بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

كل الدعم لسجناء لقمة العيش

هاشم ووسام ينتظران تضامن الحركة العمالية والقوى السياسية

أطلق النظام خلال العامين الماضيين سراح عدد مهم من القيادات العمالية المكافحة ضد سياسات الافقار والخصخصة ووأد النقابات المستقلة، في محاولة لاحتواء غضب العمال المتصاعد نتيجة للازمة الاقتصادية وتحت ضغوط دولية ومحلية، ولكن ما زال هناك فارسين قابعين خلف القضبان، محمد هاشم ووسام صلاح، يجب أن يكون مطلب الافراج عنهم على رأس مطالب الحركة العمالية والسياسية.

واللافت أن النضال العمالي يتصاعد مجددا رغم الاعتقالات وسيف الفصل، بعد أن باتت الحياة مستحيلة في ضوء ارتفاع الأسعار الجنوني، ولأن النظام لن يدخر جهدا لإخماد حراك العمال، على الحركة العمالية أن تعلي من ثقافة التضامن، الغائبة لحد كبير للأسف، مع قياداتها المحبوسة والمفصولة، ومن جهة أخرى يجب على القوى السياسية أن تنفتح على النضالات العمالية وتقدم لها كل أشكال الدعم.

وفيما يلي تقريرًا يلقي الضوء، على عدد من القيادات العمالية المحبوسة أو التي تعرضت للاعتقال، والتي تمكنا من حصرها،خلال الفترة الماضية.

هاشم ووسام ..

أعاد تجديد حبس القيادي العمالي بالنقل العام محمد هاشم لمدة 15 عشر يوما، يوم خمسة فبراير الجاري، بذات التهم المعتادة من الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها ونشر أخبار كاذبة مجددا فتح ملف اضطهاد القيادات العمالية بسبب دفاعهم عن لقمة العيش،هاشم الذي كان يعمل بالنقل العام ولعب دورا في تأسيس نقابة العمال المستقلة وسبق أن ألقي القبض عليه لمدة 4 أشهر لدفاعه عن حقوق العمال عام 2015، اختفى عشرة أيام كاملة قبل ان يظهر في يوم 29 يناير أمام نيابة أمن الدولة العليا.

يذكر أن قوات الأمن قد ألقت القبض على هاشم 19 يناير الماضي من منزله، ثم قامت قوات الأمن في اليوم التالي الجمعة20 يناير باقتحام منزله والاستيلاء على جهاز الكمبيوتر الموجود بالمنزل دون إظهار إذن بالقبض أو إيضاح السبب، ويعاني هاشم من مشاكل صحية بالقلب وارتفاع ضغط الدم وكان يستعد لإجراء عملية في عينيه وحياته مهددة في ظل الإهمال الطبي المتفشي في السجون المصرية.

بينما الفارس الثاني هو وسام صلاح محاسب يساري عمل بعدة شركات بالإسكندرية، أب لطفلين محبوس على ذمة قضية 93 لسنة 22 حصر أمن دولة متواجد في سجن القناطر منذ عام كامل.

وسام اعتقل يوم 22 يناير 2022 وظل مختفيا حتى يوم 14 مارس، أي خمسون يوما كاملا، حيث ظهر في نيابة أمن الدولة بالقاهره ،ليمكث حتى اليوم في سجن القناطر، ولنا أن نتخيل عناء الزيارة على زوجته وسفرها المتكرر لمدة عام كامل من الإسكندرية للقاهرة.

وسام تهمته الحقيقية أنه كان من المدافعين عن حقوق العمال وواحد من النشطاء البارزين في المؤتمر الدائم للعمال بالإسكندرية،قبل ان يوقف المؤتمر نشاطه، ويجمد وسام نشاطه لظروف شخصية.

العسكر والعمال قمع متواصل

ولم يدع النظام المصري نبتة نضالية وسط العمال إلا واستأصلها بآلاته القمعية. منذ أن بدأ عبد الفتاح السيسي في الانقضاض على قمة هرم السلطة في مصر، وبدأ التنكيل بالعمال لإسكات صوتهم المطالب بإعادة توزيع الثروة في المجتمع، لصالح محدودي الدخل، وحتى قبل إتمام إجراءات الانتقال الكامل للسلطة.

في مارس 2014، أُلقِيَ القبض على خمسة نقابيين من عمال الهيئة القومية للبريد بعد إعلان الاتحاد النوعي لعمال البريد الاضراب للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور والحصول على العلاوة السنوية المقررة قانونًا، ولم يُفرَج عنهم سوى بعد الضغط على زملائهم لفض إضرابهم.

