بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الضرائب العقارية نضال حتى النصر

مع بداية الألفية الجديدة أخذت الحركة الاحتجاجية والاضرابية في أوساط العمال في التسارع بشكل ملحوظ، وكما كان إضراب عمال غزل المحلة في ديسمبر 2006 منعطفا هاما في احتجاجات العمال نتيجة عدة عوامل أهمها التاريخ النضالي للمحلة والحجم الهائل للشركة (27 ألف عامل)، كذلك فإضراب واعتصام موظفي الضرائب العقارية -55 ألف موظف- والذي بدأ في أكتوبر الماضي، يعد انعطافا جديدا لا يقل أهمية عن غزل المحلة.

الموظفون يتحركون

55 ألف موظف هو الرقم الأضخم في تاريخ تحركات الموظفين المصريين، وبالإضافة إلى كبر حجم حركة الموظفين فهي تكتسب ميزة إضافية هي انتشارها الجغرافي في كل محافظات مصر، وهو ما يوفر لها ضمان اتساع تأثيرها، الأمر الذي بات واضحا في تأجيل تحصيل 80% من المبالغ التي تم تحصيلها في نفس الفترة من العام الماضي.

يعتبر قطاع الموظفين هو القطاع الأضخم من العاملين بأجر لدى الدولة بعد انخفاض أعداد العمال من مليون و 300 ألف إلى نحو 700 ألف بخروج 600 ألف بنظام المعاش المبكر، في حين يبلغ عدد الموظفين لدى الحكومة نحو 6 ملايين موظف حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، هذا العدد الضخم يعد الأضخم في العالم قياسا بعدد السكان وقوة العمل التي تتراوح بين 22 إلى 23 ملبون، وهو ما يعني أن العاملين بالحكومة يشكلون أكثر من ربع قوة العمل وهي النسبة الأكبر على الإطلاق.

هذا القطاع المعروف تاريخيا بالميل للهدوء والمهادنة وتحكمه القاعدة المصرية الشهيرة “إن فاتك الميري ..”، ولذلك مثل تحرك هذا العدد من موظفي الضرائب العقارية حجرا ثقيلا في ماء البيروقراطية المصرية.

ومثلما كانت تحركات العمال طوال العام 2007 موصولة بالاحتجاجات السابقة، جاء تحرك موظفي الضرائب العقارية مرتبطا بالمناخ العام الحاصل في مصر، فالمرتبات ثابتة منذ عقود والزيادات القليلة تلتهمها الأسعار الجنونية.

سبق تحرك الضرائب العقارية احتجاجات أخرى كان أبرزها اعتصام مصححي الثانوية العامة الذين طالبوا بتطبيق الكادر الخاص وكذلك اعتصام وتجمهر نحو 5 آلاف طبيب داخل دار الحكمة يطالبون أيضا بتطبيق كادر خاص للأطباء، مهددين بالإضراب عن العمل، كذلك اضراب واعتصام موظفي البريد الذين طالبوا بتثبيتهم ومساواتهم بزملائهم.

الضرائب مجرد بداية

ثم جاء احتجاج موظفي الضرائب العقارية الذي بدأ بتحركات منفصلة في كل محافظة، بدأها موظفو الضرائب العقارية بالإسماعيلية في مارس الماضي، ثم موظفو “عقارية” أسيوط احتجاجا على عدم صرف رواتبهم طوال 12 شهرا.

وكان تتويج حركة الضرائب العقارية في شهر سبتمبر الماضي بالاعتصام الرمزي الذي أعلنوه أمام مجمع مصالح الجيزة وأعلنوا فيه مطلبهم الرئيسي لحركتهم وهو ضمهم لوزارة المالية ومساواتهم ماليا وإداريا بزملائهم من موظفي الإدارة.

وبعد هذا الاعتصام الرمزي وتجاهل الدولة له بالطبع، وعدم تحركها لحل الموقف، قام الموظفون بالاعتصام والتجمهر أمام وزارة المالية في أكتوبر عقب أجازة عيد الفطر مباشرة، وصاحب هذا الاعتصام البدء في إضراب عن التحصيل على مستوى مأموريات الضرائب العقارية بالجمهورية، تجمهر في شهر أكتوبر نحو 5 آلاف موظف تجمعوا من 13 محافظة أمام وزارة المالية بمدينة نصر ليتوجهوا بعدها سيرا على الأقدام في مسيرة نحو مجلس الوزراء بشارع القصر العيني ليتظاهروا لعدة ساعات قبل أن ينصرفوا مؤكدين على عودتهم مرة أخرى للاعتصام أول نوفمبر في الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وهو ما حدث بالفعل، ليقيم الموظفون باتحاد العمال لمدة يومين، وقيامهم بالتظاهر أمام مقر الاتحاد بشارع الجلاء قبل وعود من حسين مجاور رئيس الاتحاد وعائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة بوساطة من عبد الرحمن خير رئيس النقابة العامة للصناعات الحربية، ليعلق الموظفون إضرابهم مع التأكيد على التظاهر والتجمهر أمام مبنى رئاسة الوزراء مرة ثانية في 3 ديسمبر.

