درس دار الخدمات
لقد كانت الشهور الأخيرة من عام 2006 والنصف الأول من عام 2007 هي أيام الطبقة العاملة المصرية عن حق، فقد اندلعت حركة العمال منذ ديسمبر الماضي ولم تهدأ حتى الآن، بداية من إضراب غزل المحلة مروراً بحلوان ثم كفر الدوار ثم السكة الحديد وحتى إضراب المطاحن وعمال الطوب.
كان واضحاً للجميع أن حركة العمال واسعة النطاق وكانت تتسع يوماً بعد يوم، كما كان واضحاً أيضاً للنقيضين على جانب الدولة وعلى جانب القوى السياسية والمناضلين العماليين أن الموجة العمالية أعتى من الجميع، فالدولة قابلت الموجة على خلاف عادتها بكثير من المرونة والتسامح ولم تستخدم القمع والعنف في التخلص منها، وربما يكون ذلك مفهوماً في إطار الأزمة التي تعانى منها ديكتاتورية مبارك الآن، فالنظام لا يريد فتح جبهة جديدة للصراع بخطورة التحركات العمالية.
وفي المقابل كان واضحاً على جانب القوى السياسية التي تدرج القضايا العمالية على أجندتها – ونقصد هنا بالتحديد اليسار – أن وضعها الضعيف والمفتت يجعل كل فصيل منفرداً غير مؤهل لأن يكون عوناً حقيقاً للتحركات العمالية في مواجهة سلطة الدولة من ناحية وعلى طريق تطوير الحركة نفسها من ناحية أخرى، وقد تجلى هذا بوضوح في اختبار الانتخابات النقابية الأخيرة التي أجرت فيها الدولة مذبحة حقيقية لمرشحي المعارضة، سواء من خلال الشطب والمنع من الترشيح أو من خلال التزوير في العملية الانتخابية نفسها، كل ذلك دون مقاومة تذكر، ثم جاءت الاحتجاجات العمالية الأخيرة كاختبار جديد أمام هذه القوى، فآلاف العمال يتحركون بعد أقل من شهر من انتهاء الانتخابات النقابية، يرفعون إلى جانب مطالبهم الاقتصادية مطلب إسقاط النقابات المزورة، في مشهد رائع دلل على وعي العمال بعدم مشروعية التنظيم النقابي الرسمي والرغبة في الإطاحة به، وحقق العمال انتصارات كبيرة في الحصول على الكثير من مطالبهم.
ورأينا نشطاء اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية ودار الخدمات النقابية والتحالف الاشتراكي واتحاد اليسار وغيرهم يناضلون في نفس الطريق إلى جوار العمال، مشكلين روافع للحركة العمالية، لكنها ظلت روافع ضعيفة وصغيرة غير قادرة على تقديم إجابات واضحة على الكثير من الأسئلة التي واجهت حركة العمال وجعلتهم على مفترق الطرق، كما حدث مع عمال غزل المحلة بعد سحب الثقة من النقابة وتقديم استقالات جماعية منها، وطُرح سؤال هام حول ماذا بعد الإطاحة بالنقابة؟.
لم يقتصر الأثر السلبي للتفتت فقط على عدم القدرة على تقديم العون بالشكل الكافي للعمال، أو التشتت والغموض في طرح إجابات على تساؤلات هامة واجهت حركة العمال، لكن كان أثر ذلك أيضاً عدم القدرة على بناء حائط صد قوى ضد ديكتاتورية الدولة، فكانت الهجمة الشرسة التي تتعرض لها دار الخدمات الآن، والتي أسفرت عن إغلاق فرعيها بنجع حمادي والمحلة والكبرى، هنا فقط بدأ الجميع يعي درس الجبهة العمالية الموحدة، على أنها الحل الوحيد لتطوير حركة عمالية قوية قادرة على صد هجمات الدولة، فبدأت تحركات سريعة ـ لم تزل في طور التكوين ـ للتنسيق بين مختلف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لصد الهجوم على دار الخدمات.
خلاصة القول أنه ربما بات واضحاً للجميع أن مساندة التحركات العمالية التي تبدو متواترة ومتصاعدة، والمساهمة في تقديم إجابات واضحة للمعضلات التي تواجه حركة العمال اليوم، بالإضافة إلى القدرة على صد هجمات الدولة التي بدأ صبرها في النفاذ، لن يتثنى بدون العمل المشترك بين كافة القوى والتيارات المهتمة بالشأن العمالي.
لقد آن الأوان لبناء جبهة عمالية موحدة على ما هو مشترك بين الجميع تستهدف التواصل والالتحام مع الطبقة العاملة في حركتها حتى تصبح جزءا من هذه الحركة، تستمد منها القوة التي تحميها وفى المقابل تشكل رافعة موحدة قوية لهذه الحركة.