ولم تتوقف الألة القمعية للدولة عند هذا الحد، وفي مايو 2016 اعتُقِل 26 من عمال الترسانة البحرية وأُحيلوا للمحاكمة العسكرية على خلفية إضرابهم للمطالبة بالحد الأدنى للأجور وتحسين ظروف العمل، وحُكِمَ عليهم بسنة حبس مع إيقاف التنفيذ في 2019 وفُصِلوا من عملهم.

وفي عام 2016 تم اعتقال القيادي سعيد شحاتة قبل يوم واحد من جلسة المزاد العلني لبيع أراضي الشركة العربية للغزل والنسيج “بوليفار”، ولكن التهم أصبحت مختلفة الان.
عم سعيد شحاته اتُّهِمَ بالانضمام لجماعة الاخوان المسلمين والاعتداء على نقطة شرطة بغرب اسكندرية.

ومن تلك الواقعة أصبحت العصا التي تلوح ضد اي نضال عمالي هي عصا توجيه تهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين.

وهو ما جرى بالضبط العام الماضي مع قيادات عمال مصر للتأمين، ومن قبلهم مع القيادي العمالي خليل رزق الذي القي القبض عليه يوم 17 نوفمبر 2019 من محيط مسكنه بمنطقة المرج اثناء تواجده مع شقيقه بأحد المقاهي ولم يعرض على النيابة إلا بتاريخ 21 نوفمبر 2019 حيث وجهت له نيابة أمن الدولة العليا اتهامات بالانضمام لجماعة ارهابية ونشر أخبار كاذبة واستخدام حساب على شبكة المعلومات بهدف ارتكاب جريمة،ولم يتم الافراج عنه الا بعد 18 شهرا بتدابير احترازية، يذكر أن خليل رزق قبيل القبض عليه قد أقام دعوى بمحكمة القضاء الإداري يختصم فيها نقابة العاملين بالنقل البري ويطلب إلغاء مواد بلائحة قانون المرور تلزم العمال بسداد اشتراكات النقابة العامة كشرط لتمكينهم من تجديد رخص القيادة المهنية الخاصة بهم، وذلك لمخالفتها الدستور ولقانون تنظيم النقابات رقم 213 لسنة 2019.

ومن النقل البري الى موظفي الشركات، فقد القي القبض على ثلاث عشر عاملاً من عمال شركة مصر للتأمين وحبسهم على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 بسبب إبدائهم الاعتراض على لائحة قطاع الأعمال العام التي أوقف العمل بها بسبب ما أثارته من ردود أفعال غاضبة في أوساط العمال، قبل ان يخرجوا على دفعات وكان اخرها العام الماضي.

كما جرى اعتقال كل من على فتوح مصيلحي، عبد الوهاب رضوان أبو يوسف، ومحمد مصطفى علي إمام العاملين بهيئة النقل العام بتاريخ 13 مايو 2021 بسبب آرائهم المتعلقة بالأحوال العمالية وأداء نقابتهم العامة ، حيث تم حبسهم على ذمة القضية رقم 910 لسنة 2021 حصر أمن دولة. وافرج عنهم العام الماضي أيضا.

كما جرى اعتقال العامل محمد محمد السيد مراد العامل بهيئة السكك الحديدية والذي تجاوز عمره ثلاثة وستين عاماً، يوم 21 سبتمبر 2021 على ذمة القضية رقم 1358 لسنة 2019 ، بتهمة الانضمام لحزب سياسي (حزب الاستقلال)،والدعوة للتظاهر، واطلق سراحه نهاية العام الماضي، بعد الإفراج عن رئيس الحزب مجدي حسين، وزوجته نجلاء القليوبي، والقيادي بالحزب مجدي قرقر، فيما يؤكد عدم جدية الاتهامات الموجهة لأعضاء الحزب.

وفي أكتوبر عام 2020 ألقي القبض على، ممتاز فتحي عبد الوهاب الصراف بمنطقة الضرائب العقارية بالجيزة على خلفية عمله مع زملائه على إعادة تأسيس اللجنة النقابية المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية بالجيزة. ممتاز ،49 عاما، وهو أب لستة أولاد، جل تهمته هي السعي مع زملائه للحفاظ على تنظيم نقابي يدافع عن مصالحهم، ورفض الانضواء مجددا ضمن الاتحاد العام الحكومي، ولم يفرج عنه الا بعد مرور عامين كاملين.

يذكر أن موظفي الضرائب العقارية شكلوا أول نقابة مستقلة في مصر عام 2009.

كما شهد العام الماضي اعتقال القيادي العمالي الاشتراكي شادي محمد لمدة 50 يوما على خلفية احتجاجات عمالية بشركة لينين جروب، والتي فصل منها تعسفيا أيضا بسبب مطالبته بحقوق العمال، وشادي أحد مؤسسين المؤتمر الدائم للعمال في اسكندرية، وحبس على ذمة القضية 1033 إداري الدخيلة في سجن برج العرب.

