بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

عمال وفلاحين

قانون المحاماة الجديد:

الفقراء من شباب المحامين هم الضحية

يجري الإعداد الآن لتعديل قانون المحاماة، وبالطبع يحدث هذا بعيداً عن النقاش الحر المفتوح وسط القاعدة العريضة من المحامين، وإنما يتم في الخفاء تحت إشراف سامح عاشور نقيب المحامين الحالي، ليُفاجأ به جمهور المحامين بين ليلة وضحاها على جدول أعمال مجلس الشعب، كما جرت العادة مع القوانين التي تمس شروط حياة شرائح واسعة من الجماهير المصرية. وبالطبع أيضاً تتم تلك التعديلات في اتجاه هدفين رئيسيين، مثلها في ذلك مثل كل القوانين التي تصدر خلال المرحلة الراهنة، الأول هو خدمة مصالح السياسات الاستثمارية الليبرالية الجديدة على حساب المحامين الفقراء، الشباب منهم على وجه خاص، والثاني هو دعم مشروع توريث الحكم، عبر منح سامح عاشور –المرشح المرتقب أمام جمال مبارك في تمثيلية انتخابات الرياسة حسبما تردد في وقت سابق- الفرصة مجدداً للهيمنة على نقابة المحامين، من جانب في محاولة لإتقان التمثيلية، ومن جانب آخر كمكافأة له على أدائها.

التعديلات المرتقبة ومصالح الشركات الاستثمارية
يُعتبر قانون المحاماة الحالي، الصادر عام 1983، هو المنظم للأوضاع المهنية والنقابية للمحامين. وهو يضع قواعد العلاقة ما بين المحامين والسلطتين القضائية والتنفيذية، سواء أمام المحاكم والنيابات أو أمام أقسام الشرطة، كما أنه يحدد الضمانات المطلوبة لحماية حقوق المحامين –بصفتهم المدافعون عن الشعب- أمام تلك السلطتين، ويحدد قواعد القيد في جداول النقابة، التي تفتح الباب أمام جميع خريجي كليات الحقوق دون استثناء.

أما القانون المقترح فيضع شروطاً جديدة على القيد بجدول النقابة، هي ضرورة حصول المتقدم على دبلوم في أحد فروع القانون، بادعاء أن ذلك هو السبيل الوحيد لإصلاح أوضاع مهنة المحاماة. في المقابل يقترح حمدي الأسيوطي، المحامي اليساري وعضو رابطة الهلالي، “إنشاء معهد قومي للمحاماة تشرف عليه وزارة العدل، على غرار معهد الدراسات القضائية، لحسم مسألة القيد هذه، على أن تشارك النقابة في وضع المناهج. وأن يكون 75% من المنهج عملياً و25% نظرياً، وتكون مدة الدراسة به سنة، ويصبح حصول الطالب على دبلوم من المعهد شرطاً للقيد بدرجة ابتدائي (التي يحق للمحامين المقيدين الحصول عليها بعد سنتين من القيد) وليس للقيد بجدول النقابة”. وبما يؤدي –طبقاً لهذا الاقتراح- لأن يظل باب القيد مفتوحاً أمام جميع خريجي الحقوق، وفي نفس الوقت يسمح بتطوير قدراتهم المهنية. وينبه الأسيوطي هنا على أن الأولى هو وضع ضوابط على قيد ضباط الشرطة في جداول النقابة، حيث يجب أن يخلو الملف الوظيفي للراغبين في القيد منهم على أي محاسبة أو إدانة في جرائم متعلقة بحقوق الإنسان.

ويؤكد شوقي داوود، عضو نقابة المحامين بالجيزة والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، على رفضه وضع شروط جديدة للقيد، ويقدم في مسألة تطوير أداء المحامين اقتراحاً شبيهاً باقتراح الأسيوطي، يقوم على تفعيل معهد المحاماة حتى يؤدي دوره في رفع الوعي المهني، وتأهيل المحامين لممارسة المهنة. فهو يرى أن ليسانس الحقوق إذا كان يؤهل لدخول النقابة فيجب ألا يكون المؤهل الوحيد لممارسة المهنة.

والحقيقة أن ما يجب الالتفات له في مسألة شروط القيد هو الدور الذي تؤديه التعديلات لخدمة السياسات الاستثمارية. فالاتفاقيات التي جرى توقيعها خلال سنوات سابقة حول تحرير التجارة لم تفتح الباب فقط أمام الاستثمارات الأجنبية في مجال الأنشطة المهنية، وهو ما أثار ضجة منذ عدة سنوات وسط جمهور المحاسبين، وإنما هي أيضاً وضعت قيوداً على نشاط المهنيين المصريين. فمهنة المحاماة تقتصر في العادة داخل بلدان الغرب المتقدمة صناعياً على نخب تنتمي للشرائح العليا من الطبقات الوسطى، وفي بعض الحالات –كالولايات المتحدة- تقتصر دراسة الحقوق فقط على حملة المؤهلات العليا، أي الذين تخصصوا في دراسات سابقة، كالاقتصاد أو الهندسة أو العلوم الاجتماعية.. الخ.

