بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

النقابة المستقلة:

بين النخبة العمالية والطليعة العمالية

ربما تكون إحدى القضايا الكبرى التي آثارتها موجة الإحتجاجات العمالية التى شهدتها مصر خلال نصف العام المنصرم هي قضية التنظيم العمالي التي عبر عنها بدقة الجدل الدائر في أوساط النشطاء والمناضلين العماليين الذين يمكن أن نطلق عليهم النخبة العمالية المسيسة، هذا الجدل الذي يدور بشكل أساسي حول موقفين، الأول يرى أن المأزق الراهن للحركة العمالية في جوهره يتمثل في أزمة الفراغ التنظيمي الذي يعيشه العمال في ظل السيطرة الكاملة للدولة على النقابات الرسمية على مدار نصف القرن الماضي، الأمر الذي انكشف للجميع مع الإنتخابات العمالية الأخيرة التى أفرزت نقابات واتحادا عاما للعمال مواليا تماماً للدولة باستخدام كل وسائل التزوير والقمع للمعارضة وحتى المستقلين في هذه الإنتخابات، وما أكد على ذلك أن أصبحت النقابة الرسمية هدفاً للهجوم فى كل حدث إحتجاجي للعمال تقريبا وربما يكون إضراب غزل المحلة أدق مثال على ذلك، فمنذ سنوات طويلة يصبح أحد المطالب الأساسية للعمال اسقاط النقابة.

ووفقاً لهذا التحليل يذهب أصحاب هذا الرأى للقول بإنه قد آن الأوان لإعلان النقابات المستقلة الحرة، وهذه الفكرة وراء الدعوة لتأسيس النقابات المستقلة الآن وفوراً في موقع أو اثنين من المواقع التى تتواجد فيها بعض القيادات المقتنعة بذلك، وهذه الفكرة أيضاً وراء مبادرات تأسيس إتحاد عمالي حر مستقل يكون بديلاً عن الإتحاد الرسمي الأصفر، وتفسير ذلك قائم على أن جوهر مشكلة العمال أنهم يفتقدون راية ما أن يروها حتى يلتفوا حولها، فعلينا أن نرفع الراية الآن!!

خطأ هذا الإتجاه في الحقيقة نابع من الخلط بين النخبة العمالية المسيسة التى بلورت خبراتها وأفكارها عبر تاريخ طويل نتيجة انخراطها في الحركة السياسية على خلفية حركة عمالية وفي سياق مختلف، وأصبحت بفعل الزمن خارج سياق الحركة الإحتجاجية الحالية، وبين الطليعة العمالية الحقيقية التى أفرزتها حركة الإحتجاج العمالي في الشهور القليلة الماضية، والذين يحملون وعياً ودرجة تطور مختلفة تماماً ويخوضون تجربتهم في سياق سياسي واجتماعي واقتصادي مختلف أيضاً.

الخطأ هنا أن هذه النخبة العمالية تتصور أنها هي الطليعة العمالية وبالتالي هي قادرة بإرادتها المستقلة على قيادة النضال العمالي وأن هذا هو دورها في هذه المرحلة، فتصبح الفجوة بين هذه النخبة والواقع كبيرة للغاية، صحيح أن عمال المحلة رفعوا شعار إسقاط النقابة وتحركوا خطوات مهمة على هذا الطريق، إلا أن الملاحظة هنا أن هذه الخطوات رغم بطولتها وأهميتها، كانت مرتبكة ومشوشة وفاقدة للبوصلة، فلم يكن لدى العمال خطة للإجابة على التساؤل.. ماذا بعد الاسقاط؟، هذا الوضع هو ما يجب التوقف عنده وتحليله، لماذا توقف عمال المحلة عند مطلب اسقاط النقابة وفقط؟.

الإتجاه الثانى، رغم أنه فى المقابل من الإتجاه الأول، إلا أنه يفرض نفس الفكرة التي تقول بإن النخبة العمالية هي نفسها الطليعة العمالية، فرغم أن هذا الإتجاه يرى أن النقابات المستقلة في هذا التوقيت هي ضرب من العبث فهذا الإستنتاج منطلق من فكرة عدم نضوج الحركة حالياً وعلى المدى البعيد للقيام بهذه الخطوة الهامة، وهذا الإستنتاج يؤدي بأصحاب هذا الإتجاه إلى اتباع تكتيكات ربما يكون من شأنها انحراف الحركة العمالية إلى مسارات غير نضالية، مثل الإقتصار على النضال القانوني والإعلامي والدعم المعنوي لحركة العمال، وخطورة هذا أنه يصادر على إمكانيات تطور حركة عمالية تمتلك عبر تجربتها النضالية أدوات جديدة أكثر تطوراً.

كلا الإتجاهين من وجة نظرنا يكمن خطؤه القاتل في الخلط بين دور النخبة العمالية من نشطاء ومنضالين ومتضامين مع الحركة العمالية، وبين الطليعة العمالية التي تفرزها الحركة الإحتجاجية العمالية، هذا الخلط الذي يتجسد في استبدال هذه النخبة نفسها بدور الطليعة العمالية الطبيعية، وتفكر وتقرر وتخطط وتضع التصورات بالنيابة عن حركة العمال.

الموقف الصحيح من وجهة نظرنا يكمن في العلاقة التفاعلية بين الدائرتين –دائرة النخبة ودائرة الطليعة- فالنخبة هي مخزن الخبرة والوعي السياسي والنقابي المتكون عبر تجربتها، لكنها لا تمتلك مصادر القوة المادية الحقيقية التي تمكنها من ترجمة أفكارها إلى تجربة واقعية، هذه المصادر تكمن في يد الطليعيون الجدد الذين يفتقدون الكثير من الخبرات والتكتيكات لحل المعضلات التي تواجههم في نضالهم، هذه الخبرات الناقصة يتعلمها العمال من خلال تجربتهم الذاتية في المعارك ضد الإستغلال.

هنا تكمن أهمية العلاقة التفاعلية الجدلية بين الدائرتين، ويجب ألا يفهم من ذلك أن دور النخبة سيكون المعلم للحركة العمالية، بل على العكس، هذه النخبة تحتاج إلى إختبار رؤاها وأفكارها علي أرض الواقع من خلال استيعاب حركة العمال الحالية والتعلم منها، ولن يتسنى ذلك دون الإنخراط مع حركة العمال من أسفل والإستجابة لمطالبها البسيطة، دون القفز عليها إلى أفكار في أذهان هذه النخبة، أو المصادرة عليها بحجة امتلاك خلاصة الحكمة والتجربة، عندئذ يمكن لهذه النخبة أن تصبح مفيدة لحركة العمال، كما أنها تستطيع امتلاك رؤية واقعية لطبيعة هذه الحركة.

في هذا الإطار تصبح قضية النقابة المستقلة هي قضية الحركة العمالية الصاعدة وقادتها الطبيعيين الذين أفرزتهم الإضرابات والإعتصامات، هم وحدهم القادرون على تحديد توقيت إحتياجهم للنقابة أو أي تنظيم بديل، هذه الحاجة التي تعلمنا من تاريخ الطبقة العاملة وتاريخ تأسيس النقابات أنها تكون نتاج شروط موضوعية عند درجة معينة من تطور الصراع الطبقي فى أي بلد.