الإضرابات: من مطالب العمال لمطالب المجتمع
حوالي خمس ساعات هي كل ما استغرقه إضراب عمال مترو الأنفاق لتذعن الدولة لمطلبهم بإقالة رئيس شركة تشغيل المترو الذي اتهمه العمال بإهدار المال العام والتكسب والتعسف ضد العاملين. رغم تحذير العمال عدة مرات وإخطارهم مسبقا بنية الإضراب وبالمطالب لم يأخذ وزير النقل إنذارهم على محمل الجد. ولكن بمجرد دخول العمال في الإضراب صباح أمس الأربعاء وظهور آثاره في شوارع القاهرة وتهديد عمال السكة الحديد وهيئة النقل العام بالانضمام للإضراب، استجاب الوزير فورا وقبل استقالة رئيس الشركة.
يبدو الفارق شاسعا بين إضراب المترو الذي استغرق ساعات فقط ليجبر الحكومة على الاستجابة لمطلب العمال وإضراب الأطباء الذي استغرق ما يقرب من خمسين يوم دون استجابة من الحكومة، رغم أن إضراب الأطباء من المفترض أنه أخطر في تأثيره ونتائجه من إضراب المترو. ولكن الأسلوب الذي اتبع في إضراب الأطباء كان يراعي بطبيعة الحال تلك الخطورة واحتمال تأثيره على حياة المرضى. بينما اعتمد عمال المترو الإضراب الشامل الذي أدى إلى شلل فوري في شوارع القاهرة ولم يترك للحكومة مجالا سوى الرضوخ.
الأطباء اعتمدوا الضغط التدريجي عبر الإضراب الجزئي حرصا على صحة وحياة المرضي. فما كان من الحكومة إلا أن تتجاهل إضرابهم ومطالبهم ويستمر للشهر الثاني دون استجابة. إنها الرسالة الأسوأ على الإطلاق التي ترسلها الحكومة. الحكومة تخضع ولا تفهم. تخضع لضغط عمال المترو المباشر وتنصت لصوت الأطباء الذين تمنعهم ضمائرهم المهنية من استخدام وسائل متاحة لقطاعات عمالية أخرى. رسالة كهذه قد يكون لها أسوأ العواقب. فكأنما تقول الحكومة لأصحاب المطالب أننا لن نستجيب إلا إذا استخدمتم أقصى درجات الضغط وتخليتم عن أي حذر.
المضربون في كافة المؤسسات والمرافق كانوا دائما أحرص من الدولة على مصالح المواطنين والمجتمع. فكانوا يعلنون دائما عن إضراباتهم بشكل مسبق. وكانت إضراباتهم يسبقها احتجاجات تحذيرية بالاعتصام والتظاهر مع استمرار التشغيل. ولكن الدولة أصرت دائما على التجاهل ودفع الأمور إلى النهاية.
ربما يختلف إضراب المترو عن إضراب الأطباء في الكثير من الأمور ولكن كلا منهما يبرهن على الطريقة التي تفكر بها الدولة والتي لا تتضمن الإنصات والحوار والتفاوض وتراهن على يأس المحتجين ونسيانهم المطالب. ولكن على الرغم من أوجه الخلاف الكثيثرة بين إضرابي المترو والأطباء فهناك وجه شبه أقوى من أي اختلاف. فالمطالب الرئيسية في كلا الإضرابين لم تكن تتلخص في مصالح مباشرة وقاصرة على المضربين مثل الحوافز والأرباح والبدلات ـ وليس هذا تقليلا من شأن تلك المطالب فمن حق العمال أن يحتجوا للمطالبة بحقوقهم إذا انتقصت ـ ولكن المطالب في الإضرابين كانت تتعلق بمصالح المجتمع ككل. الأطباء يطالبون برفع مخصصات الصحة في الموازنة العامة للدولة من 4.3% إلى 15% حتى يحظى المصريون بالرعاية الصحية اللائقة. وعمال المترو طالبوا بإقالة رئيس الشركة الذي رأوه يهدر أموال الشعب ويتراجع بالخدمة في مرفق يخدم الملايين. كلا المطلبين يعنيان تحسين لوضع الأطباء والعاملين في المترو على السواء ولكن عبر تحقيق مصلحة المجتمع ككل. رسالة المضربين أيضا كانت واضحة رغم الجهد الكبير الذي بذل من قبل الأجهزة الرسمية في تشويه الإضرابات وتحريض المجتمع ضدهم. بعض الاحتجاجات العمالية في مصر مثلت محطات رئيسية للحركة العمالية. فبعد تظاهر عمال المحلة في فبراير 2008 من أجل الحد الأدنى للأجور أصبح الحد الأدنى للأجور مطلب كل العمال في مصر. وعندما أسس موظفو الضرائب العقارية النقابة المستقلة في ديسمبر 2008 انطلقت حركة استقلال النقابات. واليوم عندما يطالب عمال المترو بتطهير المرفق ويطالب الأطباء بزيادة موانة الصحة فإنهم يدخلون بالحركة العمالية كطرف فاعل وأساسي ليس في الدفاع عن مصالح العمال وفقط بل وفي الدفاع عن مصالح المجتمع وتحقيق ما لم يتحقق بعد من مطالب الثورة.