة”.

و استنكر –على حد قوله- محاولة وزير العمل تمرير قانون عمل “مُجحِف وطارد للاستثمار”، واعترض على اللائحة التنفيذية لقانون التنظيمات النقابية الجديد، مستنكرًا كذلك محاولة تمرير هذه القرارات دون أخذ رأي منظمات الأعمال.

ويأتي ذلك بالرغم من أن مشروع قانون العمل السري على القواعد العمالية يتضمَّن، حسب التسريبات، إطلاق يد أصحاب الأعمال في الفصل، ويؤيد العمل المؤقت، ويمنح شركات توريد العمالة -التي يطلق عليها العمال “العمل الأسود”- صفة قانونية.

عن أي إفراط في مكتسبات العمال يتحدث رئيس لجنة الصناعة وهو يمنع عن عماله بمجموعة شركات فرج الله أبسط الحقوق؟ بسؤال بعض العمال قالوا إن “وجبة الغداء في الشركة هي من أقذر وجبات الغداء، ولا تكفي أن تقيم ظهر العامل، إذ أُلغِيَت وجبة اللحمة والفراخ الأسبوعية نهائيًا، وأصبح الغداء عبارة عن جبنة ومربى وكشري، وأحيانا بعض الخضار الهالك أو المتبقي من عمليات الفرز والتجميد”.

أما بخصوص الزيادة السنوية التي أقرَّتها الحكومة في شهر يونيو من العام الجاري، بحد أدنى 200 جنيه حسب وضع الشركة، والتي كان من المُقرَّر صرفها في شهر يوليو، فقد أغلق فرج عامر يوم 23 يونيو 2018 ثلاثة مصانع، وأوقف خطوط التصدير، ووزَّعَ عمال المصانع الثلاثة على باقي المصانع حتى تظهر الشركة وكأنها تخسر. ثم في 1 يوليو الماضي، قرَّرَت إدارة الشركة أن تكون الزيادة السنوية قدرها 10% فقط على الأساسي التأميني، وهو ما يساوي 60 جنيهًا بالنسبة للمهندسين، وأقل منها بالنسبة للعمال، إذ أن أقصى أساسي تأميني هو 900 جنيه للمهندسين القدامى و600 جنيه للمهندسين الجدد. وبعد أن تهرَّبَ عامر من الزيادة السنوية، أعاد المصانع المتوقفة إلى العمل مرة أخرى يوم 4 يوليو 2018.

هل هذا هو الإفراط في المكتسبات العمالية الذي يقصده رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب؟ مع العلم أن مرتبات العاملين بالشركة تُعَد من أقل المرتبات على مستوى مصر، إذ يتقاضي المهندسون 1500 جنيه والعمال 1200 شهريًا.

رحلة صعود فرج عامر
محمد فرج عامر، أو “المهندس فرج”، كما يطلق عليه العاملون بمجموعة شركات فرج الله ببرج العرب بالإسكندرية، هو واحدٌ من أشهر وأكبر رجال الأعمال بالإسكندرية بل في مصر. وُلِدَ في مارس 1951 وتخرَّجَ في كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، دفعة 1973.

و هو رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات فرج الله التي تتكوَّن من 3 شركات، هي الشركة المصرية لتجميد وتصنيع اللحوم، والمصرية للتنمية الغذائية، والصناعات الغذائية المُتقدِّمة. تضم الشركات ما يزيد على 17 مصنع بمدينة برج العرب، يعمل بهم حوالي 7200 عامل، هذا بخلاف مخازن الشركة في أكثر من محافظة، مثل الإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ والعبور وغيرها من المخازن، وتقع الإدارة بمنطقة كفر عبده بالإسكندرية.

