بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

القانون الكارثة:

كيف نمنع صدوره؟

على مدى السنوات الماضية تعرض عمال مصر لتزايد وارتفاع في معدلات النهب والاستغلال مما أدى لانخفاض حاد في مستوى الأجور. فعلى مدى السنوات من 1985 وحتى 1994 هبط الرقم القياسي لأجور العمال (أي ما يعبر عن القيمة الشرائية للأجور) من 137 جنيه في 1985 إلى 81 جنيه في 1994. هذه الأجور المتدنية تعجز أمام الارتفاع الرهيب في الأسعار.

ولم يكتف النظام في مصر وهو الممثل الرسمي للرأسمالية بتسهيل ذلك، بل عمل بدأب على إخضاع العمال لأبشع حالات الاستغلال فاتحًا الباب على مصراعيه ودافعًا العمال للطرد والتشريد تحت مسميات نجح بدرجات عالية في الترويج الإعلامي المكثف لها: “الإصلاح الاقتصادي، المعاش المبكر، الصندوق الاجتماعي بدلاً من التزام الدولة بتشغيل الخريجين والعاطلين.. إلخ”. وقد عمل هذا النظام على تمهيد الطريق للرأسمالية المصرية والعالمية بسحق أي تحرك عمالي لوقف هذا النهب. فنجده يضع كتائب الأمن المركزي بل والدبابات أحيانًا تحت تصرف إدارات وأصحاب المصانع.. وكلنا نتذكر اقتحام مصنع أسكوفي 1986، والحديد والصلب 1989، وقتل عدد من أهالي كفر الدوار 1994.

ونتيجة للتراجع الحاد في الحركة العمالية وغياب البديل الحقيقي والثوري، أصبح الملايين في مصر في حالة بطالة حقيقية ومقنعة خصوصًا في صناعة النسيج المتوقفة. حيث أغلقت بعض المصانع تمامًا والبعض الآخر متوقف عن الإنتاج منذ سنوات. وتلجأ الرأسمالية في ظل هذا الوضع لتشجيع عمل الأطفال وإخضاعهم لأبشع صور الاستغلال!!!

هذه هي وضعية الملايين من عمال مصر وهي تسير من سيء إلى أسوأ.. يقابلها وعلى النقيض منها وضعية أصحاب المصانع ورجال الأعمال التي تزداد ثرواتهم يومًا بعد يوم، وتشيد قصورهم المنيعة وتجهز لهم المدن الخيالية دون جهد أو عرق. بينما نحن المنتجون الحقيقيون تضيع دماؤنا وعمرنا وتسوء حالتنا ونعجز حتى عن تلبية ضرورات الحياة اليومية. فهل هذا التناقض في الأوضاع بيننا وبينهم صدفة؟!

في الحقيقة الأمران وجهان لعملة واحدة. فتصورهم وثرواتهم من عرقنا نحن، فلو وضعوا ملايينهم في المصانع وأغلقوها لن تنتج شيئًا دون قوة عملنا، فلا ينتج على الأرض سوى العامل والفلاح. وكلما زاد استغلالهم من جهة زادت الثروات وتكدست في الجهة الأخرى. لكنهم يروجون الأكاذيب بيننا عن قدسية حق الملكية وذكاء ومخاطرة رجل الأعمال. والنتيجة الفقر المدقع من جهة والملايين من الجهة الأخرى.

الآن، وبالذات في هذه الفترة التي تمر فيها الرأسمالية في كل مكان بالأزمة، تريد الرأسمالية في مصر بمعاونة ممثلتها الرسمية – الحكومية – تحميل العمال كل خسائرهم، تريد أن يدفعوا ثمن أزمة نظام ليسوا هم المسئولين عنه وليسوا هم المستفيدين منه. نظام يمتص دمهم ومن مصلحتهم أن ينهار لا أن يدفعوا ثمن إنعاشه.

هذه الأزمة الرأسمالية تظهر بوضوح في حالة مصر التي تريد أن تصبح نمرًا اقتصاديًا وتلحق بديل الرأسمالية العالمية. وحتى يتحقق لها ذلك في عالم تزداد فيه المنافسة شراسة ساعة بعد أخرى فلا بد أن تمتص دمائنا حتى آخر قطرة ولا بد أن تبتكر صورًا أبشع للاستغلال.

من هنا يمكن أن نفهم القوانين التي تسنها الحكومة المصرية كل يوم فهي ليست مجرد مواد ونصوص جامدة ولكنها التعبير الواضح عن الصراع الطبقي والموازين السياسية وإعطاء مبرر شكلي لعمليات النهب والاستغلال. من هنا أيضًا نستطيع أن نفهم لماذا قانون العمل الموحد الآن بوصفه إحدى حلقات سلسلة السياسات الرأسمالية.

وعلى الرغم من أهمية هذا القانون وتأثيره المباشر والخطير على أوضاع العمال إلا أنه لا يزال بعيدًا عن أذهانهم. فقد أشعل قانون مشابه موجة من الإضرابات العامة في كوريا منذ عامين حتى استطاع العمال هناك وقف صدوره حيث أدركوا التدهور الذي سيصيبهم بسببه. أما في مصر فيمكننا أن نفهم عدم اهتمام العمال المصريين بقانون العمل الموحد في ظل التراجع في الحركة العمالية وظروفها الصعبة وفي ظل قدرة الحكومة على أشغالهم بقضايا ومشاكل متزايدة. ولكن بسبب هذه الظروف الصعبة نفسها، وحتى لا تزداد سوءًا، يحتاج العمال للمقاومة حتى يوقفوا التدهور. وحتى يستطيع العمال المقاومة لا بد أن نفهم معًا ما هو القانون الذي نقاوم صدوره.