معاناة الأهالي

وقالت زوجة شادي في تدوينة لها، على مواقع التوصل الإجتماعي”امبارح بليل تم القبض على شادي محمد جوزي خلال كمين في برج العرب وهو رايح شغله على أساس أنه تنفيذ أحكام قضية،وبعدين اكتشفنا أن سبب القبض عليه سياسي وهو اترحل على قسم الدخيلة وبعدين النهارده، هيتعرض على نيابة الدخيلة بقضية رقم 1033 “.

وتضيف”شادي قدم كتير خلال السنين اللي فاتت في المجال العمالي والنقابات وأي عامل كان يعرفه وحصل عنده مشكلة حقيقي بيجري يساعده معرفش ليه سبب القبض عليه .. نشاطه كان عشان خاطر الفقرا وحقوق العمال، كان حلمه زي حلم كتير دنيا مفيهاش غير العدالة لكل الناس”.

وتستكمل معبرة عن معاناة أهالي العمال المعتقلين “انا دخلت تلات زيارات في برج العرب وكنت بحمد ربنا اني لسه معنديش أطفال عشان مش متخيلة كان الوضع هيبقى ايه وقتها مع مصاريف البيبي ومش متخيلة اكتر لو كان سجن شادي طول لا قدر الله ومع الأزمة الاقتصادية دي الوضع كان هيبقى عامل ازاي مع العلم أن العصائر و الشاي والسكر و الألبان لازم اشتريهم من الكانتين جوة السجن والسعر اد اللي بره مرة ونص دلوقتي بقى السعر بقى عامل ازاي … ده انا بتكلم عن الحاجات التكميلية .. تعالى بقى احسب هتعمل اد ايه فراخ او لحمة للزيارة بأسعار دلوقتي تعالى احسب مصاريف السفر للي عيالهم في سجون بره محافظتهم “.

وتقول زوجة عامل معتقل اخر “من زمان واحنا بنسمع عن أسر معتقلين بيبيعوا عفش بيوتهم عشان يقدروا يصرفوا على عيالهم اللي في السجون وبيبقى تلات ارباع اللي في الوضع ده أمهات وزوجات مرة واحدة بيلاقوا نفسهم في وش المدفع”.

صناديق التضامن

ربما أصبحت الحركة العمالية اليوم في أمس الحاجة لأحياء آلية صناديق التضامن العمالية والتي عرفتها الحركة العمالية المصرية منذ نشأتها مطلع عشرينيات القرن الماضي.

وبحسب ما كتب المناضل العمالي الشيوعي الراحل طه سعد عثمان، في مذكراته المهمة، “ازدادت صناديق التضامن بشكل واسع تحديداً في الأربعينات في مصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، حيث شهدت هذه الفترة كماً هائلاً من الإضرابات العمالية، صاحبها تشكيل صندوق التضامن الاجتماعي بالنقابة العامة لعمال الغزل والنسيج، وكان هذا الصندوق يعتبر بمثابة ألية مقاومة شديدة التماسك امام أليات قمع الدولة ومتنفس قوى للعمال حال اعتقالهم او فصلهم، او نقلهم تعسفيا، كما شهدت ذات الفترة تشكيل “لجنة مندوبي المصانع” التي كانت المنظم الرئيسي للإضرابات داخل هذه الشركات، كما كانت الوحيدة التي تدير الإضرابات التضامنية”.

ويستكمل عم طه “عندما كان صاحب شركة ما يبلغ البوليس عن عمال يقودون إضرابا، فكان سرعان ما تشهر لجنة مندوبي المصانع باستغلال أصحاب الأموال وتندد بمحاولاتهم قمع الحركة العمالية، فيعلن الإضراب العام بين عمال شبرا الخيمة بأسرها.”

والمؤكد إن صناديق التضامن العمالي داخل الشركات باتت ضرورة ملحة لمقاومة أليات الدولة أو أصحاب رؤوس الاموال في قمع الحراك العمالي.

واليوم وفي ظل الغلاء المتصاعد والأجور المتدنية وموجة الخصخصة المقبلة وما سيرافقها، كما هو بادي حتى الآن، من تصاعد للنضال العمالي، بات من الضروري أيضًا على الأحزاب السياسية واليسارية بالذات إعلان دعمها الكامل وغير المشروط مع مطالب الحراك العمالي والقيادات العمالية المعتقلة، فحركة العاملين بأجر هي القادرة في نضالها من اجل تحسين واوضاعها الاجتماعية، على كسر شوكة الاستبداد واستعادة الديمقراطية بل وفتح الباب مجددا امام صعود النضال السياسي.