بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

إضراب النقل العام: انتصار بالضربة القاضية

جاء إضراب النقل العام الأخير في 18 و 19 أغسطس الماضي في توقيت بالغ الأهمية، لا بالنسبة لعمال الهيئة أنفسهم فحسب، وإنما إلى الحركة العمالية كلها أيضاً، فمن ناحية لم تشهد هيئة النقل العام إضراباً بهذا الحجم منذ إضراب 1976، والذي شكل بادرة من بوادر انتفاضة الخبز في العام اللاحق. بعدها تدهورت أوضاع العاملين بالهيئة، وانخفضت أجورهم، وتقلصت على نحو كبير امتيازاتهم الصحية والتأمينية في ظل تراجع مقاومة العمال لسياسات الدولة حيال الهيئة العمال، فمنذ ذلك الحين لم تشهد هيئة النقل العام مقاومة عمالية تذكر إلا خلال إضراب محدود في 2007 ، كان قد اقتصر على ثلاثة جراجات فحسب وانتهى بوعود لم تنفذ.

لكن التدهور الشديد في أجور العمال التي تتراوح فقط بين 250 جنيها- للعامل بعد خمسة سنوات من الخدمة – إلى 500 جنية –لقدامى العاملين اللذين امضوا ما يزيد عن 15 سنة في الخدمة، والتفاوت الكبير بين تلك الدخول والأسعار، دفع العمال لتنظيم إضرابا عن العمل يوم 18 أغسطس الماضي.

تنظيم الإضراب

بدأ الإضراب في سبعة جراجات رئيسية من أصل 17 جراج موزعين على القاهرة الكبرى، ومع ذلك فقد بدا تأثير الإضراب واضحاً بالرغم من استمرار عمال بقية الجراجات في العمل، واستطاع العمال المضربين تجاوز الساعات الأولى الحرجة من الإضراب، صامدين في وجه الضغوط الإدارية والأمنية الخانقة، وبعدها انضم رفاقهم من باقي الجراجات للإضراب، الذي اتسع بذلك ليشمل كل هيئة النقل العام بالقاهرة. وتقدر أعداد العمال اللذين شاركا بأكثر من عشرة آلاف عامل.

مع توقف أتوبيسات النقل العام آلتي تنقل ما يزيد عن ثلاثة ملايين راكب، و اختفائها من شوارع القاهرة ومن ثم تكدس الركاب في الشارع، وما تبعة من شلل في حركة نقل الركاب، حاولت الحكومة التقليل من آثار الإضراب عبر الدفع بأتوبيسات النقل الجماعي التابعة لمحافظات القاهرة، الجيزة ، القليوبية لكن بلا جدوى.

اضطرت الحكومة على اثر فشلها إلى التفاوض مع قيادات الإضراب على مطالب العمال آلتي شملت المطالب بوقف خصم قيمة المخالفات المرورية من رواتب السائقين، زيادة بدل الوجبة من 60 إلى 120 جنية عن 20 يوم عمل لجميع العاملين، زيادة نسبة التحصيل من 6%على التذكرة إلى 8% شهرياً، وصرف بدل عدوى للسائق و المحصل.

بعدها لجأت الحكومة لإصدار منشور موقع من رئيس الوزراء يعد بالنظر في المطالب و تنفيذها، إلا أن العمال رفضوا المنشور، ورفضوا فض الإضراب على أساسه، فاضطرت الحكومة للرضوخ أمام مقاومة العمال وأصدرت منشور جديد بتوقيع احمد نظيف يعلن الاستجابة للمطالب.

توقيت الإضراب

اللافت في توقيت إضراب النقل العام هو تنظيمه بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي، تدهورت خلالها إلى حد كبير أوضاع العمال وظروف عملهم في ظل مخططات الدولة لبيع جراجات الهيئة داخل الكتل السكنية وشراء أوتوبيسات جديدة، وهو ما يهيئ عمليا التخلص من الهيئة عبر بيع أصولها الثابتة، وهى أهم ممتلكات الهيئة، وميزتها النسبية في مواجهة شركات النقل الجماعي. ومن ثم تصبح الهيئة مجرد مجموعة من الأوتوبيسات المتهالكة ما يسهل التخلص منها بطري الخصخصة.