بدأ عامر نشاطه بمصانع اللحوم، ليتوسَّع بعد ذلك حتى يشمل معظم الصناعات الغذائية، مثل تصنيع الدواجن، وتجميد الخضار، وصناعة المشروبات والعصائر، والجبن والمربى والصلصة والكيك والبسكويت ومرقة الدجاج والمُركَّزات والألبان، ودخل مؤخرًا في شراكة مع شركة نستلة، ويتوسَّع باستمرارٍ إلى درجة أن معظم المنطقة الأولى في المدينة الصناعية ببرج العرب الجديدة أصبحت تحت سيطرته.

رجل الحزب الوطني السخي
انضم فرج عامر إلى الحزب الوطني الديمقراطي في عهد المخلوع مبارك، وكان يدعم الحزب باستمرار سواء بالتبرُّعات المالية أو بحشد العاملين بالشركة لتأييد مرشحي الحزب بالإسكندرية. يحكي أحد العمال بالشركة قائلًا: “كانوا بيجمعونا ويدوا كل واحد فينا 3 بطايق، أيام البطايق الورق، وندخل ننتخب مرشحي الحزب الوطني في أكتر من لجنة، وفي أوقات كنَّا بندخل ننتخب أي حد نازل ضد مرشحي المعارضة”.

هذا غير استخدام العمال في الترتيب لانتخابات نادى سموحة الذي يرأسه فرج عامر حاليًا.

فى عهد مبارك، كانت توجد صورة بالحجم الطبيعي لمبارك على باب مكتب فرج عامر في إدارة المجموعة ببرج العرب، وكانت صور مبارك تُعلَّق في كل مكان بمجموعة الشركات، وحتى على أبواب الشقق في السكن الإداري التابع للشركة ببرج العرب.

كان فرج عامر يتبرَّع بمبالغ كبيرة لصالح الحزب الوطني الديمقراطي. في المقابل كان مرتب العامل في التسعينيات في بداية التعيين حوالى 190 جنيه فقط، ولم يزد هذا المبلغ إلا في نصف العقد الأول من الألفية، فصار العامل يتقاضى حوالي 280 جنيهًا.

ظلَّت المرتبات في هذا المتوسط مع إضافة الزيادات السنوية الدورية حتى اندلاع الثورة في يناير 2011، فانتفض العمال في أواخر الأيام الثمانية عشر لخلع مبارك، مطالبين بزيادة المرتبات وتحسين ظروف العمل. أما بعد الاحتجاجات، فقد أصبحت مرتبات العمال حديثي التعيين 713 جنيهًا، يتقاضى منها العامل 650 جنيهًا بعد استقطاع التأمينات والضرائب، ومرتب مهندسي الإنتاج والجودة في بداية التعيين 860 جنيهًا.

و في عام 2012 صدر قرار عن إدارة الشركة بتحديد مدة عقود عمل العاملين الجدد بـ6 أشهر تُجدَّد حسب رغبة الإدارة، وهذا لتسهيل فصل العمال دون الحصول على أيِّ مستحقات. أثار هذا القرار غضب العمال الجدد بسبب إحساسهم بعدم الاستقرار في أماكن عملهم، فاحتجوا بعد فشل مفاوضات النقابة المستقلة –التي تأسَّسَت بعد ثورة يناير- مع إدارة الشركة، وأضرب العمال عن العمل لمدة 3 أيام، فقرَّرَت إدارة الشركة غلقها لتهديد العمال، ومنعت أوتوبيسات الشركة من نقل العمال من أماكن سكنهم إلى مقر الشركة ببرج العرب.

جَمَعَ مديرو المصانع وقتها توقيعات العمال على محاضر جماعية، مستغلين رغبة العمال في العودة للعمل، قائلين لهم إن هذه المحاضر من أجل إعادة فتح الشركة وعودة العمل بها، في حين كانت محاضر ضد أعضاء مجلس النقابة، متهمين إياهم بتحريض العمال على الإضراب وتعطيل سير العمل وإحداث تلفيات بالشركة، وهو ما لم يحدث بشهادة العمال أنفسهم، وشهادة مأمور قسم برج العرب المُوثَّقة في التلفزيون وقت الإضراب، إذ حَضَرَ مأمور القسم آنذاك لمعاينة الشركة بعد تقديم بلاغ من فرج عامر ضد العمال المحتجين.

