بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

نتيجة الانتخابات النقابية العمالية:

فراغ نقابي.. حركة عمالية مفتتة.. علاقات عمل جديدة

لم يكن حجم الاستبداد والهيمنة الأمنية التي أظهرتها الانتخابات النقابية العمالية مفاجأة بالمرة. فمسرح الانتخابات فى مصر، سواء كانت انتخابات رئاسية أو تشريعية أو طلابية أو حتى مهنية، بطله الأساسي والدائم هو الأمن. ولكن ما يستحق التأمل هو ضعف المقاومة التي واجهت خطط الدولة خلال الانتخابات العمالية. فاستبعاد أكثر من 20 ألف مرشح وحسم أكثر من %50 من اللجان النقابية بالتزكية وأكثر من 75% من مجالس إدارات النقابات العامة بالتزكية وهيمنة الأمن والإدارات بشكل مباشر على الترشيح والدعاية والتصويت والفرز، كل هذا تم دون مظاهر مقاومة حقيقية. ولا يمكن تفسير هذا الوضع إلا بأن الطرف الآخر، أى العمال كان غائبا. هذا الغياب يتناقض بشدة مع الحضور القوي للحركة العمالية يوميا وفى مختلف القطاعات، فبشكل شبه يومى تظهر الاحتجاجات العمالية بدرجات متفاوتة سواء فى القطاع الخاص أو العام أو الخدمات. والسؤال الذى يطرحه هذا التناقض بين الانتخابات النقابية العمالية والحركة العمالية، هو إلى أى مدى يعبر التنظيم النقابي فى مصر عن الحركة العمالية؟ الذى نقصده هنا ليس انحياز التنظيم النقابي لمصالح العمال ونضاله من أجلها، ولكن حتى بالمعنى البدائي تماما أى حجم عضوية وقواعد التنظيم النقابي فى مصر، وبالتالي حجم المعنيين من العمال بالانتخابات العمالية.

تناقضات التنظيم النقابي

إن حجم التنظيم النقابى فى مصر هو الآخر يحمل تناقضا هاما فعدد أعضاء التنظيم النقابي فى مصر 3.7 مليون عامل، أى حوالى20 % من العاملين، مما يجعل التنظيم النقابي أكبر منظمة على الإطلاق فى مصر. وبالمناسبة فإن نسبة العضوية النقابية إلى العمال فى فرنسا أقل من 15%. يبدو هذا مفاجئا بعض الشيء ولكن المفاجأة الأكبر هي أنه مع هذا العدد الضخم من الأعضاء فإن مدينة بحجم السادس من أكتوبر والتي يوجد بها حوالى 900 مصنع ليس بها سوى ست لجان نقابية فقط تضم أقل من 2500 عامل. كذلك مدينة العاشر من رمضان بها أكثر من 1300 مصنع وليس بها سوى ثماني لجان نقابية تضم حوالى ثلاثة ألاف عامل، والمدن الصناعية الجديدة جميعها ليس بها سوى 25 لجنة نقابية. أي أن التنظيم النقابي شبه غائب تماما عن القطاع الخاص. فما هى إذاً طبيعة هذه العضوية الضخمة للتنظيم النقابي؟ تكشف طبيعة العضوية فى التنظيم النقابي زيف هذا الرقم الضخم للعضوية، إذ يضم التنظيم النقابى الرسمي كافة العاملين فى القطاع العام، أي ما تبقي فيه وهو ما يزيد قليلا على نصف مليون عامل. وبالإضافة إلى القطاع العام هناك قسم كبير فى عضوية التنظيم النقابي هم العاملين بالحكومة والهيئات الحكومية، وهى عضوية عمالية يغلب عليها الطابع الإداري والخدمي، وليس الصناعي. ولكن الجزء الأهم فى تكوين هذا التنظيم هو عضوية ما يسمى باللجان المهنية، وهى لجان تنشأ على أساس جغرافي وتضم العمال الذين يعملون خارج المنشآت على أساس المهنة وهي عضوية وهمية فمثلا كل سائقي الأجرة فى مصر يعتبرون أعضاء فى النقابة العامة للنقل البري لا لشيء إلا لأن اشتراكاتهم تحصل منهم عند تجديد رخصة القيادة. كذلك المزارعين الذين لديهم حيازة زراعية يعتبرون أعضاء فى نقابة العاملين بالمهن الزراعية. والواقع إن كافة أعضاء اللجان المهنية ليس لهم أى صلة بالعمل النقابي أو حتى معرفة به سوى الاشتراكات التى تحصل منهم عند تجديد الرخص أو استخراج أوراق رسمية .

هذه القاعدة الزائفة للتنظيم النقابي تفسر جزئيا غياب المقاومة العمالية لتزوير انتخابات لم يكونوا جزءا منها ولا حتى بالتصويت، ولكنها بالإضافة إلى ذلك تشير إلى حالة فراغ نقابي غير عادية. وإذا كان غياب التنظيم النقابي عن المدن الجديدة وعمال القطاع الخاص يشكل فراغا نقابيا، فإن ما يعمق هذا الفراغ ويزيد من أثره هو التحولات التى جرت فى علاقات العمل فى مصر فى السنوات العشر الأخيرة.