في التوقيت الحساس هذا إذن جاء إضراب ليذكر الدولة بأن مخطط البيع هذا لن يمر دون مقاومة.

عمال النقل العام، الذين صمتوا طويلًا على تردى أوضاعهم كغيرهم من العمال في المرافق العامة الإستراتيجية الأخرى، كالسكة الحديد، والمتر،و والبريد، بفعل الإرهاب البوليسي، الذي تمارسه مباحث كل جهة أو هيئة على العاملين فيها، الآن تطور الحركة العمالية الصاعدة منذ العام 2006 أفاد عمال الهيئة في إضرابهم.

على الجانب الآخر جاء توقيت الإضراب مثالياً بالنسبة للحركة العمالية برمتها، في ظل سياسة جديدة بدأت الدولة اتباعها حيال الإضرابات والاحتجاجات العمالية قوامها هو “التجاهل”، كما هو الحال مع إضرابات في شركتي طنطا للكتان، والسويس للأسمدة، ومع خبراء وزارة العدل. بل وامتد الآمر إلى حملة منظمة لاضطهاد القيادات النقابية لوأد آية محاولة لتوحيد الصفوف.

هذا التجاهل جاء بعد سلسلة من الإضرابات الناجحة في قطاعات الغزل، والنسيج، والموظفين، على سبيل المثال، في ظل تجنب الدولة، وقتئذ اللجوء لفض الإضرابات بالقوة بسبب اتساع الحركة العمالية من جهة، والظرف السياسي على خلفية الإعداد لتوريث السلطة.

لكن جاء إضراب النقل العام في هذا التوقيت ليمهد طريق الإضراب أمام قطاعات لا يمكن تجاهل احتجاجاتها أو الصمود في مواجهتها.

الإضراب واتحاد العمال

جاء الإضراب في لحظة حرجة بالنسبة لاتحاد العمال، فقد حاول الاتحاد وسعى جاهداً في الفترة الأخيرة لحفظ ماء وجهة، حيث حاول إثبات شرعيته لمواجهة نقابة الضرائب العقارية المستقلة، وفكرة استقلال النقابات ذاتها، مما دفعه إلى تبني إضراب عمال طنطا للكتان في مواجهة تعسف المستثمر السعودي، وفي الوقت الذي فشل فيه اتحاد العمال في ممارسة أية ضغوط حقيقية على الحكومة لتنفيذ مطالب العمال، الذي تبني إضرابهم، بل حاول التملص من الإضراب ذاته، في مرحلة لاحقة، وحاول تعليقه لولا مقاومة قيادات الإضراب الحقيقيين للفكرة. في هذا التوقيت وجدت نقابة النقل البري واتحاد العمال نفسها أمام إضراب أقوى أربك الحكومة إرباكا شديداً، هو إضراب عمال النقل العام، وانكشف الموقف الحقيقي لاتحاد العمال، ونقابته، التي وقفت ضد الإضراب، أعلن مجاور أن الإضراب محظور لأنه مرفق عام، وطالب بمحاسبة القائمتين عليه، مما دفع العمال إلى الهتاف ضد النقابة، وجمعوا توقيعات جماعية بالاستقالة من اتحاد العمال.

نجح عمال النقل في تنظيم الإضراب، بدرجة عالية من التماسك رغم تناثر مواقع الإضراب، وهو ما يشير إلى انه هناك قيادات واعية وقفت وراء هذا النجاح، إلا أنه لم يولد حتى الآن شكل ما منظم يربط بين قيادات الإضراب، ويوحد عملها تحت قيادة جماعية منتخبة، تستطيع متابعة ما حققه الإضراب من مكاسب وآليات للتحرك في الفترة المقبلة، لمواجهة خطط الدولة لخصخصة الهيئة، و لمتابعة مشاكل العاملين الأخرى في الرعاية الصحية، والتأمينات الاجتماعية، وغيرها، خاصة في ظل توقعات بإضراب قادم يحتاج قيادة جماعية منظمة.