جرى تحويل أعضاء مجلس النقابة إلى التحقيق الإداري بمقر الشئون القانونية بالشركة في برج العرب، وأُغلِقَ باب الشئون القانونية على مجموعة منهم حتى حضور الشرطة للقبض عليهم من داخل المكتب.

فُصِلَ أعضاء مجلس النقابة ومجموعة من العمال فصلًا تعسفيًا من العمل، فيما عيَّنَ فرج عامر مجلس نقابة مؤقت تابع وخاضع له، وهذا المجلس بعد ذلك تولَّى إدارة النقابة بشكل دائم.

ورغم فصل العمال، منع الاحتجاج تمرير قرار الإدارة بتحديد مدة عقود العمل الجديدة بـ6 أشهر فقط.

رجل السلطة في كل الأزمنة
بعد إسقاط مبارك بفضل ثورة يناير، وبعد إجبار المجلس العسكري على إجراء انتخابات رئاسية بفضل الاحتجاجات الكبيرة، وما ترتَّب عليه من تولي محمد مرسي الحكم، ذهب مرسي في زيارةٍ لمحافظة الإسكندرية، فهَرَعَ فرج عامر للصلاة خلفه بأحد المساجد بمنطقة سيدى جابر، متحوِّلًا بذلك مثله مثل باقي رجال الأعمال الذين تحوَّلوا إلى تأييد السلطة الجديدة. كان واحدًا من رجال الأعمال الذين سافروا بصحبة مرسي إلى الصين، وكان أغلب رجال الأعمال الموجودين هم من رجال أعمال الحزب الوطني المنحل الذين تحوَّلوا لمهادنة الإخوان للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية.

وخلال المظاهرات التي خرجت في 30 يونيو 2013 تصدَّرَ فرج عامر المظاهرات التي خرجت في الإسكندرية في منطقة كفر عبده، حيث يسكن ويدير شركته من هناك، رافعًا لافتة مكتوبة عليها “ارحل بقى يا عم.. خلِّي عندك دم” ورُفِعَ على الأكتاف ليقود الهتاف.

وخلال المسيرات، قابله أحد عمال شركاته وسلَّم عليه وأخبره أنه يعمل لديه بالشركة، فردَّ عليه عامر قائلًا: “ولادي حبايبي في المظاهرات”، فرحًا بوجوده على الرغم من أنه قبل هذا اللقاء بأشهر قليلة كان يتهم عماله بالتخريب والبلطجة لمجرد احتجاجهم لتحسين ظروف عملهم.

أصبح فرج عامر من أشد مؤيدي السيسي بعد الانقلاب العسكري، فشكَّلَ قائمةً لخوض الانتخابات البرلمانية -قائمة “في حب مصر”- بالاشتراك مع رجال أعمال ومؤيدين للسيسي، فيما كان عامر أمين القائمة في محافظات الإسكندرية والبحيرة ومطروح. حصلت هذه القائمة الداعمة للسلطة الجديدة على الأغلبية في مجلس النواب، ومرَّرَت كل القوانين والقرارات التي أرادتها السلطة، واضطلعت بالدور الأكبر في الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية التي باعت مصر على إثرها جزيرتي تيران وصنافير إلي السعودية، وظهر فرج عامر وقتها جالسًا على مقعد مجلس النواب رافعًا العلم السعودي ومؤيدًا لبيع الجزيرتين للسعودية، مؤكدًا على أن الجزر “أساسًا سعودية” حسب ادعائهم.

هكذا يواصل عامر دوره في خدمة الرأسمالية المتوحشة والسلطة السياسية عبر رئاسته للجنة الصناعة بمجلس النواب. ما مِن حلٍّ أمام العمال والقوى السياسية المنحازة لهم سوى تنظيم أنفسهم قبل أن يدهس قطار السيسي -فرج عامر الساعي لتمرير قانون العمل المُجحِف- العمال.