اقتصاد السوق ومعضلات التنظيم النقابي

خلق وجود تنظيم نقابي تهيمن عليه الدولة منذ الخمسينات وحتى الآن فراغا نقابيا حتى فى الأماكن التى كان يتواجد بها. ولكن وجود علاقات عمل مستقرة نوعا ما وخضوع الحقوق والمزايا العمالية لقوانين مباشرة وواضحة وليس لتوازنات العلاقة بين العمال وأصحاب العمل كان يقلل من الإحساس بهذا الفراغ. فلم نكن نشهد مثلا، فى ظل سيادة القطاع العام، حالات الفصل الجماعي أو تخفيض الأجور أو تأخرها أو إغلاق المنشآت. وكانت أكثر اللحظات التى يظهر فيها الدور النقابي ضد العمال هى لحظات الاحتجاج العمالي والتى كانت النقابات الرسمية تقف فيها عادة ضد العمال. وهو ما حدث مثلا في إضراب السكة الحديد فى 1986، واعتصام الحديد والصلب فى 1989،واعتصام كفر الدوار فى 1984 و1994. ومثلما قللت حالة الاستقرار النسبي التى خلقتها الدولة فى علاقات العمل من الإحساس بالفراغ النقابي الناتج عن تبعية النقابات للدولة، فإنها أيضا عطلت تطوير آليات عمالية مستقلة عن الدولة تتطور إلى القيام بدور نقابي مستقل وجماهيري.

وعلى الرغم من النضال العمالي الذى فرض نفسه بقوة فى السبعينيات والثمانينيات، فإن هذه الحركات التى ارتبطت عادة بمطالب أو ردود أفعال لم تنجح فى خلق تراكم نقابي وكانت أقرب إلى الانفجارات. وفى هذا السياق لم يواجه التحول إلى اقتصاد السوق والعصف بحقوق العمال بمقاومة حقيقية، حتى وإن ووجه بردود أفعال هنا وهناك. وهكذا أصبحنا أمام مفارقة علاقات عمل فرضتها آليات السوق تحتاج إلى توازن فى القوى بين العمال ورجال الأعمال للحفاظ على حقوق العمال، وتنظيم نقابي ينتمى إلى عهد البيروقراطية التى كانت تتقرر فيها الحقوق العمالية وفقا لاحتياجات السلام الاجتماعى وليس توازنات القوى. أى إن المعركة جاءت قبل أن يتمكن العمال من الحصول على سلاحهم.

يبدو أن الصورة أكثر وضوحا الآن. لدينا تنظيم حكومي ينتحل الصفة النقابية لتفويت الفرصة على وجود حركة نقابية مستقلة، ولدينا قطاعات واسعة من العمال محرومة من العمل النقابي، حتى تلك التى يضمها التنظيم النقابي لا تتمتع بممارسة نقابية حقيقية. وفى نفس الوقت لدينا حركة عمالية عفوية وتلقائية فى مواقع العمل المختلفة لا تحظى بالدعم الكافي، وتعاني من شروط وتوازنات غاية فى الصعوبة. ربما كان الاختصار الذى صاغه تقرير اللجنة التنسيقية عن انتخابات 2001 موفقا للغاية فى وصف هذه الحالة (عمال بلا نقابات.. ونقابات بلا عمال). وبالتالي نحن أمام معادلة بسيطة ولا تحتاج الكثير من الجدل، فالعمال الذين بلا نقابات يجب دعمهم فى تكوين تنظيمات نقابية تتمتع بالاستقلال والديمقراطية وتستطيع أن تقوم بالدور النقابي. والنقابات التى بلا عمال يجب كشف حقيقة دورها والتشهير بها وحرمانها من المتاجرة بعضوية وهمية. ولكن لا يمكن اعتبار الأولوية الآن لخوض صراع ضد التنظيم النقابي الرسمي، إن هذا كفيل بأن يحول معركة النقابات إلى معركة نخبوية بعيدة عن العمال، معركة تخوضها مجموعة من المناضلين ضد التنظيم الأصفر فى غياب القواعد العمالية. ولكن الصراع ضد التنظيم الحكومي يجب أن يأتى ضمن عملية سد الفراغ النقابي وسط العمال ومحاولة تنظيم الحركة العمالية الموجودة بالفعل.

فى النهاية يجب الإشارة إلى إن معركة النقابات العمالية جزء أساسي من معركة الديمقراطية فى المجتمع، وبدونها تظل معركة الديمقراطية حركة نخبوية معزولة وغير مؤثرة. هذا يعني إن كافة القوى المعنية بمعركة الديمقراطية مدعوة لدعم حق العمال فى الحصول على نقابات حرة ومستقلة، ولكن دون استخدام ذلك لمصالح حزبية وحلقية ضيقة.