بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

لماذا اللهاث وراء تأسيس اتحادات نقابية عمالية الآن؟ ماذا يستفيد العمال من تأسيس اتحادات بدون قواعد نقابية؟

هذا هو السؤال الذي قفز لذهني عند سماعي أخبار عن محاولات تأسيس اتحادات نقابية عمالية جديدة، في الوقت الذي نعلم جميعاً أن القواعد العمالية قد انفضت (سواء بفعل اليأس أو القمع) من حول النقابات التي تأسست عشية الثورة والتي أتت الثورة وأعطتها دفعة مهمة.

فكما دفعت الثورة النقابات بقوة للأمام، دفعتها الثورة المضادة للخلف. فقد كان لانهزام الثورة، وتمكين الثورة المضادة أثر هدام علي النقابات الوليدة بشكل خاص، وعلى العمال وحقوقهم بشكل عام.

اقدر حرص عدد من النقابيين الذين ما زالوا قابضين على الجمر على إعلاء صوت العمال، ولكني لا أفهم ما فائدة أن نعلن عن تأسيس اتحادات ليس لدينا الآن نقابات حقيقية وموجودة على الأرض تناضل مع العمال كتف بكتف من أجل اقتناص حقوقهم، والحفاظ على ما تبقى من حقوق تم سرقتها؟

لا أعتقد أن أياً من النقابيين المناضلين يرغب في وجود هياكل لاتحادات فارغة من الداخل، حتى يكون لدينا أسماء لاتحادات لا تملك من أمرها شئ، فما بالنا لما تملكه بالنسبة للعمال.
تري هل هناك اعتقاد بأن ذلك النظام من الممكن أن يعترف بأي من تلك الاتحادات التي من الممكن أن تشهر بهذا الشكل، ويعطيها حق التفاوض بأسم العمال؟

لعل تجربة الأحزاب والقوي السياسية التي هرولت للمشاركة فيما سمي بالحوار الوطني خير مثال على أن ذلك النظام لن يعطي أحد أي شئ، فهو يأخذ ولا يعطي.

فقد أخذ اعتراف القوى المدنية به كنظام يحاور معارضيه، واستخدمها لكي يخفف من الانتقادات التي توجه له من الخارج. وعلى الرغم من أن النظام السياسي أفرج عن عدد من معتقلي الرأي ضمن القوائم الطويلة التي تقدمت بها تلك القوي، إلا أنه اعتقل أكثر ممن أفرج عنهم.

كما أن مساندة المنظمات الدولية ليست ذات جدوى إلا إذا كان العمال يقفون بقوة للمطالبة بحقوقهم، وقد شاهدنا في السنوات الفائتة ذلك بوضوح.

فرغم أن قانون النقابات القديم 35 لسنة 1976 كان مخالف للاتفاقيات الدولية منذ صدوره إلا أن منظمة العمل الدولية لم تتحرك وتدين الحكومة المصرية إلا بعد الحركة الاحتجاجية القوية المتصاعدة التي بدأت بإضراب عمال المحلة 2006.

لذا أسأل بشكل جاد: ما فائدة الإعلان عن تأسيس اتحاد للعمال بلا تواجد لنقابات قوية تستطيع الدفاع عن حقوق اعضائها؟ أسأل وأتمنى أن يجيبنى على هذا السؤال من يعملون على تأسيس اتحادات الأن.

نسمع من يتحدث عن الفرصة السانحة الممثلة في الانتخابات الرئاسية، والتي ستنشغل فيها كل أجهزة الدولة، والتي يعتبرها البعض فرصة لابد من اقتناصها بتأسيس اتحاد يصبح موجود.

وهنا أسأل مرة أخرى هل نتذكر جيداً المبادي والمعايير التي تجعل من النقابات والاتحادات فاعلة وممثلة لأعضائها؟ بدءاً من التمثيل القاعدي، والديمقراطية في اختيار المجالس التنفيذية للنقابات والاتحادات، وكذلك الديمقراطية في إدارتها. وكذلك أهمية تكوين الأعضاء وإعادة تأهيلهم، لكي تمتلك النقابات والاتحادات أعضاء وقيادة لديها ثقافة وفكر ملم بكل قضايا ومشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كل تلك المعايير مهمة لكي تحقق النقابات والاتحادات الهدف من وجودها.

فإذا كانت لدينا فرصة سانحة لماذا نهدرها في تشكيل هياكل فارغة من مضمونها، لا ترتقي لأن يكون لديها أياً من المعايير اللازمة لفاعليتها؟

إذا كان لدينا فرصة فلنستثمرها في الضغط من أجل إنهاء مشاكل النقابات المعلقة، والتي ظلت علي هذا الوضع لسنوات، بسبب عدم اعتراف وزارة القوي العاملة بها.

إذا كان لدينا فرصة فلنستخدمها في الضغط من أجل تعديل قانون النقابات لكي لا تكون أجهزة الدولة المختلفة حاجز بيننا وبين تأسيس نقاباتنا بحرية.

إذا كان لدينا فرصة فلنستخدمها من أجل إقرار حد أدني لأجور كل العمال المصريين سواء العاملين بالقطاع العام أو الخاص أو الحكومي، على أن يكون كافي لأحتياجات أسر العمال، بدلاً من الحد الادني الحالي الذي يستبعد أغلبية العمال في القطاع الخاص، والذي يضع من يتقاضاه تحت خط الفقر.

إذا كانت لدينا فرصة فلنستخدمها في الضغط من أجل زيادة الأجور وتدريجها لكي تتماشي مع نسب التضخم.

كل تلك مطالب للعمال وغيرها الكثير، لذا علينا أن نختار أن لا نضيع الفرصة في إيجاد هياكل لن يأتي من وراء وجودها سوى المزيد من الانشقاقات وسط صفوف النقابات المستقلة عن الدولة، والتي شاهدنا بوادرها في خضم زخم تأسيس النقابات المستقلة، فما بالنا الآن!