الوضع في مصر مختلف بالطبع، فمع التوسع في التعليم منذ الستينات، زاد بشكل كبير معدل القبول في كليات الحقوق، واتسعت في المقابل شريحة المحامين وسط حملة المؤهلات العليا، الذين باتوا يشكلون قسماً هاماً من الشرائح المتوسطة والدنيا للطبقة الوسطى. وانعكس بالطبع التدهور المتواصل لمستويات التعليم الجامعي في العقود الأخيرة على مستوى الكفاءة المهنية لدى أعداد كبيرة من المحامين، وإن بقيت مهنة المحاماة تؤدي خدمة مهمة للفقراء بشكل عام.

إلا أن ما تحتاجه الاستثمارات اليوم هو شيء آخر، هي بحاجة إلى فرز شريحة من المحامين على دراية أوسع بقوانين وسياسات الشركات الكبيرة واحتياجاتها، وعلى تضييق قواعد وفرص التقاضي أمام الفقراء في مواجهتها، أي إخضاع شروط مهنة المحاماة بشكل عام لخدمة مصالحها. لذا بدلاً من أن تتجه الدولة إلى تطوير التعليم الجامعي المجاني لفرز أعداد أكبر من المحامين الأكفاء المرتبطة بالشرائح الاجتماعية الفقيرة ولخدمة مصالحها، تتجه إلى تضييق المهنة وإلى فرز شرائح المحامين القادرين على خدمة مصالح الشركات الكبيرة.

ولا تكتفي التعديلات المرتقبة بشروط القيد للتضييق على الشباب الفقراء من خريجي الحقوق، وإنما ستسعى إلى تقليص المكافآت التي تصرف لهم خلال سنتي التدريب، بحيث تُحدد مستقبلاً طبقاً لقرار سنوي من مجلس النقابة العامة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن أجر المحامي المتدرب يتراوح ما بين 100 إلى 150 جنيه في العادة، فهذا سيعكس نفسه مباشرة في ابتعاد أعداد أكبر من شباب الفقراء خريجي الحقوق عن مهنة المحاماة.

يتفق شوقي داوود مع هذه الفكرة مؤكداً أن المحامين جزء من المجتمع وما يؤثر في المجتمع يؤثر فيهم من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والتربوية، وبالتالي تقع عليهم أعباء معيشية شديدة، ومن وجهة نظره هم أول من أضيروا بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. لكنه لا يرى إمكانية وضع حد أدنى للأجور التي تمنح للمحامين تحت التدريب من مكاتب المحاماة، وإنما يرى تركها “لضمير” أصحاب المكاتب وظروف العرض والطلب، ويقترح أن تزيد المكافأة التي تمنحها النقابة حفاظاً على التوازن بين مصالح الطرفين، أي أصحاب المكاتب والمتدربين لديهم.

وإمعاناً في التضييق على فرص المحامين الشباب الفقراء تتجه النية في التعديلات المقترحة إلى تغيير تكوين مجلس النقابة العامة في اتجاه هذا التضييق. ويشرح لنا أحمد طاهر، المحامي وعضو مركز الدراسات الاشتراكية، هذا الأمر بأن القانون الحالي ينص على أن يُشكل مجلس النقابة من النقيب و24 عضواً، على أن يكون نصفهم من المحامين أمام النقض والاستئناف. ويمثل كل دائرة محكمة استئناف عضوين على الأكثر، ويمثل محاميي قطاع الأعمال 6 أعضاء على الأكثر، على أن يكون هناك عضوان بالمجلس يمثلان الشباب. إلا أن التعديلات المقترحة لا تشترط وجوب أن يكون هناك اثنين من أعضاء مجلس النقابة من الشباب، وبما يعني غيابهم عن المجلس، رغم أن سامح عاشور –الذي يقف وراء هذا التعديل- دخل المجلس لأول مرة على مقعد الشباب.

سامح عاشور ومشروع التوريث
لقد ظهر بوضوح في الصراع السياسي الأخير داخل الحزب الناصري الدور التخريبي لسامح عاشور، الذي يقف وراءه تواطؤه مع مشروع توريث الحكم لجمال مبارك. فالتعديلات الدستورية الأخيرة –وفي إطار البحث عن مخرج لتطبيق خطة التوريث عبر تمثيلية معدة مسبقاً لانتخابات الرياسة- سمحت لأعضاء ما يسمى بالهيئات العليا للأحزاب “الشرعية” القائمة (الورقية في مجملها بالطبع) بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية. وقد ظهر أن النية تتجه لإبراز سامح عاشور (الحزب الناصري) ومحمود أباظة (حزب الوفد) ليلعبا دور المهرج –أي ترشيح أنفسهم أمام جمال مبارك- حتى تكتمل التمثيلية.