وجاء قرار عودتهم للاعتصام والتجمهر بعد قرار وزير المالية بقطع المهلة التي سبق وأعطاها للموظفين لبحث مدى امكانية تنفيذ مطالبهم خلال شهر، وقبل مرور الشهر، أعلن الوزير يوسف بطرس غالي استحالة تحقيق مطلبهم بالضم إلى وزارة المالية ومساواتهم بزملائهم في مصلحة الضرائب العقارية أو زملائهم في الضرائب العامة والضرائب على المبيعات، وهو الأمر الذي دفعهم للاعتصام في اتحاد العمال قبل أن يعلقوا اعتصامهم لشهر ديسمبر متوعدين باعتصام وتجمهر أكبر وأقوى من سابقه في شهر أكتوبر.

الحديث مع موظفي الضرائب العقارية أثناء اعتصامهم بمبنى اتحاد العمال في نوفمبر الماضي، كشف مدى التدهور الحاصل في أوضاعهم المادية والمعيشية.

محمد محصل ضرائب بأحد مأموريات محافظة البحيرة، يشتكي من تدهور الأوضاع المادية قائلا “المستهدف للموظف ومعه 2 صيارفة يبلغ 250 ألف جنيه شهريا، وفي حالة الاخفاق يتم خصم 80 جنيه في الشهر من الراتب والحافز.. والكارثة أن الراتب بالحوافز يصل 450 جنيها فقط بعد أكثر من 20 عاما من العمل، ولذلك يعتبر خصم 80 جنيها من هذا الراتب الضئيل كارثة علينا وعلى ولادنا”.

وإذا كان ذلك حال الموظفين والصيارفة فحال الكتبة والمهن المعاونة في المأموريات أسوأ بكثير، أمل تعمل كاتبة منذ 20 عاما تقول “مكافآت الكتبة لا تزيد عن 2 جنيه شهريا والراتب لا يزيد عن 400 جنيه بالنسبة لأقدم الكتبة”.

السيدة أمل وغيرها من الزميلات بتن ليلتهن الأولى في اعتصام نوفمبر الماضي باتحاد العمال رافضات التخلي عن زملائهن، مما يكشف عن الدور الحقيقي للمرأة كمناضلة لا تقل شراسة عن الرجل، تقول أمل “زوجي موافق على مبيتي خارج البيت لأني أسعى على أكل عيشي وأساعده في مصاريف البيت، فأنا عندي 3 أولاد جميعهم في التعليم، ومرتب زوجي بالطبع لا يكفي وكذلك مرتبي، ونحن ننتظر الزيادة والمساواة بزملائنا لتتحسن أحوالنا وأحوال أولادنا الصعبة”، وتضيف أمل “الحاجة عائشة وزيرة القوى العاملة تحدثت معنا عن ضرورة الذهاب للبيت وعدم المبيت في الاتحاد العام وقالت خدي الستات وروحوا، بس أنا قلت لها يا حاجة عائشة احنا هنا علشان نجيب حقوقنا وحقوق عيالنا ومش بايتين في الاتحاد بمزاجنا.. هاتوا لنا حقوقنا واحنا نروح وننام وسط عيالنا”.

علق موظفو الضرائب العقارية اعتصامهم في الاتحاد في نوفمبر الماضي بناء على وعد من رئيس الاتحاد حسين مجاور بتلبية مطالبهم بعد بحثها مع وزير المالية، إلا أنهم توعدوا باعتصام أكبر وأوسع إذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم.

وكعادتها لم تعر الحكومة اهتماما لمطالب الموظفين، ومرة ثالثة يعلن ما يقرب من 10 آلاف موظف الاعتصام أمام مجلس الوزراء في 3 ديسمبر الجاري، دخل يومه الثاني حتى مثول الجريدة للطبع.

أهمية حركة موظفي الضرائب العقارية تنطلق من قوتها واتساع رقعتها وتماسك الموظفين حول مطالبهم وإصرارهم على نيلها مهما كان الثمن.