ترى الرأسمالية المصرية الآن أن الحقوق القليلة التي حصل عليها العمال في الماضي تقف عقبة أمام جذب المستثمرين الأجانب وتشجيع الرأسماليين المصريين لذا فهذا القانون يعطي كل الحقوق لأصحاب المصانع وكل الواجبات على عاتق العمال. فلصاحب المصنع حق زيادة ساعات العمل، نقل العمل من عمل لآخر لأي سبب، فصل العامل في أي وقت لعشرات الأسباب المصطنعة، تخفيض الأجور بلا أي ضابط، بينما يستمر في تجريم حق الإضراب سلاح العمال الوحيد لحماية أنفسهم. أنه باختصار يحطم البقية الباقية من حقوق عمال القطاع العام، فلا ضمانات عمل ولا إجازات، ولا حقوق للمرأة العاملة والأطفال. وهي مكاسب كان العمال قد حصلوا عليها في فترات سابقة بكفاحيتهم ونضالهم في مواجهة الدولة والمستغلين.

إن هذا القانون هو بالضبط ما يطلبه المستثمرون قبل العمل والاستثمار في مصر ليسلم لهم العمال لقمة سائغة ليفعلوا بهم ما يشاءون.

والآن كيف نقاوم هذا القانون؟

ليس بالكلام وحده نقاوم وليس بافتراض إمكانيات وهمية وغير ممكنة ولكن بنضال العمال ووقوفهم معًا في مواجهة مستغليهم فهو الطريق الوحيد لوقف هذه الهجمة كما تثبت لنا خبرة العمال في مصر على طول تاريخهم.

فالأحزاب السياسية مثلاً تسير وراء النظام بما فيهم الأحزاب التي تدعي الدفاع عن مصالح العمال والفقراء والمضطهدين بينما هي في الحقيقة مؤيدة لاستمرار الأوضاع وتكره أن ترى أي شيء يعكر صفو سير الأمور الطبيعي أي يعكر صفو علاقات الاستغلال. وأقصى ما يمكن أن تفعله هذه الأحزاب هو دعوة رجال الأعمال لبعض الرحمة وليس أكثر، فالنظام يجب أن يستمر.

أما النظام والحكومة فهم بالتأكيد ضد العمال، وبالتالي فإن عضو مجلس الشعب الذي عينته الحكومة بالتزوير لن يكون سندًا لهم لا هو ولا غيره من رجال الحكومة سواء في الحكم المحلي أو حتى في النقابات الصفراء.

البديل الوحيد إذن لا بد أن ينطلق من مكان آخر فحركة العمال من أسفل هي الطريق الوحيد للنضال والمقاومة، ولا بد أن نكون واعين لكل الإمكانيات في هذا السياق. فعلى الرغم من الهبوط في حركة العمال إلا أن السنوات القليلة الماضية بما حملته من تجارب الخصخصة والمعاش المبكر قد ملأت العمال بالغضب ودفعتهم للحركة. فقام العمال بعمل عشرات الإضرابات التي برغم طابعها الدفاعي إلا أنها كانت مؤشرًا هامًا على حالة السخط والغضب المتزايدة.

واجبنا الآن أن نعمق هذه الحركة ونعطيها التجانس ونربطها بسياق أعم منها لتقويتها وزيادة التضامن بينها والتعلم من الخبرات المختلفة لتصبح أكثر تنظيمًا. هذا هو جوهر الموضوع. لأننا منطلقون من هذا، تظهر أهمية منظور الاشتراكية الثورية. فالبديل الاشتراكي الثوري هو الوحيد القادر على الدفع في هذا وإعطاء إمكانية له. فحتى التغييرات والإصلاحات الصغيرة لا تمنح وإنما نحصل عليها بفرضها عبر عملنا الجماعي. فالاشتراكية الثورية هي الحل حتى للإصلاح، وهي تفكر فيه من منظور التغيير الشامل. فعندما يفرض العمال إصلاحات صغيرة بحركتهم ونضالهم فإن ذلك يعطيهم الثقة في إمكانيات حدوث التغيير الشامل ويعلي من هذه الإمكانيات.

نحن نعلم جيدًا أن الوضع ليس سهلاً ولا ورديًا لكن المبادئ والأسس واضحة: التغيير من أسفل، خلق أفق سياسي وترابط بين النضالات المبعثرة وتقويتها حتى تشعر أنها جزء من كل.

هذا الدور يستدعي للعبه اشتراكيون ثوريون يتعلمون ويبادرون حتى تتسع النضالات وتتزايد. من واجب كل فرد بدأ يرى أن المعركة طويلة وأنها ضد النظام وليس فقط ضد صاحب المصنع، من واجب كل من يفكر هكذا أن يتحرك مع الآخرين ومن واجبهم معًا أن يحاولوا خلق جسور وروابط بينهم وبين حركة العمال الحقيقية وليس مع ممثليها المزيفين من القادة النقابيين الصفر مثلاً.

يجب عليهم خلق جسور حقيقية. بمعنى تجميع العمال الذين يزوروا ويبرزون في المعارك في تكوينات تنظمهم وتدفعهم للأمام. وبالرغم من أن الظرف صعب إلا أن الأزمة من الممكن أن تجعل حفنة من العمال تعرف أن الطريق الثوري حتى في الإصلاح هو الطريق الوحيد الممكن اليوم.