ويبدو أن التعديل المرتقب على قانون المحاماة يلعب دوراً في هذا الصدد، بمنح سامح عاشور الفرصة لتولي منصب نقيب المحامين لدورتين تاليتين. يشرح لنا أحمد طاهر أن القانون الحالي ينص على أن تكون مدة مجلس النقابة 4 سنوات، ولا يجوز انتخاب النقيب لأكثر من دورتين متعاقبتين. إلا أن التعديل يقترح تغيير مجلس النقابة بضم نقباء النقابات الفرعية وعشرة أعضاء من المقيدين أمام الاستئناف، على أن يكون من بينهم اثنين من أعضاء الإدارات القانونية. وبذلك يكون التعديل المقترح قد ألغى نص المادة السابقة، التي على أساسها جرت انتخابات المجلس والنقيب الحاليين. وبالتالي سيصبح من حق سامح عاشور ترشيح نفسه مرة أخرى في أول انتخابات قادمة ولمدة دورتين أخريين.

ولأنه من المنتظر أن تجري انتخابات النقابة خلال العام المقبل (2008)، فالتعديل سيسمح من جانب لسامح عاشور بأن يكون على رأس نقابة المحامين أثناء انتخابات التوريث، وبما يضمن له افتعال معركة تبدو حقيقية. ومن جانب آخر يأتي منحه ثماني سنوات إضافية في منصب النقيب كمكافأة له على قبول دور المهرج.

شباب المحامين والتعديل المرتقب

يرى هيثم محمدين عضو رابطة شباب المحامين أن نقابة المحامين لا تكون “نقابة” إذا لم تدافع عن مصالح أعضائها سواء المهنية أو المتعلقة بظروفهم المعيشية، وأن يكون المحامي هو محور اهتمامها، وأن يأتي على رأس جدول أعمالها الدفاع عن كرامة المحامين وحريتهم، وتسهيل أدائهم للمهنة، وتوفير حياة كريمة لهم. وطالب بأن تقوم النقابة بإعادة النظر وإعطاء الأولوية في اهتمامها إلى القاعدة العريضة من المحامين الشباب، بتوفير فرص عمل كريمة لهم في مكاتب المحاماة، وتنظيم علاقات العمل داخل تلك المكاتب، ووضع حد أدنى للأجر الذي يحصل عليه شباب المحامين خلال سنتي التدريب، بحيث لا يقل عن 300 جنيه شهرياً، يتم تعديلها سنوياً طبقاً للتغيرات الاقتصادية.

وطالب أيضاً بأن على النقابة أن تلعب دوراً في تسهيل إقامة مكاتب تعاونية للمحامين الشباب، ومنحهم كافة الحقوق التي يحصل عليها المحامون بدرجات قيدهم المختلفة، سواء بالحصول على مطبوعات النقابة وخدماتها كالتأمين الصحي الذي يسددون اشتراكاته بالفعل. كما أكد على رفض رابطة شباب المحامين لأي محاولة لإغلاق باب القيد في وجه الخريجين الجدد، لأنه يمثل اعتداء على حقهم في العمل الذي تكفله الدولة، وانحراف عن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. وفي رأيه أن من الأدعى غلق باب القيد أمام ضباط الشرطة ورجال القضاء.

والجدير بالإشارة أن رابطة شباب المحامين لها تصور حول تفعيل النضال الجماعي للمحامين، باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحسين ظروف العمل وممارسة المهنة بالنسبة لهم. وانطلاقاً من هذا التصور تدعو الرابطة إلى تشكيل لجان للتضامن بين المحامين على مستوى المحاكم، باعتبارها قاعدة التنظيم النقابي لهم، وأن تلعب تلك اللجان دوراً في تقديم الدعم السريع للمحامين في أماكن عملهم، وحل مشاكلهم مع المحاكم والنيابات ومعاوني القضاء وأقسام الشرطة. كما تسعى الرابطة لتعبئة المحامين وتنظيم نضالهم حول مطلبين رئيسيين:1) وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 300 جنيه، تقوم النقابة بتحديده، وإعادة النظر فيه سنوياً. 2) تحقيق المساواة التامة في الحقوق والمزايا التي تقدمها النقابة، وخاصة المساواة في الاستفادة من مشروع التأمين الصحي، بين جميع المحامين.